عندما تحارب المرأة “داعش” لإستعادة كرامتها

من المعروف أن الأنوثة عادة تعارض الحرب والعنف، ولكن في بعض الظروف يصبح حمل السلاح هو الوسيلة الوحيدة للنساء للدفاع عن مجتمعاتهن وتحديد مكانتهن ودورهن فيها.

"وحدة النساء لحماية سنجار": الحرب أجبرت اليزيديات على القتال
“وحدة النساء لحماية سنجار”: الحرب أجبرت اليزيديات على القتال

أربيل – سميرة الدعيج

قبل عامين، هاجم تنظيم “داعش” (تنظيم “الدولة الاسلامية”) اليزيديين، الذين يشكّلون أقلية دينية كردية تعيش حول جبل سنجار في العراق. شدّد المسلّحون الإرهابيون الخناق على القرى اليزيدية غير المحمية وهاجموها كالذئاب، حيث قاموا بذبح الرجال وأسر الآلاف من النساء والأطفال ليتم بيعهم كرقيق جنسي.
اليزيديون الذين تمكنوا من الهرب فرّوا إلى أعلى الجبال من دون طعام أو ملبس مناسب أو حتى، في بعض الحالات، أحذية. لقد ظلوا محاصرين هناك لأيام عدة في ظروف قاسية مع دعم دولي قليل. وأولئك الذين كانوا وعدوا أصلاً بحمايتهم، جنود “البشمركة” الأكراد، قد غابوا كلياً عن السمع في وقت الحاجة. لكن مقاتلين من أكراد سوريا وتركيا لبوا النداء حيث إستطاعوا شق طريقهم فوق الجبل عبر أراضي “داعش”، وفتحوا ممراً لإنقاذ الناجين اليزيديين حيث أعادوهم إلى بر الأمان، وإلى المنطقة التي أعلنت إستقلالها الذاتي عن سوريا ودعت نفسها “كردستان السورية”.
وكثيرٌ من هؤلاء المقاتلين كانوا من النساء، اللواتي إلتزمن بمبدأ أساسي طويل الأمد في حركة التحرر الكردية يقوم على أن النساء لا يمكنهن أن ينتظرن الآخرين للدفاع عنهن، ولكن يجب عليهن الكفاح بأنفسهن من أجل التحرر. في الواقع، بعض هؤلاء النساء يقول أنه يقاتل من أجل نساء أخريات، لأنه يعرف ما ينتظر أولئك اللواتي يقبض عليهن “داعش” من أهوال.
في حرب كردستان السورية ضد “داعش” يمكن رؤية النساء ليس فقط في صفوف المجندين، ولكن أيضاً في قيادة الوحدات القتالية. بعد إنقاذهن من جبل سنجار، قرر بعض النساء اليزيديات أن يحذو حذوهن، وشكّلن ميليشيا خاصة بهن تُدعى “وحدة النساء لحماية سنجار”. وبالمثل، في كردستان العراق، فقد شكلت النساء اليزيديات اللواتي تم إنقاذهن من العبودية الجنسية الداعشية لواءً خاصاً بهن.
على الرغم من أن المقاتلات الإناث قد شاركن في القتال عبر حركات التحرر الوطنية في أماكن مثل الصين وفيتنام وكوبا ونيكاراغوا وموزامبيق وأنغولا وإيران والأراضي المحتلة، فقد حذت المنظمات النسوية العالمية السائدة حذو الرابطة النسائية الدولية للسلام والحرية، التي تأسست خلال الحرب العالمية الأولى، والتي ترى أن الحل لمواجهة إيذاء النساء في زمن الحرب هو، أولاً، معارضة الحرب، وثانياً، التأكد من أن تكون النساء على طاولة المفاوضات عندما تنتهي الحروب.
الواقع أن نهج حركة التحرر الكردية، على العكس من ذلك، يؤكد على الدفاع عن النفس من الناحيتين العسكرية والإجتماعية، حيث يمكن النظر إلى المقاتلات الإناث وإعتبارهن كنماذج تبيِّن أن القيادات النسائية قادرة وحاسمة في كل مجال من مجالات المجتمع. في نظام “كردستان السورية” الديموقراطي المستقل (المنطقة هي ضمن الحدود السورية)، هناك ولايات وتفويضات قوية لمشاركة المرأة في الحكم وجميع المنظمات يقودها الرجال و النساء معاً. وتتمتع لجان المرأة بسلطة حقيقية بالنسبة إلى العديد من المشاكل مثل الزواج القسري والعنف المنزلي.
ولكن الإناث المقاتلات هنّ على وجه الخصوص اللواتي يقدّمن صورة قوية مضادة لتلك التي تمثّل ضحية الإغتصاب والإهانة التي تُعتبر مصدراً للعار لعائلتها ومجتمعها. لقد جعلت الأفكار الأبوية القديمة الإغتصاب والإستعباد الجنسي إستراتيجية مركزية في صراعات الإبادة الجماعية، وهي تهدف إلى تدمير هوية العدو بشكل كبير. هذه هي الطريقة التي كان يُستخدَم فيها الإغتصاب في البوسنة وجمهورية الكونغو الديموقراطية (وقبلاً، في تقسيم الهند وحرب تحرير بنغلادش)، وهذه هي الطريقة التي يتم إستخدامها اليوم في العراق وسوريا.

تحدّي وصمة العار التي تواجهها الناجيات

الواقع أن النساء، مثل اليزيديات، اللواتي يتعرضن للعنف الجنسي على مثل هذا النطاق الرهيب، لا يمكنهن بسهولة العودة للإندماج في الأنماط القديمة، كما أنهن لن ينجحن ويزدهرن إذا تم النظر إليهن – ورأين أنفسهن – على أنهن ضحايا فضيحة. إن جزءاً من عملية إعادة التأهيل يجب أن تنطوي على تحدّي وصمة العار التي تواجهها الناجيات.
بالطبع، هناك طرق للقيام بذلك من دون حمل السلاح، ولكن حقيقة أن بعض الناجيات في مخيمات اللاجئين في كردستان العراق، التي لا تزال أبوية النظام بشكل كبير، قد إختَرنَ السير في هذا الطريق إنما يدل على نفوذ المقاتلات الإناث الكرديات المتطرفات. وقد شُكّل مجلس للنساء في تموز (يوليو) الماضي متأثراً باليزيديات في كردستان السورية، حيث ذهب أبعد من ذلك بإعلانه أن الهدف يجب ألّا يكون “إعادة شراء” النساء والأطفال المختطفين، كما هو شائع عند التعامل مع “داعش”، ولكن تحريرهم، وفي الوقت نفسه تأسيس تقاليد جديدة للدفاع عن النفس.
هذا لن يكون سهلاً بالطبع. بعد إنقضاء سنتين على القبض عليهم، ما زال آلاف الأطفال والنساء اليزيديات في الأَسر. وينتشر الكثير منهم في مخيمات اللاجئين في تركيا أو العراق أو كردستان السورية، في حين حاول آخرون الفرار إلى أوروبا، وبعضهم غرق في الطريق. ولكن بؤرة الصراع اليزيدية لا تزال في جبل سنجار، موطن أجدادهم الذي يرغب الكثيرون الآن في مخيمات اللاجئين العراقيين بشدة في العودة إليه.
لكن لا يزال هناك حاجز واحد في طريقهم ويتمثل بالقوات الكردية العراقية نفسها التابعة لمسعود بارزاني التي تخلّت عنهم قبل عامين، والتي عملت ميليشياتها “البشمركة” على إستفزازهم وإبتزازهم على نقاط التفتيش عند المعبر الحدودي الذي يؤدي إلى كلّ من كردستان السورية والجانب الشمالي من جبل سنجار، الأمر الذي جعل الأمر صعباً أو مستحيلاً عليهم للحصول على ما يكفي من اللوازم الأساسية ومواد البناء. وقد تم ذلك بالتعاون مع الحصار الذي تفرضه تركيا على الأكراد في كردستان السورية.
إن أولئك الذين تألموا من محنة اليزيديين وصورة النساء اللواتي يقاتلن “داعش”، يمكنهم ويجب عليهم، أن يفعلوا أكثر من إظهار الإعجاب من بعيد. نحن بحاجة إلى مساعدة الحكومة الأميركية على الإستماع والإصغاء إلى أفكارها حول المساواة بين الجنسين والديموقراطية والتعددية. لقد وعدت الولايات المتحدة أخيراً قوات البارزاني بكمية سخية من المساعدات العسكرية.
يجب أن يكون لهذه المعونة ثمنٌ يتمثّل بحرية الحركة لليزيديين، حتى يتمكنوا من العودة إلى ديارهم وإعادة بناء منازلهم، مع الأمل بمشاركة كاملة للمرأة والناجيات من العنف الجنسي “الداعشي”، ونهاية دائمة للحصار على كردستان السورية، التي كان مقاتلوها قادرين على قتال “داعش” – ليس رغم الحركة النسوية، ولكن بسببها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى