بطالة الشباب في مصر: القنبلة الموقوتة

بقلم عادل عبد الغفّار*

في أواخر تموز (يوليو) الفائت، جاء في مشاركة ساخرة على موقع فايسبوك أنّ الهيئة الهندسية للقوات المسلحة المصرية تُعلن عن إختراعها دولار مصري لمواجهة إرتفاع الدولار الأميركي المستمر. وتُظهر الورقة النقدية من فئة الـ 100 دولار صورة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي بدلاً من بنجامين فرانكلين.
وفي مشاركة أخرى، نري فيديو لكرم، وهو رجل بسيط من الصعيد، يكشف عن سره للحصول على أسعار صرف مواتية من الجنيه المصري للدولار الأميركي. وفي الفيديو، يضع كرم أوراق نقدية من الجنيه المصري ويغطيها بوشاحه ويغني أغاني وطنية، وبعد ذلك يكشف كومة من أوراق نقدية جديدة من فئة الـ1 دولار. وحقق الفيديو إنتشاراً واسعاً على وسائل الإعلام الرئيسية، حتى وأنّ أحد مقدمي البرامج الإخبارية إقترح بطريقة ساخرة أن يُعيّن كرم وزيراً للمالية.
ويعكس هذان المثالان – علماً أنّ هناك المزيد – تشاؤم المصريين حيال الأوضاع الإقتصادية المتدهورة. وفي ظل عودة الإستبداد تحت حكم السيسي، يبدو الآن أنّ الطريقة الوحيدة التي يمكنهم الرد من خلالها هي الهجاء.

وعود كبيرة تصطدم بالواقع

وصل الرئيس السيسي، في صفقة إستبدادية كلاسيكية، إلى سدّة الرئاسة منذ عامين واعداً الشعب بالأمن والاستقرار والازدهار الاقتصادي مقابل سيطرته شبه الكاملة على الشؤون السياسية. أما الآن، فبدأت هذه الصفقة بالإنهيار، لا سيما وأنه فشل في تحقيق وعوده في المجالات الثلاثة.
لا يزال الإرهاب المستوحى من “داعش” في شبه جزيرة سيناء يستفحل، ومنذ العام 2013، ضرب عدداً من المدن المصرية. وتراجع عدد السياح بعد إسقاط الطائرة الروسية في شبه جزيرة سيناء. ووجه مقتل طالب الدكتوراه الإيطالي جوليو ريجيني ضربةً للعلاقات المصرية – الإيطالية والمصرية – الأوروبية. وقامت إحتجاجات حين نقلت الحكومة فجأة سيادتها على جزيرتين إلى المملكة العربية السعودية في نيسان (إبريل) الفائت. ورداً على هذه الإحتجاجات، قامت الحكومة بسجن المحتجين، ولا يزال الكثير منهم حتى اليوم في السجن بتهمة “نشر الإشاعات حول جزيرتي تيران وصنافير في البحر الأحمر المتنازع عليهما”. زد على ذلك أعمال العنف الطائفية التي قامت ولم تقعد. وبالنسبة إلى الكثير من الناس، يبدو أنّ مصر تتراجع إلى الوراء بدلاً من أن تتقدم.
وعلى الصعيد الإقتصادي أيضاً، أفرط السيسي في تقديم وعود لم يفِ بها. إستمرت قيمة الجنيه المصري في التراجع، وبقي معدل البطالة مرتفعاً. ومنذ أن وصل السيسي إلى الرئاسة، إنخفض معدل البطالة قليلاً من 13,3 في المئة إلى 12,7 في المئة في الربع الأول من العام 2016 – إلا أن بطالة الشباب لا تزال مرتفعة بمعدل يصل إلى 31,3 في المئة. وفي موجز سياسة جديد نشره مركز بروكنغز الدوحة بعنوان “متعلمون ولكن عاطلون من العمل: معضلة الشباب المصري“، أقول فيه إن لم تعالج الحكومة المصرية مشكلة بطالة الشباب في القريب العاجل، فإنها من المرجح أن تواجه حالة من عدم الإستقرار – وربما ثورة أخرى – في السنوات المقبلة.

قومية مُفرِطة؟

ورغم هذا الوضع، لا تزال حكومة السيسي توجّه إهتمامها إلى مشاريع عملاقة تتسم بالوطنية المُفرطة قد يكون من شأنها أن تخلق فرص العمل التي يحتاجها المصريون بشدة في المدى القصير، ولكن ليس بما فيه الكفاية.
بدأت مصر تنفيذ مشروع كبير لتوسيع قناة السويس. وتوقع رئيس هيئة قناة السويس أن القناة بعد توسيعها ستدرّ 100 مليار دولار أميركي في عام واحد. أنفقت مصر 8 مليارات دولار على المشروع، وإفتتح السيسي (مرتدياً الزي العسكري بالكامل) المشروع العام الماضي في عرضٍ قدّمه من على يخت الملك فاروق، “المحروسة”، أمام كبار الشخصيات الدولية. وبعد عام على ذلك، تراجع عدد سفن الحاويات المارة بالقناة بنسبة 3 في المئة بسبب إنخفاض أسعار النفط وتفضيل المرور بالطريق الأرخص (إنما الأطول) حول رأس الرجاء الصالح.
أعلنت الحكومة عن خطط برّاقة لبناء عاصمة جديدة، متاخمة للقاهرة، في مؤتمر شرم الشيخ الإقتصادي 2015. وبعد عام واحد، توقف المشروع بسبب خلافات بين الحكومة وأحد المستثمرين الإماراتيين الرئيسيين. يدور جدل كبير حول ما إذا كانت الحاجة إلى رأس المال الجديد حقيقية، أو ما إذا كانت مصر ستستفيد أكثر لو تمّ تحسين بنيتها التحتية واستثمار الأموال في قطاعي التعليم والرعاية الصحية.

مشكلة البطالة

ومع إستمرار هذه المشاهد السياسية، تستمر مشكلة البطالة بين الشباب في التفاقم. يقدّم موجز السياسة هذا تحليلاً لبعض الأسباب الجذرية لمشكلة البطالة بين الشباب المصري. ويسلط الضوء بشكل خاص على المشاكل المستمرة في منظومة التعليم العالي في مصر: رغم أن آلاف الطلاب يتخرّجون من الجامعات الحكومية كل عام، إلا أنّه من غير المرجح أن يعثر الكثير منهم على عمل في مجالات تخصصه.
كذلك، يسلّط موجز السياسة هذا الضوء على تزايد عدد الشباب إلى حد كبير، الأمر الذي يؤدي إلى ضغوط ديموغرافية أي أنّ سوق العمل المصري غير قادر على نحو متزايد على التعامل مع أعداد الباحثين عن عمل. زاد عدد الشباب (الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و29 عاماً) من 13,3 مليوناً في العام 1988 إلى 17,4 مليوناً في العام 1998 و 22,2 مليوناً في العام 2006.
وفي الموجز، أقدّم أربع توصيات سياسة رئيسية: 1) إصلاح قطاع التعليم العالي ونموذج تمويله؛ 2) زيادة الاستثمار في التدريب المهني؛ 3) زيادة التركيز على ريادة الأعمال؛ 4) إتخاذ الخطوات اللازمة لزيادة مشاركة المرأة في القوى العاملة.
ما من حل سحري للتخلص من مشكلة بطالة الشباب، في مصر أو في أي مكان آخر. ولكي تحظى هذه التوصيات بفرصة للنجاح، لا بدّ من تطبيقها ضمن سياق سياسة تنمية إقتصادية شاملة تضع في جوهر عملها مهمة خلق فرص عمل. ستظهر نتائج بعضها بسرعة، في حين سيأخذ بعضها الآخر – كإصلاح القطاع الجامعي والمهني – سنوات قبل أن تحقق نتائج.
المهم الآن أن تعترف الحكومة المصرية وتقرّ بالتحديات الملحة التي تواجهها. إن لم تُعالج مشكلة بطالة الشباب في مصر سريعاً وفي أقرب وقتٍ ممكن، قد تبدأ الحكومة بطباعة دولارات السيسي وتعيّن كرم وزيراً للمالية، فعلى ما يبدو ما من شيء آخر يعمل فعلياً.

• عادل عبد الغفار، زميل مشترك بين مركز بروكنغز الدوحة وجامعة قطر. وهو متخصص في الإقتصاد السياسي، وتشمل إهتماماته البحثية العلاقات بين الدولة والمجتمع، و التنمية الإجتماعية الإقتصادية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى