تعنّت إسرائيل سيؤدي حتماً إلى إنتفاضة ثالثة

بقلم أنتوني لوينشتاين*

خلال العطلة اليهودية في التاسع من آب (أغسطس) الجاري، إحتفالاً بالكوارث المُختلفة في التاريخ اليهودي، سار الآلاف من الإسرائيليين على طول أسوار البلدة القديمة في القدس حيث دعوا إلى ضم الضفة الغربية المحتلة. وتحدثت مجموعة “نساء بالأخضر” المؤيدة للإستيطان، التي تأسست في العام 1993 و”تهدف إلى حماية الأرض التي وهبها الله لنا كوطن في التوراة”، في المسيرة. وقد دعت المُؤَسِّسة المُشارِكة يهوديت كاتسوفر الحكومة الإسرائيلية إلى بناء المزيد من المستوطنات، وإدّعت بأن هذا لم يحدث “لأننا نخاف من الضغط من القزم أوباما … نحن لا نفرض السيادة لأننا نخشى التركيبة السكانية”.
متحدثون آخرون، بمن فيهم دوف كالمانوفيتش، نائب رئيس بلدية القدس، الذي طالب ببناء عدد لا يحصى من المستعمرات في الضفة الغربية. وقال عضو البرلمان السابق أرييه ألداد، الذي يعيش نفسه في مستوطنة غير قانونية، أمام حشد هاتفٍ وصاخبٍ أن “لعنة فلسطين هذه تطاردنا حتى يومنا هذا، ويجب علينا محو إسم فلسطين من أرض إسرائيل”.
وقال العضو البارز في الكنيست الإسرائيلي، يهودا غليك: “يجب علينا أن نوضّح بأن كل كلام عن فرصة لإقامة دولة فلسطينية قد إنتهى … سنمضي قدماً في فرض السيادة الإسرائيلية في يهودا والسامرة [الضفة الغربية]، و أي شخص يرغب في العيش في سلام هو موضع ترحيب، وإذا كان لا يريد ذلك فسنستخدم إجراءات قاسية ضده”.
إنه من السهل عدم الإكتراث ونبذ مثل هذه التصريحات لأنها تأتي من هامش صهيوني يميني متطرف، منقطع عن السكان الإسرائيليين. بعض الإسرائيليين بالتأكيد يُعارض هذه الأفكار التي تتناقض مع السلام مع جيرانهم الفلسطينيين. ولكن التيار الإسرائيلي العام قد تحرّك بحدة إلى اليمين في العقد الماضي. وكشف إستطلاع للرأي أجراه “مؤشر السلام” في معهد الديموقراطية الإسرائيلي هذا العام أن 72 في المئة من اليهود الإسرائيليين لا ينظرون إلى السيطرة الإسرائيلية على الفلسطينيين ك”إحتلال”.
هذه الحالة العميقة من الإنكار موجودة في كل مكان في المجتمع الإسرائيلي ووسائل الإعلام المُنصاعَة إلى حد كبير. إن الحياة التي يعيشها الفلسطينيون في الضفة الغربية، ناهيك عن غزة، نادراً ما دُرِست أو بُحِثت في الصحافة إلا في سياق كيفية تأثيرها في قدرة قوات الدفاع الإسرائيلية على العمل من دون عقاب.
يوافق العام المقبل الذكرى ال50 لسيطرة إسرائيل على الضفة الغربية وقطاع غزة. اليوم هناك أكثر من 400,000 مستوطن يهودي يعيشون في مستوطنات بصورة غير قانونية في الضفة الغربية، مع 200,000 على الاقل في القدس الشرقية.
أصدرت الباحثة في جامعة أكسفورد “ساره يائيل هيرشهورن” دراسة إحصائية في العام 2015 أظهرت بأن حوالي 15 في المئة من المستوطنين في الضفة الغربية، ما يقرب من 60,000 شخص، كانوا مواطنين أميركيين. وقالت الدكتورة هيرشهورن في مؤتمر عُقِد في القدس في العام الفائت أن هؤلاء الناس كانوا من “الشباب المثاليين الأذكياء والمحنّكين الليبراليين الأميركيين الذين كانوا من النشطاء الصهاينة، والذين كانوا حريصين على تطبيق قيمهم وإعارة خبراتهم لحركة الإستيطان الإسرائيلية”.
إذا كانت غالبية الإسرائيليين لا تنظر إلى سياساتها ضد الفلسطينيين بأنها تمييزية وعنصرية وتعتبرها طبيعية للسيطرة على كل جوانب الحياة الفلسطينية اليومية – من هدم المنازل إلى نقاط التفتيش العشوائية وإعتقال الأطفال في منتصف الليل إلى مصادرة الأراضي الفلسطينية لتوسيع المستوطنات الإسرائيلية أكثر من أي وقت مضى – من المهم أن نفهم كيف ولماذا أصبحت هذه الرواية مقبولة جداً؟ لقد عملت الحركة الإستيطانية الإسرائيلية أكثر من خمسة عقود من خلال إستراتيجية ذكية قامت على إحتلال أفرادها للمناصب العليا في جميع مستويات الحكومة والجيش.
سافرتُ أخيراً إلى الضفة الغربية، حيث قضيت بعض الوقت مع مستوطنين إسرائيليين ونمتُ في منازلهم. أردتُ أن أفهم وجهة نظرهم، من المُتعصّبين الدينيين إلى المحتلّ البراغماتي الذي يشتهي المسكن الأرخص (المنازل هي أقل تكلفة بكثير في الضفة الغربية منها في داخل إسرائيل). كان المزاج الغالب هو التحدّي، لا أحد يخشى بأن يجري إجلاؤه في أي وقت قريب، أو في أي وقت آخر، ولكن إنعدام الأمن والغطرسة تخلّلا غالبية محادثاتي. يخشى بعضهم تحالفاً مُستَبعَداً من الصحافيين واليساريين والسياسيين والمنظمات غير الحكومية المحلية والعالمية لإجبار إسرائيل على التنازل عن الأراضي وتقسيم البلاد. بالنسبة إلى أي شخص أمضى بضع ساعات من السفر في جميع أنحاء الضفة الغربية، مع ذلك، يبدو من الواضح أن إيجاد حل عادل لقيام دولتين لم يعد ممكناً.
اليهودي المُتطرِّف يائير بن دافيد يعيش مع عائلته في مزارع كاشولة بالقرب من مستوطنة “غوش عتصيون”. قال لي، وهو محاطٌ بالأغنام والماعز، أن “الفلسطينيين يعرفون أن إسرائيل هي أفضل مكان للعيش”.
مضيفاً: “إنها افضل من الحياة في ظل حماس أو السلطة الفلسطينية. كنّ حسن السلوك وجيداً، وسوف تحصل على وضع جيد كفلسطيني”.
تقريباً مثل كل مستوطن إلتقيته، لا يمانع بن دافيد من أن يعيش الفلسطينيون في دولة يهودية ولكن شرط أن يخضعوا للحكم اليهودي.
مع هذه الحقائق على الأرض، لا يمكن التصوّر بأن الاحتلال الإسرائيلي سينتهي ولن يستمر في المستقبل المنظور. لا توجد قوى عربية أو دولية جديّة تدفع ضده (على الرغم من أن حركة المقاطعة وسحب الاستثمارات وفرض العقوبات ضد إسرائيل تزداد قوة عالمياً).
لكن عدم إنتهاء الإحتلال يؤدي إلى طرح أسئلة عملية وأخلاقية: كيف يمكن إدارة وحكم الملايين من الفلسطينيين الساخطين؟ إن تطهيراً عرقياً لهم بطردهم إلى الدول المجاورة يشكّل تحدّياً لوجستياً (ناهيك عن أخلاقيته البغيضة)، ومع ذلك لقد تساءلت طويلاً إذا كانت القوى الغربية والعربية تهتم حقاً بمستقبل الفلسطينيين بغض النظر عن إصدار بيانات معارِضة شديدة اللهجة. لقد أمضت عشرات السنين من دون فعل أي شيء يُذكر سوى إصدار البيانات.
الواقع أن إسرائيل تجد نفسها في موقف فريد. واقعةً في منطقة حيث دولها ترتعش وتتفكك، فإن الدولة العبرية تُعلن عن نفسها كجزيرة من الإستقرار. إن الإحتلال بالكاد يُزعج الإسرائيليين بما يكفي لفعل أي شيء ملموس تجاهه، والحكومة الإسرائيلية مليئة بالسياسيين الذين يتوقون إلى ضم الضفة الغربية بأكملها.
في هذا السيناريو، فإن الفلسطينيين مُحَاصَرون بين قادتهم الفاسدين والتعنت الإسرائيلي. لذا فإن إنتفاضة ثالثة بات أمراً لا مفرّ منه.

• أنتوني لوينشتاين صحافي مستقل ومؤلف كتاب ” Disaster Capitalism: Making a Killing Out of Catastrophe”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى