سلام ريو دي جانيرو

بقلم عبد الرازق أحمد الشاعر*

“من يرفض مصافحة الخصم في المنافسات الرياضية غير العرب؟” سؤال إستنكاري لا ينتظر “أوفير جندلمان” عليه ردّاً، فالسياسي الإسرائيلي المُحنَّك يعلم أكثر من القارئ العربي المُتابع عدد الرياضيين العرب الذين قبضوا أياديهم وأداروا ظهورهم للخصم الإسرائيلي بعد الفوز وبعد الهزيمة. كما يعلم رئيس قسم الإعلام العربي في مبنى رئاسة وزراء إسرائيل أن عدد الذين رفضوا النزال وأداروا ظهورهم للحلبة أكثر من الذين رفضوا هزّ رؤوسهم أو ليّ أعناقهم فوق البساط. لكن الرجل أراد أن يُسجّل إنتصاراً سياسياً يكون ردفاً للإنجاز غير المسبوق الذي حققه مواطنه “أور ساسون” على غريمه المصري مرتين قبل صافرة البدء وبعد صافرة الختام.
كانت ركبتا إسلام الشهابي تصطكّان وهو في الطريق نحو الحلبة وكأنه لم يستأسد فوق رقعتها قط، وكانت عيناه زائغتين كأنه لم يذق طعم النوم شهورا. كان الرجل يُدرك أنه مُقدِمٌ على كارثة، وأن لعنة الإنتصار ستطارده كمرارة الهزيمة. كم دعا شهاب ربّه أن لا يدفع فاتورة العجز العربي وحده. لكن قدر المهندس السلفي الطيب كان أسوأ مما إحتسب، فقد فرضت عليه القرعة أن يقف وجهاً لوجه مع عدو التاريخ وسارق الخرائط في ريو دي جانيرو.
كان إسلام يُمنّي نفسه بإنتصار سريع كالذي حققه سلفه رمضان درويش في أوليمبياد موسكو في العام 2012 حين إنتصر في ربع النهائي على غريمه الإسرائيلي أريك زيفي ورفض مصافحته. لكن رياح دي جانيرو أتت بما لم تشتهه سفن إسلام ومراكبه. صحيح أن شهاب قد رفض مدّ يده لساسون كما فعل درويش، لكنه أعطى الرجل كامل جسده يفعل به ما يحلو له. وبعد لقاء لم يدم طويلاً، إرتفعت الأعلام الإسرائيلية كالعادة، وخيّم على البعثة المصرية صمت ووجوم. وعاد إسلام من حلبة المصارعة مهزوماً مكسور الوجدان، فلا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى.
ظن إسلام شهاب – كما ظن جندلمان – أن مصافحة الأعداء أشد من التطبيع معهم، وأن رفض الإنحناء للخصم أقسى من ملامسة الكتفين لرقعة المطاط. ونسي الرجل تاريخاً من الدماء والحروب والمكائد تشيب لهولها رؤوس رياضيي الريو الذين إستهجنوا موقف الشاة بعد الذبح في صالة مغطاة. وكما منح ساستنا الأرض ورفضوا التوقيع على البيع، فقد منح إسلام جسده قرباناً لمنظمي البطولة الذين لن يرضوا عن إسلام، وإن حصل على صفر مقابل مئة حتى يمد يده صاغراً بالسلام.
سلامُنا نريده فوق الخرائط المدنّسة أيها المتخاذلون أمام لكمات ساسون واللجنة الأوليمبية المنظمة. ونصرُنا لا نريده فوق رقعة مطاط أيها المطبّعون الأشاوس. نصرُنا لن يتحقق من لكمة يسدّدها رياضي لوجه ساسون أو من نصر هزيل يحققه شهابي في صالة مغطاة. سلامُنا ليس بالمصافحة ولا بهز الرؤوس أيها الرياضيون الطيبون، ونصرنا لن يتحقق بردّ يد ساسون أيها المتمسّكون بالهراء حتى الفاجعة الأخيرة.
إنتصر درويش، لكننا رغم نصره هُزِمنا. وهُزم شهاب، ولامست كتفاه العريضتان بلاط الحلبة مرتين، وكأننا كنا في حاجة إلى هزيمة نفسية أخرى أمام عدو لا نستطيع أن نقف أمامه منتصبي القامة، لكن هزيمته رغم ذلك لم تزد في رقعة خسائرنا قيراطاً. والواقفون في أقصى يمين الفاجعة يندّدون بمشاركة الرجل، كما الواقفين في أقصى يسار التطبيع والتطبيل مهزومون ومحبطون ومهمشون فوق خريطة تزداد ضيقاً كل نهار.
وتصحيحاً لمقولة مستشار رئيس الوزراء الأسرائيلي جندلمان، أذكر بأن ماليزيا (دولة مسلمة غير عربية) رفضت إستضافة الإتحاد الدولي لكرة القدم “الفيفا” في أيار (مايو) المقبل لأنه يضم وفداً إسرائيلياً، ورحّب أحمد زاهدي حميدي نائب رئيس الوزراء بقرار “الفيفا” القاضي بحرمان ماليزيا من إستضافة الإجتماع السنوي للإتحاد، مؤكداً أنه لا يستطيع منح تأشيرات للوفد الإسرائيلي، ولا يقبل أن يُرفع علم إسرائيل فوق طاولة الإجتماعات لأن في ذلك “إستفزاز لمشاعر المواطنين في ماليزيا”. ولا يفوتني أن أذكر بأن الرجل وزير لداخلية بلاده، وأن أحداً في حكومة ماليزيا لم يتنصل من موقفه كما فعل رئيس اللجنة الأوليمبية المصرية حين سئل عن رد شهاب ليد ساسون، حين قال بأنه قرار فردي لا يمثل البعثة ولا رئيسها.

• كاتب وصحافي مصري

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى