أين هي البوصلة الأخلاقية للغرب؟

لندن – محمد سليم

الطفل عمران دقنيش: إخترق حاجز اللامبالاة الغربية
الطفل عمران دقنيش: إخترق حاجز اللامبالاة الغربية

كان من بين ضحايا الحرب في سوريا خلال السنوات الخمس الفائتة البوصلة الأخلاقية للدول الغربية. نادراً ما أدّت مذبحة بهذه الضخامة بالمجتمعات الغربية إلى غض الطرف عن ضحايا النزاع. والأسوأ من ذلك، وضع اللوم على الضحايا في أحيان كثيرة.
حالة الطفل عمران دقنيش هي من حالات رد الفعل المباشر. لقد كان رد فعل الكثيرين في الغرب هو الحزن والأسى عندما ظهرت صور إبن حلب البالغ 5 سنوات في 18 آب (أغسطس) الجاري. إحدى المذيعات الأميركيات على محطة “سي أن أن” دمعت عيناها وبالكاد إستطاعت إتمام جملتها عندما ظهر شريط الفيديو الذي يظهر فيه عمران جالساً في سيارة إسعاف. ولكن حلب، ومعظم سوريا، كانت نشرة يومية و”كاتالوغاً” من الجرائم المرتكبة ضد الأطفال، بل وجميع المدنيين، في حين وقف الغرب مشاهداً وشاهداً.
كم هو عدد الغربيين الذين ما زالوا يتذكرون أن 21 آب (أغسطس) هو الذكرى الثالثة للهجوم الكيماوي على الغوطة، والذي قد أسفر عن مقتل ما لا يقل عن 1700 شخص؟ في ذلك الوقت، عارضت المجتمعات الغربية أي ردّ ضد الجاني، والذي يُعتقد على نطاق واسع أنه النظام السوري.
في إستطلاع ل”نيويورك تايمز” / “سي بي أس نيوز” أُجري في أيلول (سبتمبر) 2013، حين كان باراك أوباما يفكر في توجيه ضربات جوية ضد الجيش السوري، عارض 60 في المئة من المشاركين في الولايات المتحدة أي إجراء. وجاء هذا الرفض على الرغم من أن 75 في المئة من الأميركيين يعتقدون ان قوات بشار الأسد هي التي أطلقت الأسلحة الكيميائية.
ما حدث في الغوطة كان لحظة مهمة، لأنه سمح للأسد جس نبض ومعرفة رد فعل الحكومات والمجتمعات الغربية على ما يُقدم عليه. ما رآه كان أن الغرب ربما لن يتخذ أي إجراء ضد نظامه، مهما كان مستوى العنف الذي يمارسه وينشره. مرة أخرى، بعد مرات عدة، إختبر المياه – في وقت لاحق بإستخدام البراميل المتفجّرة ضد المدنيين في حلب – وفي كل مرة كان لا يسمع سوى إحتجاجات فارغة.
وُضعت القيم الغربية في العام الفائت على المحك مرة أخرى خلال ما يسمى أزمة الهجرة، والتي كانت في معظمها أزمة لاجئين. إن عدم رغبة تلك الدول الغربية بتدفق مئات الآلاف من الأجانب إلى أراضيها كان أمراً مفهوماً. ولكن ما رأيناه كان أكثر من ذلك. رأينا مجتمعات بأكملها دارت، وأحيانا بعنف، ضد أولئك الفارين من الحرب الرهيبة التي كانت مستعرة على الحدود الجنوبية الشرقية لأوروبا.
هذا هو السبب الذي جعل العام 2015 يشكّل صدمة قوية لأوروبا. لقد وُضِع عبء كبير على إدعاء الإتحاد الأوروبي بأنه يمثل مجتمعاً من القيم الإنسانية وسيادة القانون. في غضون أسابيع إنهار صرح التقدير الذاتي الأوروبي. إهتز مشروع الإتحاد الأوروبي في جوهره، وما زال لم يتعافَ وسط مخاوف من أن يستفيد اليمين المتطرف من أي محاولة لإظهار تعاطف مع معاناة الغرباء.
ولم يكن أداء الولايات المتحدة أفضل. لقد إستقبلت عدداً قليلاً من السوريين، وسط إحتجاجات على أن هذا العدد كبير جداً. لقد أعلن دونالد ترامب، المرشح الرئاسي الجمهوري، في كانون الثاني (يناير) الماضي ب”أنهم يسمحون لعشرات الآلاف من الناس يأتون من سوريا ولا أحد يعرف من هم هؤلاء والكثير منهم ينتمون إلى تنظيم “داعش””.
في الواقع، إن هدف إدارة أوباما هو قبول 10,000 سوري بحلول نهاية أيلول (سبتمبر) المقبل، مع إستقبال حوالي 8000 حتى الآن. إنهم يخضعون لفحص دقيق، ورغم هستيريا ترامب ضد هؤلاء، لم تُوجَّه أي تهمة لأحد بأنه يخطط لأنشطة إرهابية في الولايات المتحدة، ناهيك عن كونهم أعضاء في “داعش”. مع ذلك، لا يزال الكثير من الناس مُعادين.
في الجدل حول الإرهاب، برز سطر واحد هو أن التعامل مع نظام الرئيس الأسد هو أفضل من التعامل مع المعارضة السورية التي تسودها علاقات ملتبسة مع الجماعات الجهادية. ومع ذلك، يتجاهل مثل هذا الحكم حقيقة أن النظام السوري كان الأكثر مسؤولية عن أزمة اللاجئين التي تقلق الغرب. بدلاً من إدانة الحكومة السورية عن وحشيتها التي لا توصف؛ وبدلاً من أن يرى الغربيون كيف يستفيد الأسد من الكوارث التي تسبب بها في الشرق الأوسط وأوروبا، فإن العديد منهم يرى في الأسد حليفاً محتملاً.
والحقيقة هي أن الدول في الغرب قد تخلّت عن كل مبادئها بسبب الخوف. وعندما يكون هناك ذعر لا يوجد أي تمييز، وهذا ما أكده وعززه الجهل وعدم الإلمام. وكما قال ترامب في العام الماضي، فإنه يسعى إلى منع كل المسلمين من الدخول إلى الولايات المتحدة “إلى أن يستطيع مسؤولونا معرفة ما يجري بحق الجحيم”. هنا تحوّل الجهل إلى أداة حادة لمنع مجتمع بأكمله من زيارة أميركا.
لم يكن ترامب يحتاج إلى أن يكون متواضعاً جداً. ما يجري هو أن ديكتاتوراً قرر في العام 2011 إعلان الحرب ضد شعبه لمجرد البقاء في السلطة. منذ ذلك الوقت فقد عززه، من بين أمور أخرى، دعم إيران، وحلفائه في لبنان، وروسيا بقيادة صديق ترامب فلاديمير بوتين.
ولكن في هذه اللعبة السياسية المنخفضة المستوى، فقد أثبتت القيم الغربية بأنها ورقة رقيقة أو لم تعد موجودة. لقد إخترق الطفل عمران دقنيش طبقة من اللامبالاة لبضع لحظات، كما فعل عيلان الكردي في العام الماضي. ولكن مثل هذه الأحداث النادرة تؤكد فقط على المدى الذي تشعر فيه المجتمعات الغربية بأنها في حالة جيدة حول شعورها للحظات بالألم والأسى، مع عدم وجود عواقب أخرى لسياسات حكوماتها على الأرض.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى