هل يستطيع سعد الحريري إنقاذ نفسه والجمهورية؟

بيروت – رئيف عمرو

كانت للإنتخابات البلدية الأخيرة في لبنان أكثر من بُعدٍ وطني أكثر من المعتاد. لأنه قد تم تأجيل الإنتخابات البرلمانية مرتين منذ العام 2013، فقد أصبحت الإنتخابات المحلية إستفتاء بشكل فعّال حول القضايا الوطنية – وليس أقلها العلاقة بين القوى السياسية التي تضم تحالف 14 آذار الذي لا يزال يتمتع بغالبية في البرلمان.
كانت هناك إثنتان من القضايا المتعلقة بقوى 14 آذار في اللعب. كانت الأولى ما يمكن أن يحدث لسعد الحريري، رئيس الوزراء السابق، الذي عاد إلى لبنان بعد غياب طويل. وكانت الثانية مصير العلاقات بين ا”لقوات اللبنانية” والحريري في ضوء التحالف الإنتخابي بين “القوات اللبنانية” و”التيار الوطني الحر” الذي يتزعمه ميشال عون.
وقد تباينت الحظوظ السياسية للحريري. فازت القائمتان اللتان أيدهما ودعمهما في بيروت وصيدا. ومع ذلك، في العاصمة كان الإقبال ضعيفاً جداً – الأمر الذي أظهر أن الحريري وجد صعوبة في حشد قاعدته. وفازت قائمته أيضاً بهامش ضيّق إلى حد ما ضد قائمة أخرى شملت شخصيات من المجتمع المدني التي لا تتمتع بالخبرة السياسية.
مع ذلك، عانى الحريري إذلالاً كبيراً في المكان الذي كان يحتاج الى تحقيق فوز كبير فيه. في طرابلس، معقل السلطة السنية، خسرت القائمة المدعومة من رئيس الوزراء السابق وغيره من الشخصيات المحلية الكبرى أمام اللائحة المدعومة من أشرف ريفي. وهو وزير العدل المؤيد للحريري الذي إشتبك معه الأخير لأنه إستقال من الحكومة من دون موافقته.
من جهته يصوّر ريفي نفسه على أنه وريث حقيقي لرفيق الحريري، مما يعني أن سعد الحريري بتحالفه مع السياسيين الذين يُنظَر إليهم بأنهم مُقرَّبون من النظام السوري قد خان هذا الإرث. ومع ذلك، فإنه ما جاء بعد ذلك قد وضع في المنظور مدى الضرر الذي ألحقته هزيمة الحريري بالعلاقات في تحالف 14 آذار.
في مناطق “القوات اللبنانية”، رُفعت لافتات تهنّىء ريفي. وهذا يؤكد أن الخلاف بين الرئيس الحريري ورئيس حزب “القوات اللبنانية” سمير جعجع كان بعيداً من الحل.
ويعود سبب خلاف جعجع إلى مفاجأته قبل أشهر عندما دعم الحريري منافس له، سليمان فرنجية، للرئاسة، من دون إبلاغه. في ذلك الوقت كان جعجع المرشح الرسمي لتحالف 14 آذار. ورداً على ذلك فقد أيّد عون، المنافس الرئيسي للتحالف منذ فترة طويلة، ونأى بنفسه عن الحريري. وهذا ادى هذا الى إنهيار فعلي ل14 آذار.
اليوم يبدو 14 آذار في حالة من الفوضى. لا يزال الحريري يؤيد فرنجية كمرشح للرئاسة، على الرغم من وجود ضغط عليه لدعم عون لرئاسة الجمهورية، لوضع حد للفراغ الرئاسي الموهن الذي إستمر لأكثر من عامين. ومن المفارقات، أن فرنجية قال للحريري انه سوف يتفهّم ولن يعارض تصويته لعون، ولكن نظراً إلى النتائج في طرابلس، حيث عون لا يحظى بشعبية، فإن رئيس الوزراء السابق يتردد في تنفير قاعدته مرة أخرى.
يمكن ل”حزب الله” أن يكون سعيداً في كل هذا. مع الإنقسام الحاصل في قوى 14 آذار، يرى الحزب مجالاً لمتابعة جدول أعماله في لبنان وسوريا. إن الفراغ الرئاسي، الذي ساهم الحزب فيه بشكل ملحوظ، جعل الدولة غير فعالة، وأفسح المجال ل”حزب الله” لتمرير أولوياته من دون عائق.
على ما يبدو إن الإحباط لدى الحريري في إزدياد. على شاشة التلفزيون الوطني، أدلى وزير الداخلية، نهاد المشنوق، وهو حليف لرئيس الوزراء السابق، تصريحات أخيراً أثارت غضب السعوديين. قال أن المملكة، من بين أمور أخرى، قد أيدت ترشيح فرنجية، وأشار إلى أن الملك عبد الله هو الذي كان أقنع الحريري للتصالح مع بشار الأسد في العام 2010، بعد إغتيال والده.
وقد أعلن السفير السعودي في بيروت إستغرابه لكلام المشنوق، كما إنتقدته صحيفة سعودية رائدة. في حين رجحت مصادر غير معروفة أن الحريري كان غاضباً من وزير الداخلية، فإن الواقع على الأرجح كان مختلفاً. من الصعب أن نتصوّر المشنوق ذا الخبرة الواسعة يُقدِم على تصريحاته إلّا إذا كان لإرسال الرسالة نيابة عن الحريري.
يشعر الحريري بخيبة أمل أن السعوديين قد دفعوه في إتجاهات سياسية أفقدته التأييد بين السنة اللبنانيين – بما في ذلك تحالفاته التي لا تحظى بشعبية في طرابلس، حيث شجّعت الرياض على تعزيز الوحدة السنية. وزيادة على هذا، فقد خفضت المملكة تمويل رئيس الوزراء السابق، حتى باتت شركات الحريري قريبة من الإفلاس، مما يحد بشدة من قدرته على تمويل آلته السياسية.
ونظراً إلى هذا الوضع فإنه لن يكون من المستغرب إذا ما إستخدم الحريري الوزير المشنوق لبعث رسالة إلى المملكة بأنه يستحق معاملة أفضل من توجيه اللوم لسياسات كان السعوديون قد دفعوه إلى إتباعها. في الصورة الأكبر هذا قد يعني أن الحريري ينظف ببطء الطريق لتحوّل سياسي من تلقاء نفسه، واحدٌ يمكن أن يكون تأييده عون.
ماذا يكسب الحريري؟ إن العودة إلى الحياة السياسية في لبنان تسمح له أن يلعب دوراً أكثر نشاطاً، وربما كرئيس للوزراء. ويتعيّن على، ويستطيع، الرئيس والحكومة معاً أيضاً تحفيز النشاط الاقتصادي الذي تشتد الحاجة إليه، والسماح للحريري بإحياء شبكات رعايته ببطء.
نحن لسنا هناك بعد، ولكن تحالف 14 آذار كان دائماً تذكرة الحريري على الساحة الوطنية. وفيما سقط إرباً، فقد تضاءلت حظوظه السياسية، في حين أن خصومه السياسيين قد ربحوا. ليس لدى الحريري خيار سوى التكيّف مع الوضع الجديد، وبسرعة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى