خطط “حزب الله” في لبنان تعتمد على نتائج الحرب السورية

بيروت – رئيف عمرو

رداً على سؤال في أوائل الشهر الجاري حول ما ينتظر لبنان مستقبلاً، قال سياسي لبناني في جلسة خاصة: “كل شيء يتوقّف على معركة حلب. ويبدو أنها تسقط، والإمبراطورية الفارسية تفوز”.
مع ذلك، في غضون أيام تغيّر الوضع في المدينة، فيما القوات الموالية للرئيس بشار الأسد، جنباً إلى جنب مع حلفائها الموالين لإيران وروسيا، فشلت في الحفاظ على الحصار المفروض على المتمردين في النصف الشرقي من حلب. بالنسبة إلى الكثير من اللبنانيين هناك آثار عميقة لهذه المعركة على بلدهم، الذي ظلّ رهينة للحرب السورية.
قدّم السياسي تلميحاً عن الكيفية التي يُنظَر إلى هذه الديناميكيات في لبنان. لقد ساهم “حزب الله” وإيران في إستمرار الفراغ الرئاسي في البلاد منذ نهاية ولاية رئيس الجمهورية ميشال سليمان في العام 2014. وبالنسبة إلى العديد من المراقبين، فإن “حزب الله” يسعى إلى النصر في الحملة العسكرية في سوريا ومن ثم إستخدام هذا الزخم لتغيير النظام السياسي اللبناني لصالحه ولصالح الطائفة الشيعية.
يُفيد المنطق أن ذلك الفراغ الرئاسي في البلاد سيمنح “حزب الله” المزيد من النفوذ لفرض التغييرات التي يرغبها، في مقابل السماح أخيراً بإنتخاب رئيس للبلاد. ولكن أبعد من رئاسة الجمهورية، فإن مصير حلب سوف تكون له تأثيرات أوسع في الأحداث في لبنان، لأن النتيجة هناك قد تحدّد بشكل جيد للغاية مسار الصراع السوري.
حتى نهاية الأسبوع الأول من آب (أغسطس) الجاري، بدا أن حصار حلب سيكون المرحلة الأخيرة في إستراتيجية النظام في دمشق لإستعادة غرب سوريا. ولو أن نظام الأسد إستطاع تحقيق النصر في أكبر مدينة سورية، لكان صار في وضع يُمَكِّنه من القضاء على آخر معقل رئيسي للمتمردين في محافظة إدلب، وإستكمال سيطرة النظام على جميع المراكز السكانية الرئيسية في سوريا بين دمشق وحلب.
في حين أن هذا الأمر قد لا يكون إشارة إلى النصر التام، فإنه يمكنه أن يشكّل تغييراً كبيراً للديناميكيات في سوريا من خلال توحيد وتعزيز حكم الأسد وتقويض كل حديث عن تغيير الرئيس. ويمكنه أيضاً أن يسمح ل”حزب الله” للبدء في التفكير في كيفية الإستفادة من ذلك في لبنان.
بدلاً من ذلك، فإن عَكسَ المسار وتغييره، والذي قد يكون وقتياً، يعني أن “حزب الله” سيواصل خسارة الرجال في حلب – والتي تحمل تداعيات بالنسبة إلى الحزب الشيعي على الساحة اللبنانية الداخلية. وهذا الأمر يُنذر بأن الوضع في لبنان سيصبح أكثر جموداً مع إستمرار الحزب في قراره بتجميد المشهد السياسي الداخلي حتى يكون هناك إنفراج في بلاد الشام.
وقد دفعت هذه الديناميات بعض الخصوم اللبنانيين للمرشح الرئاسي ميشال عون إلى تقديم إقتراح غير بديهي: إنتخاب العماد رئيساً الآن لملء الفراغ السياسي وحرمان “حزب الله” حرية القيام بذلك في وقت لاحق وفقاً لشروطه.
وقد إعتمد إثنان من خصوم عون القدامى مثل هذا المنطق: زعيم القوات اللبنانية سمير جعجع، الذي أيّده هذا العام لرئاسة الجمهورية، ووليد جنبلاط، الذي، بأقل حماسة، قال انه سيصوت لعون إذا كان ذلك سيحل المشكلة ويُنهي الفراغ الرئاسي. لكن لكي يستطيع عون الحصول على الغالبية فإنه أيضاً بحاجة إلى دعم كتلة “تيار المستقبل” النيابية، التي يقودها رئيس الوزراء السابق سعد الحريري.
ضمن “تيار المستقبل” هناك خلاف حول التصويت لصالح عون. ولم يتخذ الحريري أي قرار بعد، ولكن مصدراً في كتلته يفيد بأنه صار متفتحاً على كل الإحتمالات. في حين أن رئيس الحكومة السابق لا يريد أن يُقسّم كتلته، فإنه قد يكون يعتقد بأن الرئيس الجديد الذي تجلبه أصوات كتلته يمكن أن يغير حظوظه السياسية الخاصة، في الوقت الذي يواجه ضربة كبيرة مع بعض التقارير الذي يفيد بببع وشيك لشركته “سعودي أوجيه” المُفلسة.
إن إنتخاب رئيس جديد ربما يضرّ، أو على الأقل يعيق، إستراتيجية “حزب الله” في إستخدام الطريق المسدود في لبنان لفرض تغييرات دستورية بشروط الحزب. إن العقبات في هذا الأمر برزت بوضوح في سلسلة جلسات الحوار الوطني التي إستضافها أخيراً رئيس مجلس النواب نبيه بري.
من جهته كان بري صوّر في البداية الجلسات كمنتدى محتمل للإتفاق على صفقة شاملة لحل المأزق الرئاسي ومعالجة القضايا الوطنية الأخرى. ورأى بعضهم فيها سياقاً بمكن من خلاله ل”حزب الله” أن يبدأ بالإفصاح عن طموحاته السياسية الأوسع بشكل أكثر وضوحاً. ومع ذلك، لم تُثمر هذه الجلسات سوى ثمرة رمزية للغاية، جلسة حول الخطوات الدستورية للتنفيذ الكامل لإتفاق الطائف.
في الواقع، تكمن الرمزية في أن المسائل الدستورية لم يُتَطرَّق إليها أبداً في الدورات السابقة التي ركّزت على قضايا أكثر إلحاحاً، مثل إنهاء الفراغ الرئاسي. وهذا هو بالضبط ما لا يريده خصوم “حزب الله” في لبنان. فقد رفضوا قبول التعديلات الدستورية الناجمة من العرقلة السياسية للحزب. وهم يريدون أن يتم ذلك على أساس توافق وطني.
وهو ما يقودنا للعودة إلى حلب. إن قدرة “حزب الله” للضغط على خصومه ستعتمد على نتائج مسار حملته في سوريا. فإن “حزب الله” المُكافِح والمُعَاني سوف يُشجّع على المزيد من تحدّي منافسيه له في لبنان، في حين أن “حزب الله” المتدفّق بالإنتصارات سيكون في وضع أفضل للحصول على ما يريد. لهذا السبب، في الوقت الراهن، فإن المعركة في وعلى حلب سوف تُغذّي المعركة السياسية في بيروت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى