خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي يُعزِّز موقع أميركا

بقلم غسّان حاصباني*

إرتفاع أسعار الدولار الأميركي، وتوجّه رؤوس الأموال نحو سندات الخزينة الأميركية في المدى المنظور، وخسارة الإتحاد الأوروبي موقعه في المدى المتوسط كأكبر إقتصاد في العالم لصالح الولايات المتحدة، هي مؤشرات تدلّ على أن الرابح الأكبر من خروج المملكة المتحدة من الإتحاد الأوروبي هي أميركا. فهل هذه خطوة أخرى في المسار التحالفي الطويل للندن مع واشنطن الذي حال دون تطور هذا الإتحاد ليرتقي الى مستوى توحيده كدولة سيادية؟
بات من المعروف أن المملكة المتحدة لن تخرج من السوق الأوروبية قبل ثلاث سنوات من اليوم على أقل تقدير بعد المرور بمرحلة تشريعية وإقتصادية مُعقّدة. كما أن خروجها من إحدى أكبر مجموعات التبادل الحر في العالم لن يهز الاقتصاد العالمي بحد ذاته في المدى المنظور، اذ علينا ان نفصل بين الأثر الإقتصادي والتداعيات المالية لهذا الخروج. فالتداعيات المالية آنية، تحصل كردة فعل مبنية على التوقعات، حيث تتحرك رؤوس المال الى أماكن آمنة مثل سندات الخزينة والعملة الأميركية المدعومتين بأكبر اقتصاد في العالم، ويحتمي البعض بالذهب وغيره من الإستثمارات ذات المخاطر القليلة الى ان تتضح الصورة. كما أن إرتفاع سعر صرف الدولار قد يشكّل عامل ضغط على العملة الصينية التي ستتأثر بضعف الطلب على صادراتها من الإتحاد الأوروبي. أما من الناحية الإقتصادية، فان إنفصال المملكة المتحدة سيؤثّر سلباً في النمو الإقتصادي في الإتحاد الأوروبي وبريطانيا معاً، حيث يقدّر الخبراء نسبة التباطؤ في أوروبا بنصف النسبة التي سيتباطأ بها الإقتصاد البريطاني. ولكن ذلك لا يعني تدميراً لايٍّ من أطراف هذه المعادلة، لأن الإقتصاد البريطاني هو خامس أكبر إقتصاد عالمياً، مشكّلاً 3.6% من الناتج العالمي مقارنة بنحو 1.5% لدولة مثل روسيا و2% للدول العربية مجتمعة. واذا نظرنا الى الإتحاد الأوروبي وكأنه إقتصاد واحد، فيقدر ناتجه بنحو 16 الى 18.5 تريليون دولار ما يوازي الناتج المحلي للولايات المتحدة الأميركية. خطوة الخروج أتت في وقت أصبح هذا الاقتصاد يوازي الإقتصاد الأميركي، ولكن في السنوات المقبلة، سيخسر 3 الى 4 تريليونات دولار من قيمته نتيجة خروج المملكة المتحدة وتباطؤ النمو الاقتصادي، ليعود فيصبح أصغر من الولايات المتحدة ولكن يبقى أكبر من الصين.
ومن المعروف أن علاقة المملكة المتحدة قوية جداً مع الولايات المتحدة، كما أكد الرئيس الأميركي باراك أوباما بعيد صدور نتائج الإستفتاء بالتزامن مع وصف المرشح الرئاسي دونالد ترامب خروج بريطانيا من الإتحاد الأوروبي بالأمر الجيد. إضافة الى ذلك، يعتقد البعض أن المملكة لعبت دوراً ضمنياً في إبطاء تطور الإتحاد الأوروبي نحو فكرة الولايات المتحدة الأوروبية. ولكن بالرغم من فوائد هذه الخطوة لأميركا، من الممكن ان تتطور الأمور باتجاه آخر يدفع بالاتحاد الأوروبي الى تسريع خطواته نحو بناء كونفيديرالية كاملة والى إنفصال إسكتلندا للانفصال عن بريطانيا والإلتحاق بالاتحاد الأوروبي لتعود أوروبا فتشكل قوة اقتصادية كبرى تنافس الولايات المتحدة. وفي جميع الحالات، يبقى مستقبل المملكة المتحدة ضبابياً يعتمد على قرار إسكتلندا التي تشكل 10% من الإقتصاد البريطاني و8% من سكانها، ما يجعل إنفصالها مؤثراً لكنه ليس مدمراً لبريطانيا اذ قد تتقلص ليصبح إقتصادها شبيها باوستراليا او إسبانيا في أسوأ الأحوال. ولكن من غير المتوقع ان يحصل أي من ذلك قبل عقد او عقدين من الزمن، الوقت الذي ستحاول الولايات المتحدة كسبه لتعزيز موقعها الإقتصادي العالمي.

• خبير وكاتب إقتصادي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى