عُمان تجتاز عاصفة هبوط أسعار النفط بنجاح

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

مع إنخفاض أسعار النفط منذ حزيران (يونيو) ٢٠١٤ دخل إقتصاد سلطنة عُمان حقبة جديدة تستدعي إعادة النظر في النهج الإقتصادي الذي إتبعته لعقود.
ففي أواسط الشهر الجاري بالتعاون مع خمسة مصارف دولية أصدرت مسقط سندات بقيمة ٢٫٥ ملياري دولار وذلك لتغطية العجز في الموازنة الناتج من تراجع أسعار النفط. ويُعتبَر هذا الإصدار الدولي الأول منذ عقدين. ما هو شكل الحقبة المالية الجديدة في السلطنة؟ و ما هي تأثيرات تراجع النفط في الموازنة في السلطنة على المدى البعيد؟
بدايةً تجدر الإشارة إلى أنه منذ تراجع أسعار النفط إتخذت سلطات السلطنة خطوات حثيثة في سبيل تحقيق التنوع الإقتصادي والإعتماد بشكلٍ أقل على عائدات النفط. غير أن هذا التوجه والذي يظهر جلياً في الخطة الإقتصادية التي وضعت للخمسة أعوام ٢٠١٦-٢٠٢٠ و التي تسعى من خلالها تقليص حصة النفط من الناتج المحلي إلى ما دون ال١٠٪ عن مستوى يبلغ حالياً ما يقارب ال٤٠٪. هذا التوجه ليس وليد اللحظة الأخيرة بل بدأت به السلطات العُمانية منذ العام ٢٠٠٠ عندما كان النفط يشكل ما يقارب ال٧٠٪ من الناتج وإعتمدت منذ ذلك الوقت سلسلة من الخطط الخمسية ساعية إلى تطوير هيكلية الإقتصاد عبر التركيز على خمسة قطاعات أساسية: الصناعة، النفط، السياحة، اللوجستيات، الصيد والسمك، والمناجم. والحقيقة أن التحسن الذي حققته السلطنة كان ملفتاً، إلا أن حدة التراجع الأخير لأسعار النفط والذي لم يكن متوقعاً فرض نفسه على المشهد الإقتصادي والمالي، وفاقت تأثيراته حدود الخطة التي وُضعت. ويمكن القول أنه لو حصل التدهور الأخير للنفط مع حلول العام ٢٠٢٠ بدلاً من العام ٢٠١٤ كما حصل لكانت وطأته أقل مما هي عليه اليوم. إن التحسن الذي حققته السلطنة يمكن لمسه بتصنيف بنيتها التحتية بالمرتبة ال١٧ عالمياً وتصنيف بيئتها الإستثمارية بالمرتبة ٧٠ بين ١٤٨ دولة و الرابعة بين دول منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا.
هذا التقدم ورغم أهميته لا يزال بحاجة إلى جهود كثيرة من أجل تطوير الإقتصاد وتغيير بنيته الهيكلية. فالبنية الحالية والنمو الإقتصادي لا يزالان يعتمدان بشكلٍ كبير على إنفاق الدولة الذي يشكل أكثر من ثلث الإنفاق العام مما يجعل الإقتصاد والفرص الإقتصادية رهينة هذا الإنفاق. وعلى الرغم من الإنفاق الكبير على قطاع السياحة الذي تسعى السلطات جاهدةً إلى تطويره إلا أنه لا تتعدى حصته ٢٪ من الناتج المحلي. و بتقديرنا، رغم معرفة السلطات بالتأثير السلبي الذي قد ينتج عن خفض و ترشيد الإنفاق الحكومي، إلا أنها أخذت القرار الصائب بإعطاء الأولوية للبيئة الماكرو-إقتصادية في البلاد ومنعت أي تراجع مقلق للمالية. كانت أبرز تلك الخطوات خفض العجز في الموازنة إلى الناتج المحلي من مستوى ١٦٪ في العام الفائت (١١.٧ مليار دولار) إلى مستوى لن يتعدى ال١٣٪ هذا العام (٨.٦ مليارات دولار). هذا الإنخفاض هو كما أشرنا نتيجة خفض الإنفاق إضافةً إلى فرض ضرائب على الشركات. بناءً عليه فقد أبقت وكالة “ستاندرد أند بورز” على التصنيف الإئتماني على BBB-/A-3 مع نظرة مستقبلية مستقرة.
لكن تعاني السلطنة بتقديرنا من مشاكل إقتصادية عديدة. أولاً، إن النفط الذي يشكل حالياً ٤٠٪ من الناتج كما أشرنا، لا يزال يشكل ما يقارب ٨٧٪ من عائدات الدولة. فالتوسع الإقتصادي لا يبدو فعّالاً في إيجاد عائدات بديلة والصندوق السيادي في السلطنة ضعيف. وعلى هذا الأساس خفضت شركة “موديز” التصنيف الاتماني للسلطنة إلى Baa1 أي ثلاث نقاط عن السندات الرديئة “junk bonds”.
تدرك السلطات في عُمان أنه لن يكون بالإمكان تغيير تركيبة الإقتصاد التقليدية من دون تفعيل القطاع الخاص وإدخاله في شراكات “Public Private Partnerships”. و قد نجحت أخيراً في جذب إستثمارات في مشاريع مشتركة بين قطر (شركة كروا) وصندوق السلطنة الإستثماري في قطاع تجميع السيارات في منطقة دقم الحرة بإستثمار يبلغ ١٦٠ مليار دولار يقضي بإنتاج ٢٠٠٠ مركبة سنوياً، هذا بالإضافة إلى إستثمار مماثل مع الشركة الإيرانية “خودرو” في المنطقة ذاتها تصل فيها القدرة الإنتاجية إلى ١٠٬٠٠٠ مركبة. هذه الإستثمارات تشكل الدفعة التي يحتاجها الإقتصاد في الوقت الراهن لدعم محرك النمو الإقتصادي. كل تلك المحاولات لا تزال تصطدم بضعف المهارات وقطاع التعليم الذي توليه السلطنة إهتماماً خاصاً من أجل نقل مواطنيها من ثقافة الإقتصاد الريعي المدعوم إلى إقتصاد حيث للقطاع الخاص فيه دور محوري. ولكن لا تزال السلطنة بحاجة إلى جهود كبيرة جداً في هذا الإطار. كما يجب على السلطنة ألإستمرار في العمل من أجل تطوير البيئة الاسثمارية.
إن الإصدار الذي حصل قبل أيام جذب ثلاثة أضعاف القيمة المطلوبة، ما يشير إلى الوضع الجيد الذي لا تزال تتمتع به المالية العامة للبلاد. في ظل هذا الحرص والاهتمام اللذين تبدياه السلطنة مما لا شك فيه أنها استطاعت تجنيب البلد من عواقب سلبية جداً على الإقتصاد.

• خبير إقتصادي، أستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى