مواجهة إسرائيلية -عربية لكسب ودّ الدول الإفريقية

على الرغم من توافق الجميع على أن التغلغل الإسرائيلي بلغ مداه في الساحة الإفريقية، إلّا أن تصريحات رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو فيها ماهو مثير للغرابة بأن بلاده سوف تعود من جديد إلى إفريقيا بعدما كانت مُغلَقة في وجهها منذ زمن بعيد. فهل حقاً أن إسرائيل لم تكن موجودة على الساحة الإفريقية؟ وأن جميع ما كُتب وبُحث في هذا المجال كان تضليلاً للرأي العام العربي؟ ويالتالي ما هي الأولويات الإسرائيلية في إفريقيا؟ ثم كيف نقرأ خطورة الرفض العربي للتحركات الإسرائيلية في القارة السمراء؟

الرئيس محمد عباس مع الرئيس جاكوب زوما: زياراته إلى أفريقيا تُزعج إسرائيل
الرئيس محمد عباس مع الرئيس جاكوب زوما: زياراته إلى أفريقيا تُزعج إسرائيل

كيب تاون (جنوب أفريقيا) – بلال الصباح

حاول البعض التقليل من أهمية جولة بنيامين نتنياهو لكل من أوغندا وكينيا ورواندا وإثيوبيا، ولقائه مع قادة جنوب السودان وتنزانيا وزامبيا في أوغندا، لإعتبارات كثيرة، يرجع بعضها إلى قوة التأييد الإفريقي للقضية الفلسطينية، كما وصفها البعض الآخر بالفشل لعدم منح إسرائيل عضوية المراقب في منظمة الإتحاد الإفريقي.
الواقع أن إسرائيل لم تخرج من القارة الإفريقية بعد حربي 1967 و1973، كما يرى بعض الباحثين، وما حدث كان مُقتصراً فقط على المقاطعة الديبلوماسية، كما لم تكن لهذه المقاطعة تأثيراً سلبياً بشكل مباشر على الوجود الإسرائيلي في القارة، ويرجع ذلك إلى الإستناد الإسرائيلي على ثلاث قوى مغروسة لها في الساحة الإفريقية:
1. الوجود الأميركي القوي على خط الوسط الإفريقي، ما بين شرق إفريقيا (إثيوبيا) وغربها (نيجيريا)؛
2. قوة المؤسسات المالية التابعة للجالية اليهودية في القارة السمراء، ويظهر ذلك في منطقة دول جنوب إفريقيا؛
3. قوة العلاقات الشخصية القائمة بين رجالات الدولة الإسرائيلية مع الكثير من القيادات الإفريقية، والتي هي الأفضل والأنفع من العلاقات الديبلوماسية مع بعض الأنظمة الإفريقية.
وتواجد إسرائيل على الساحة الإفريقية لا يتعارض مع تصريحات “نتنياهو” بشأن عودة بلاده من جديد، والتي يُمكن وصفها بعملية إعادة إنتشار إسرائيلي، مع تجديد الرؤية والأهداف تجاه القارة الإفريقية، ومن أهم الأسباب لتلك الخطوة:
1. الإنشغال الأميركي عن القارة الإفريقية، أو يُمكن القول بأن السياسات الأميركية المُتبعة في إفريقيا محدودة على بعض الدول، وثمارها بعيدة المدى، حيث تعتمد على البرامج التطويرية في قطاعي الصحة والتعليم؛
2. الأزمات المالية الكبيرة التي ضربت الإقتصاد العالمي، والتي لها دور في إنشغال اليهود الأفارقة عن إلتزاماتهم تجاه إسرائيل من أجل الحفاظ على قوة مؤسساتهم المالية في إفريقيا؛
3. التحركات الفلسطينية على الساحة الإفريقية الناشطة حيث أصبحت تحركات الرئيس الفلسطيني محمود عباس في القارة السمراء أشبه بكابوس على مستقبل علاقات إسرائيل مع الأفارقة.
بالإضافة إلى التحركات العربية المُتجددة على الساحة الإفريقية، والتي تتنوع بين الديبلوماسية المغربية الناعمة من أجل العودة إلى الإتحاد الإفريقي، ويلحقها التحالف العسكري (السعودي الإماراتي) في اليمن، وضمّ بعضاً من الدول الإفريقية للتحالف العسكري الإسلامي، بالإضافة إلى الرقابة المصرية السودانية المُكثفة لكافة أحداث دول منبع ومصب نهر النيل، كما أن التوغل الإماراتي في القارة عبر حزمة من الإستثمارات الضخمة أمر لا يُستهان فيه.
ولكن السؤال الذي يُطرح هنا: ما هي الألويات الإسرائيلية تجاه تلك الدوافع المذكورة، ما بين الإنشعال الأميركي والتحركات العربية في إفريقيا، وخصوصاً التحرك الفلسطيني؟.
لا شك أن جميع الدول المُدرجة في زيارة “نتنياهو” تتمتع بعلاقات قوية مع أميركا وإسرائيل سواء على المستوى الديبلوماسي أو الشخصي، ولكن بعد الإطلاع على مجموعة من النقاط سوف يتضح لنا أن هذه الزيارة سوف تعمل على حصر إهتمام إسرائيل في الشرق الإفريقي، وأن الإختيار الجغرافي ليس موفقاً ليكون نقطة الإنطلاقة والعودة إلى إفريقيا، كما قال “نتنياهو”، وهي كالتالي:
1. شعوب منطقة الشرق الإفريقي تتمتع بالإفريقية كهوية وليس كعرق، وهي في المنظور الإفريقي خليط بين الإفريقية والعربية، حيث ليس من السهل قبول دورها السياسي على مستوى القارة الإفريقية بحكم الإختلاط العرقي؛
2. تضمّن خطاب “نتنياهو” بعض الجوانب الإقتصادية، والذي إحتوى على عبارات العطاء للأفارقة أكثر من الإستفادة الإسرائيلية، وهذا ينبع من إدراكه أن هذه الدول لا تصلح لتبني المشاريع التنموية، بل هي معطلة بطبعها، وهي دول تتبنى المشاريع السياسية الخارجية أكثر من المشاريع التنموية الداخلية؛
3. تسعى جنوب أفريقيا لإحكام سيطرتها على القارة الإفريقية، وأن الدخول إلى القارة مرهون بتفاهمات مع عاصمتها بريتوريا، وما فعله “نتنياهو” يُعتبَر تجاوزاً لكافة دول جنوب إفريقيا، ولن يكون تقييم جنوب إفريقيا لهذه الزيارة إلا بإتجاه واحد، وهو أن الأميركيين والإسرائيليين يسعيان إلى شق الوحدة الإفريقية وإختراق القارة عبر الثغرة الشرقية من الجهة الإفريقية.
وعليه يُمكن القول؛ بأن إختيار “نتنياهو” للشرق الإفريقي غير مُوفَّق إن كان فعلاً من أجل العودة إلى إفريقيا، بل له الكثير من السلبيات على علاقات إسرائيل مع الكثير من دول القارة، وخصوصاً في الجنوب الإفريقي.
وجميع ما ذُكر يجعلني أتقرب أكثر من الفرضية التي ذكرتها في بداية التقرير، بأن إسرائيل موجودة في إفريقيا ولم تخرج بالشكل الذي يتصوره البعض، وأن “نتنياهو” يعمل على عملية إعادة الإنتشار في القارة، حيث يتضح ذلك من خلال ما علمته حول محاولات “نتنياهو” لعقد مصالحة بين إريتريا وإثيوبيا. إذ أن المصالحة بين هذين البلدين المتجاورين أمر معقّد وليس من السهل البحث فيه، ولكن لو نجح الإسرائيليون في ذلك، فهذا يعني بداية تشكيل نواة لتحالف مستقل لدول الشرق الإفريقي، والمُؤثّرة بشكل المباشر في مضيق باب المندب ومياه النيل والصومال وجنوب السودان، وبشكل غير مباشر في بعض قرارات الإتحاد الإفريقي.
إن الإجابة عن السؤال المطروح أخذت تتضّح من أن أولويات زيارة “نتنياهو” لم تكن بسبب الإنشغال الأميركي عن القارة الإفريقية بقدر ما هي مواجهة التحركات العربية الأخيرة على مستوى القارة الإفريقية، فما يُقلق تل أبيب من هذه التحركات هو كالآتي على الترتيب من حيث الأكثر أهمية:
1. الإمتداد الفلسطيني إلى الكثير من الدول الإفريقية، وعلى رأسها جنوب إفريقيا؛
2. التدخل المصري السوداني في أحداث جنوب السودان وبعض دول حوض النيل؛
3. إقتراب الجيشين السعودي والاماراتي من مضيق باب المندب؛
4. الإسثتمارات الاماراتية الضخمة في منطقة جنوب إفريقيا؛
5. عودة المغرب إلى الإتحاد الإفريقي كقوة عربية ناعمة قد تعوّض عن إنشغال مصر بدول حوض النيل.
والأهم من ذلك؛ وللبحث في خطورة الرفض العربي للتحركات الإسرائيلية في القارة الإفريقية بشكل مُطلق وغير مدروس، وليس في قولي هذا دعوة إلى التطبيع العربي مع إسرائيل، ولكن هي دعوة واضحة للنظر إلى الساحة الإفريقية بنوع من العقلانية، وبشكل مختلف مما هو عليه في الساحة العربية، من حيث ما يلي:
1. الوجود الإسرائيلي في القارة الإفريقية قديم جداً، ومرتبط بقوى وأنظمة سياسية ومالية عالمية، بينما الدخول العربي حديث النشأة، ويُمكن وصفه بالفردي وغير متوافق عليه بين جميع العرب؛
2. آلية العمل الإسرائيلية في إفريقيا مُتقدمة وتجاوزت السياسة والمال، حيث وصلت إلى مرحلة صناعة ما يحتاجه الأفارقة، وخصوصاً في مجال تكنولوجيا التعدين والمياه والزراعة والأمن؛
3. التواصل الإسرائيلي مع الكنائس الإفريقية وصل إلى مرحلة الحوار والتوافق، بينما التواصل العربي ما زال مقتصراً على مسلمي إفريقيا، وليس بالشكل المطلوب الذي يحقق الأهداف السياسية العربية.
كما علينا أن نُدرك أن الدول الإفريقية التي ترفض الوجود الإسرائيلي، هي ذاتها ترفض الوجود السعودي والمغربي، فمقومات الرفض مشتركة لإعتبار كل من إسرائيل والسعودية والمغرب دول ذات نزعة إمبريالية غربية، والشاهد هنا أن الدول الإفريقية التي تدعم القضية الفلسطينية تنطلق من أسس حق الفلسطينيين في تقرير المصير، وهي الدول عينها التي تدعم جبهة البوليساريو في حق تقرير مصيرها للإنفصال عن المملكة المغربية.
وخلاصة القول، أن التحركات العربية الأخيرة على الساحة الإفريقية تميزت بالقوة المُؤثرة على القوى العالمية المتواجدة والمتوجهة نحو إفريقيا، فالعسكر السعودي والإماراتي في اليمن وقربهم من مضيق باب المندب، والحراك السياسي المصري السوداني مع دول حوض النيل، والديبلوماسية المغربية الناعمة للعودة إلى الإتحاد الإفريقي أصبحت مصدر قلق بالغ لإسرائيل، كما أن إنضمام بعض الجيوش الإفريقية إلى التحالف العسكري الإسلامي ومساندة الكثير من الدول الإفريقية للقضية الفلسطينية هو مصدر قلق آخر للقوى العالمية وليس لإسرائيل فقط.
لكن هذا لا يعني أن التقدم العربي كفيل بملاحقة إسرائيل أو طردها من القارة الإفريقية، ومن أجل الحفاظ على الجديد العربي، يجب أن يكون هناك نوع من التفاهم والتناغم مع توزيع الأدوار، حيث يجب أن يدرك العرب جيداً بأن الأمن القومي العربي أخذ ينتقل على البوابات الإفريقية، وأن الإستراتيجية العربية تجاه القارة الإفريقية لا تقل شأناً عن الإستراتيجية الأميركية والإسرائيلية، ولا بأس أن ننظر إلى الأولويات الإسرائيلية والإستفادة منها لتكون ذات مصلحة للأولويات العربية شريطة أن نعلم جميعاً أن الرفض العربي المُطلق للوجود الإسرائيلي على تلك الساحة هو نصرة لليسارية والإشتراكية، والتى هي بأصلها تهدد الأمن القومي العربي بشكل مريب وخصوصاً في العراق وسوريا.

• بلال الصباح كاتب سياسي عربي وباحث في الشؤون الأفريقية مقيم في جنوب أفريقيا.
• المقال يعبر عن رأي صاحبه وليس يالضرورة عن رأي “أسواق العرب”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى