زعماء لبنان الجدد يسعون إلى تعزيز قبضتهم على السلطة

بقلم رئيف عمرو

في الأسابيع الأخيرة، واجه لبنان أزمتين، وكلاهما يقول لنا شيئاً عن الخلافة السياسية. هناك جيل جديد من القادة بدأ في الظهور، والطريقة التي يفضّلها لتعزيز قبضته على السلطة هي زيادة الإستقطاب.
جاءت الأزمة الأولى بعد قرار رئيس حزب “التيار الوطني الحر”، جبران باسيل، بمقاطعة جلسات الحوار الوطني في لبنان، على أساس أنه لم يتلقَّ إجابات وافية بشأن تقاسم السلطة على قدم المساواة بين المسيحيين والمسلمين.
وشملت الأزمة الثانية أزمة القمامة، التي أثارها سامي الجميل الذي يرأس حزب “الكتائب اللبنانية”. لقد منع الجميّل وأتباعه إعداد موقع لطمر النفايات بالقرب من برج حمود، في الضاحية الشرقية لبيروت، بحجة أن إلقاء النفايات هناك من شأنه أن يلوّث البحر ويؤدي إلى “كارثة ستمتد لسنوات، وستنتج منها أضرار بيئية وصحية”.
إلى حدٍّ ما هناك ما يبرّر الإحتجاجين، ومع ذلك ربما لم يكن هذا هو السبب الرئيسي لحدوثهما. في الواقع إن دور المسيحيين في الدولة ضعف كثيراً، وذلك نتيجة لإنخفاضهم الديموغرافي وتضعضع زعمائهم. وتتحَدد السياسة في لبنان اليوم إلى حد كبير عبر ديناميات تشكّلها الطائفتان السنية والشيعية.
أما بالنسبة إلى الجميل، فإن حملته ضد مكب برج حمود مُحِقَّة وعادلة أيضاً، وإن تأييد الناشطين في مجال البيئة له يؤكد هذا الأمر. إن المطمر أو المكب مؤذٍ حيث يقع قرب منطقة حضرية، وهو شاهدٌ على عدم رغبة الحكومة في حل أزمة القمامة التي بدأت في الصيف الماضي من خلال طرق سليمة بيئياً.
ومع ذلك، ما كان واضحاً أيضاً هو أن الوزير باسيل، مثل النائب الجميّل، يقوم بعملية توطيد قبضته على الحزب السياسي الذي سُلِّم له. لقد تولّى باسيل رئاسة “التيار الوطني الحر” بفضل دعم وتدخل عمه (والد زوجته)، العماد ميشال عون، الذي أجبر النائب ألان عون، منافسه على منصب القيادة في إنتخابات العام الماضي، على الإنسحاب لصالحه.
ومنذ ذلك الحين يحاول باسيل تعزيز نفسه في حزب لا يحظى بالضرورة فيه بشعبية خاصة. في تموز (يوليو) الفائت، طرد ثلاثة مسؤولين بارزين في التيار بسبب طعنهم بقرار القيادة لتشكيلها تحالف مع سعد الحريري في الإنتخابات البلدية في بيروت.
مع ذلك، في أواخر (تموز) يوليوالفائت، في الإنتخابات الحزبية الداخلية لإختيار المُرشَّحين للإنتخابات البرلمانية، صوّت عدد كبير من الأعضاء لمنافسي باسيل في الحزب، بمن فيهم أولئك الذين طُرِدوا.
يُدرك باسيل جيداً أن واحداً من الأشياء الذي يسهّل مهمته اليوم في تشديد قبضته على “التيار الوطني الحر” هو وجود العماد عون، الذي، من دون إبن له (ولي للعهد)، قد أظهر تفانياً غريباً لصهره. ولكن عندما يرحل عون (82 عاماً) بعد عمر طويل، فإن المواجهات والتحديات التي تواجه باسيل من المؤكد أنها ستزداد. وهذا هو السبب الذي يدفعه إلى تعزيز سلطته الآن، قبل أن يحدث ذلك.
إن مقاطعته للحوار الوطني تتناسب تماماً مع هذه الإستراتيجية. من خلال التركيز على قضية ساخنة عن نقص التمثيل المسيحي، فإنه يسعى إلى تصوير نفسه على أنه بطل مصالح المسيحيين.
وهذا من شأنه أن يسمح له تعزيز مكانته داخل “التيار الوطني الحر” ومواجهة أفضل لأي تحدّ من يمينه. وباسيل ليس دقيقاً، ولكن تكتيكاته قد تنجح، ذلك أن الشعور المسيحي بالعزلة والإغتراب كبير جداً.
من جهته، أُعطي الجميل أيضاً قيادة حزب “الكتائب”، وهذه المرة من والده الرئيس السابق أمين الجميل. التحديات لسلطته ليست واضحة وعلنية كتلك التي يواجهها باسيل. ومع ذلك، هناك رجال الحزب “الشجعان” القدامى الذين ليسوا بالضرورة متعاطفين مع شعبوية زعيمهم الشاب، أو ميله إلى الخطابة.
ولكن المشكلة الرئيسية لسامي الجميل هي إنتخابية. فهو من منطقة المتن الشمالي التي تضع طموحاته الإنتخابية بين يدي كلٍّ من عون وحزب الطاشناق الأرمني، اللذين يسيطران على الكتل الكبيرة من الناخبين هناك حيث يمكنهما إستبعاد الجميّل إذا ما قررا ذلك.
من طريق إختيار معركة حول قضية متفجّرة للبيئة بالنسبة إلى الجالية الأرمنية الكبيرة في برج حمود، فإن الجميّل ربما يأمل في كسب نفوذ أكبر في الإنتخابات المقبلة.
كانت مطالب الجميل بالنسبة إلى أزمة القمامة تهدف إلى زيادة التعاطف معه في نواح عدة. فقد سعى الى كسر إحتكار شركة جمع القمامة الرئيسية “سوكلين”، التي تجمع القمامة في بيروت وجبل لبنان، من خلال لامركزية الجمع ووضعه في يد البلديات. ويُنظَر إلى سوكلين إلى حد كبير كشركة يسيطر عليها أهل السنة، لذلك كان رئيس الكتائب الشاب يلعب أيضاً على الحساسيات الطائفية المسيحية.
مع ذلك، أعلن الجميل وقف الإعتصام في 12 أيلول (سبتمبر) الجاري، على الرغم من عدم تحقيق الكثير. وقد أبرز هذا الأمر قلة خبرته، حتى لو كان دائماً مهتماً بالمعركة أكثر من النتائج. ولعلّ ذلك يقول الكثير عن عمق تطلعات القيادة الشابة في لبنان.
قادة آخرون أيضاً يوزّعون ببطء السلطة إلى أبنائهم، مثل وليد جنبلاط ونجله تيمور – الذي يبدو أكثر رصانة. إن المشكلة الوحيدة هي أن اللبنانيين هم الذين يدفعون الثمن لمناورات القادة الشباب للتغلب على قلقهم وإنعدام أمنهم السياسي. ولكن هؤلاء القادة لا يهتمّون كثيراً … همّهم أنفسهم و”من بعدهم لا ينبت حشيش”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى