الأمير السعودي “الخارق” يزور واشنطن

واشنطن – سمير الحلو

الأمير “الثائر” محمد بن سلمان، ولي ولي عهد المملكة العربية السعودية ووزير دفاعها، قام بأول زيارة رسمية له إلى واشنطن منذ أيام في ظل إنخفاض جديد في العلاقات بين الولايات المتحدة وبلاده. في سن ال30، وبعد 14 شهراً فقط على وصوله إلى منصبه الرفيع، فإن الأمير الطموح هو بالفعل أحد صانعي السياسة الأكثر نفوذاً في العائلة المالكة السعودية، في حين يبقى نوعاً من اللغز في العاصمة الأميركية. لقد كان مشغولاً في هندسة إقتصاد سعودي جديد غير معتمد على النفط للحياة، والآن عليه التعامل مع تشكيل السياسة الخارجية الجديدة التي لم تعد تعتمد على أميركا لقوتها العسكرية.
محمد هو رائد الصقور الشباب في العائلة المالكة الذي يصرّ على إظهار المملكة السعودية بأنها ليست قوة دينية ونفطية فقط، ولكنها أيضاً واحدة عسكرية. كانت إدارة أوباما تشجع دائماً السعوديين على الاعتماد على أنفسهم لضمان أمنهم، ولكنها إكتشفت في العملية بأن الرياض لديها أهداف وأولويات متضاربة مع واشنطن. وقد أصبح هذا أكثر وضوحاً في المواقف المتباينة في التعامل مع إيران. السعوديون – الذين يعتبرون الجمهورية الإسلامية بانها عدوتهم الرئيسية في المنطقة – يسعون إلى عزل طهران، بينما يشجع البيت الأبيض الرياض على التقارب و”تبادل المصالح مع الجيران.”
ولكن النقطة الأساسية للخلاف في محادثات محمد في واشنطن مع كبار المسؤولين الأميركيين كانت بلا شك سوريا. السعوديون يريدون تصعيد الحرب لاجبار الرئيس السوري بشار الأسد على ترك السلطة. وهم يدفعون البيت الأبيض إلى تبني خطة بديلة تدعو إلى مثل هذا التصعيد، بما في ذلك القرار المثير للجدل بإعطاء صواريخ مضادة للطائرات للجماعات المتمردة المناهضة للنظام السوري.
حتى الآن، لم يُبدِ الرئيس أوباما إهتماماً أو مصلحة في الخطة (ب)، التي يُقال أن وزير الخارجية، جون كيري، يؤيدها كوسيلة لكسب نفوذ في حاجة ماسة إليه للضغط على حكومة الأسد. في خطاب وطني ألقاه أخيراً، أعلن الاسد بشكل واضح أنه يعتزم البقاء في السلطة إلى أجل غير مُسمّى، وتعهّد بإستعادة “كل شبر” من الأراضي السورية الشاسعة التي تسيطر عليها حالياً جماعات المتمردين الإسلامية والعلمانية.
الواقع أن سوريا تمثل أكبر علّة في تلاشي العلاقة الخاصة بين الولايات المتحدة والسعودية التي يعود تاريخها إلى نهاية الحرب العالمية الثانية. إن حجر الزاوية الدائم منذ فترة طويلة – النفط السعودي إلى الولايات المتحدة في مقابل الحماية الأميركية لحكم آل سعود – لم يعد سارياً. ولم يعد النفط السعودي حاسماً بالنسبة إلى أميركا، وأصبحت الرياض أقل إعتماداً بشكل متزايد على واشنطن لأمنها. ولا يزال الطرفان مُقيّدين بالعديد من العلاقات العسكرية والأمنية، ولكن أهدافهما وتطلعاتهما في المنطقة غالباً ما تكون على خلاف الآن.
أصبحت الخلافات بين البلدين في الآونة الأخيرة أكثر وضوحاً. فهما لا يتفقان على أهداف الحرب في سوريا واليمن وقبل كل شيء على ما إذا كان سيكون هناك تسوية للخلافات مع إيران. إن السياسة النفطية السعودية، التي منذ فترة طويلة تستجيب لمصالح الولايات المتحدة، تهدف الآن جزئياً إلى الحد من تنافس منتجي النفط الصخري الأميركي وحتى إيقافهم عن العمل. ويضغط الكونغرس لإصدار تشريعات لتجريد الحكومة السعودية من الحصانة السيادية من أجل السماح لأسر ضحايا أحداث أيلول (سبتمبر) 2001 رفع دعاوى قضائية ضد المملكة في المحاكم الأميركية ضد الدعم السعودي المزعوم للإرهابيين الخاطفين.
في هذه العلاقة غير المستقرة الآن أتى محمد بن سلمان، الشاب الصغير في السنً وغير المُجرّب لكي يعرف صناع السياسة الأميركيون معدنه. بفضل والده، الملك سلمان، فإن محمد يتحدّى المعايير المُعتادة للملكية من خلال إبراز نفسه في صدارة المتنافسين قبل إثبات مهاراته في الحكم. فهو يحمل مناصب متعددة، من ولي ولي العهد ووزير الدفاع إلى رئيس مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية الجديد الذي يتسم بالريادة في تحويل واسع للحكومة السعودية العديمة الجدوى.
نشر هذا المجلس أخيراً برنامج التحول الوطني (112 صفحة) الذي يحدد بالتفصيل مؤشرات الإصلاحات والتقدم لكل وزارة ووكالة حكومية التي ينبغي أن تنفذ من أجل تحقيق الأهداف الطموحة للغاية لخطة إصلاح رؤية 2030. إن الهدف الرئيسي هو إنهاء إعتماد المملكة على النفط إلى حد كبير من خلال إنشاء أكبر صندوق للإستثمارات العامة في العالم لإنتاج المليارات من الأرباح مع هدف أولي يتمثل في زيادة الإيرادات غير النفطية ثلاثة أضعاف إلى 141 مليار دولار في أربع سنوات.
في نواح كثيرة، يمثل محمد قطيعة جذرية مع جيل والده من الأمراء المسنين المُحدَّدين بالتقليد الذين حكموا المملكة بسرية منذ تأسيسها في العام 1932. وبشكل واضح ليس لديه أي إعتبار للعمر أو الأقدمية. وقد أظهر أيضاً أنه لا يتورع من تعزيز صورته في وسائل الإعلام الأجنبية، وهذا أمر في وقت سابق كان من المحرمات الملكية. ويبدو أنه حتى غير خائف على تحدّي الوضع الراهن الملكي من خلال التنافس مع إبن عمه الأكبر الأكثر خبرة الآن، ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ليصبح خليفة والده المباشر.
ولكي يحدث ذلك، فإن على الملك سلمان، الذي خلع بالفعل ولي العهد الأمير مقرن في العام الماضي، إعفاء محمد بن نايف، وزير الداخلية القوي والذي أثبت قدرة على التعامل مع القضايا الأمنية لمدة 17 عاماً. ويعود له الفضل في الحفاظ على حكم آل سعود في مأمن من المكائد الإرهابية أولاً من تنظيم “القاعدة” والآن من تنظيم “الدولة الإسلامية” أيضاً.
محمد بن نايف، الذي سيكمل عامه ال57 في آب (أغسطس) المقبل، هو رئيس لهيئة رئيسية أخرى لصنع السياسات أنشأها العام الماضي الملك سلمان تحت إسم “مجلس الشؤون الأمنية والسياسية”. وطالما إعتبر انه الأمير السعودي المفضل لدى واشنطن، ويبدو سائراً بأمان على الطريق الصحيح ليصبح الملك المقبل. ولكن محمد بن سلمان الآن يتحدّى هذا الافتراض، الأمر الذي أجبر المسؤولين الاميركيين على دراسة تدابيره بجدية أكثر والتحقق من دوافعه وأهدافه.
محمد بن سلمان يقود فصيلاً من الصقور داخل العائلة المالكة الذي قرر توسيع القوة العسكرية السعودية إلى حد كبير من أجل منافسة إيران بقوة أكبر، والتي تخرج الآن من عزلتها الدولية بعد الإتفاق على وقف برنامجها النووي العسكري. وقد أطلق السعوديون إئتلافين عسكريين في الأشهر ال15 الماضية، واحدٌ يتألف من تسع دول عربية سنية للقتال في اليمن ضد المتمردين الحوثيين المدعومين من طهران. والهدف الرسمي للإئتلاف الآخر، المحتضن ل34 دولة سنية، هو مكافحة الإرهاب، على الرغم من أنه يُنظَر إليه على نطاق واسع بأنه يمثل حيلة أخرى لمواجهة إيران الشيعية. في الوقت عينه، تشارك المملكة العربية السعودية في إئتلاف ثالث بقيادة الولايات المتحدة لمقاتلة تنظيم “الدولة الإسلامية”.
مع ذلك، فإن الأهداف الأساسية للبلدين ليست هي نفسها. بالنسبة إلى إدارة أوباما، القدوة لسياستها في الشرق الأوسط حالياً هي “إضعاف “داعش” وتدميره”، وإنتشال الولايات المتحدة من الحروب المتعددة في المنطقة، والصراعات الطائفية، وتعزيز الانفراج السعودي-الإيراني. بالنسبة إلى المملكة العربية السعودية، فإن الأهداف الأسمى هي دحر النفوذ الإيراني الشيعي في العالم العربي السني، وإسقاط حليف طهران الرئيسي فيه، الرئيس السوري بشار الأسد، والحفاظ على تورط الولايات المتحدة بشكل كامل في المنطقة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى