هل يستطيع الغاز الطبيعي إعادة توحيد قبرص؟

فيما تبدأ قبرص عمليات التنقيب عن الطاقة في منطقتها البحرية الخالصة، وتسود الآمال حول بناء خط أنابيب بين إسرائيل وتركيا، هناك تفاؤل متزايد يفيد بأن الغاز الطبيعي قد يساعد في نهاية المطاف على توحيد الجزيرة المُقسَّمة.

حقل "أفرودايت": فائدة إسرائيلية – قبرصية مزدوجة
حقل “أفرودايت”: فائدة إسرائيلية – قبرصية مزدوجة

نيقوسيا – هاني مكارم

إن إزدهار الطاقة الناشئ في شرق البحر الأبيض المتوسط يمكن أن يكون الشيء الذي يلزم لإعادة توحيد قبرص أخيراً بعدما أمضت الجزيرة أكثر من 40 عاماً منقسمة بين الجنوب اليوناني والشمال التركي.
لقد حفّز إكتشاف حقول الغاز الطبيعي في السنوات الأخيرة في المياه التابعة لمصر وإسرائيل وحتى في لبنان، الإهتمام والإستثمار من شركات الطاقة، بما فيها شركات كبيرة من أوروبا والولايات المتحدة. في 27 تموز (يوليو) الفائت، خطت قبرص خطوة كبيرة نحو تحقيق وعدها الخاص في مجال الطاقة، حيث أعلنت عن تقديم موجة من الشركات الرئيسية العالمية، بما في ذلك شركة إكسون موبيل الأميركية وتوتال الفرنسية وإيني الإيطالية، عروض للإشتراك في المناقصة للتنقيب عن الغاز قبالة الساحل الجنوبي من الجزيرة المُقسَّمة.
إن جهد قبرص المُنصَبّ على إعطاء دفعة لبدء الإهتمام بمواردها البحرية – بعد بدايات خاطئة ومشاحنات عدة مع أنقرة كان آخرها في العام 2014 على المياه المتنازع عليها حيث يوجد بعض الغاز الطبيعي – يأتي تماماً فيما تركيا وإسرائيل تقومان بإصلاح علاقاتهما بعد ست سنوات من الخلافات.
وكان الدافع وراء تلك المصالحة، في جزء منه، رغبة تركيا في إستيراد الغاز الطبيعي الإسرائيلي، الذي سيكون عليه على الأرجح أن يأتي عبر خط أنابيب، يكاد يكون من المؤكد أن يمر عبر المياه القبرصية – ونيقوسيا قالت بأنها ستمنع مرور أي خط أنابيب إذا بقيت الجزيرة منقسمة.
بعبارة أخرى، إن شهية أنقرة للغاز الإسرائيلي قد تعطيها سبباً كافياً لدعم إعادة توحيد قبرص بعد حوالي 42 سنوات من غزو القوات التركية وتقسيمها.
وقال مايكل لاي، وهو زميل بارز في صندوق مارشال الألماني التابع للولايات المتحدة: “قد يشكل الغاز حافزاً لتركيا لدعم عملية إعادة التوحيد”.
وأغدق المسؤولون الأتراك بشكل كبير بتصريحات علنية حول هذه المسألة. قال رئيس الوزراء بينالي يلديريم (26/07/ 2016)، في أول تعليق له بعد محاولة الانقلاب الفاشلة، أن تركيا تدعم محادثات إعادة التوحيد. لكنه أضاف أيضاً بأن الجولة الحالية من المحادثات ستكون “فرصة أخيرة” للقبارصة اليونانيين لكي يكونوا أكثر مرونة. كما قال سفير تركيا إلى الإتحاد الأوروبي، “سليم ينال”، لصحيفة “بوليتيكو” الإلكترونية الأميركية في الأسبوع عينه أن إعادة توحيد الجزيرة لم تكن شرطاً أساسياً لأنقرة لبدء إستيراد الغاز من إسرائيل، على الرغم من أن خبراء الطاقة يعتقدون ذلك.
وقال متحدث بإسم السفارة التركية في واشنطن لموقع “فورن بوليسي” أن “تركيا تؤمن بقوة بأن موارد النفط والغاز في شرق البحر الأبيض المتوسط ينبغي أن تكون مصدراً للسلام والتعاون والرفاه للمنطقة”. وفي حين أن موضوع الطاقة هو تطور جديد في المحادثات التي دامت عقوداً حول مستقبل الجزيرة فقد أضاف: “إننا نعتقد، قبارصة أتراك ويونانيين، بحقوق متساوية ومتأصلة بالنسبة إلى الموارد”.
من جهتها لم تستجب السفارة القبرصية لطلباتنا للحصول على تعليق. إن الرئيس القبرصي نيكوس أناستاسيادس ردد مراراً بأن تنمية الطاقة في شرق البحر المتوسط، بما في ذلك في قبرص نفسها، يمكن أن يكون “حافزاً” للسلام والإستقرار والتكامل الإقليمي. ولكن أي خط أنابيب للتصدير الذي يمر عبر مياهها في طريقه إلى تركيا سيتطلب جزيرة موحَّدة، كما أوضح المسؤولون القبارصة.
في تموز (يوليو) 1974، غزت القوات التركية الجزء الشمالي من الجزيرة، وأنشأت جمهورية إنفصالية في الشمال لا تعترف بها سوى تركيا فقط. ومن ناحية أخرى فإن القسم القبرصي اليوناني الجنوبي هو عضو في الإتحاد الأوروبي، ومعترف به دولياً. إن الجزيرة المنقسمة وترت علاقات تركيا على مدى العقود الماضية مع أعضاء منظمة حلف شمال الأطلسي، بما في ذلك اليونان، وكذلك الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.
إن محادثات إعادة التوحيد بين القبارصة اليونانيين والأتراك كانت مستمرة منذ سنوات، ويقول الجانبان بأن العام 2016 ربما يمثّل أفضل فرصة للتوصل الى إتفاق لإنهاء التقسيم المُصطَنع للجزيرة. وقد وافقت الأمم المتحدة في أواخر الشهر الفائت على التمديد لقوة حفظ السلام التابعة لها في الجزيرة، حيث كانت منذ العام 1964، لمدة ستة أشهر أخرى.
الواقع أن موارد قبرص من الطاقة الممكنة يمكن أن تعمل أيضاً كحافز للتوحيد. إن مدى إهتمام الشركات الدولية الكبرى مثل أكسون موبيل وتوتال هو شهادة على الموارد المحتملة في أعماق البحر الأبيض المتوسط، وإكتشاف الحقل الضخم في العام الفائت قبالة السواحل المصرية زاد الامال في العثور على حقول مماثلة في المياه القبرصية. وهذا، بدوره، غذّى أحلام الجزيرة بتحويل نفسها إلى مركز محوري للطاقة ومُصدّر إقليمي للغاز الطبيعي.
لكن، حتى لو وُضعت جميع الحقول في المناقصة خلال هذا الشهر، فمن غير المرجح أن يُغرق الغاز البلاد نسبياً. فعلى الرغم من أن التقديرات تختلف على نطاق واسع، فإن أفضل البيانات المتاحة عن إحتياطات الغاز تقدّر أن قبرص لديها تقريباً الحجم عينه الذي تستهلكه تركيا سنوياً، أو أكثر قليلاً: بين 50 إلى 70 متراً مكعباً.
“في جزء من العالم حيث نضاعف حجم كل شيء، فإنه لم يفاجئني أن يصبح 50 مليار متر مكعب في قبرص مصدراً رئيسياً للغاز”، قالت بريندا شافير، وهي خبيرة في طاقة البحر المتوسط في جامعة جورج تاون الأميركية.
بدلاً من ذلك، قالت، هناك الرغبة التركية للحد من إعتمادها على روسيا في إمدادات الطاقة، وخصوصاً جوع أنقرة لبدء إستيراد الغاز من صديقتها الجديدة إسرائيل، الأمر الذي يضع قبرص في موقع متميز.
“إن الموقف التفاوضي للجنوب القبرصي هو أفضل من أي وقت مضى، لأن هناك مصلحة تركية في خط الأنابيب وهناك إهتمام تركي في إظهار النيّة الحسنة بأن أنقرة تسعى إلى إصلاح الخلافات مع الجميع، وبالتالي فإن التوقيت هو على الارجح واحدٌ من أفضل الأوقات الذي تستطيع فيه قبرص “الوصول إلى إتفاق حول إعادة التوحيد”، على حد قول شافير.
لا يزال هناك الكثير من العقبات، على الرغم من وعود الطاقة. وليس واضحاً بالضبط أين يقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بشأن بعض القضايا الشائكة، قال “لاي”، حيث “الضوء الأخضر من أنقرة ضروري” للتوصل إلى إتفاق. وهذا يتعلق بالمسائل الإقليمية الناشئة عن عقود من التفرقة وخصوصاً إنسحاب ما يقدر ب 30,000 إلى 40,000 جندي من القوات التركية الذين لا يزالون في جمهورية شمال قبرص.
وفي أعقاب محاولة الإنقلاب الفاشلة أخيراً من قبل عناصر من الجيش التركي والحملة الصارمة اللاحقة التي شنها أردوغان على الأعداء المتصوَّرين، فإنه من غير الواضح ما إذا كان القادة الأتراك لديهم العزم لدفع عملية الحل في مسألة قبرص في الوقت الراهن، على حد قول لاي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى