هل يحيا العدل بالمُساواة؟

بقلم ميرنا زخريّا*

العدل هو أنْ تَعدُل، فيما المُساواة هي أنْ تساوي. فهل الذي يساوي بين مختلف الأطراف يكون بالتالي قد عَدَل بينهم جميعاً؟ لا، المساواة والعدل ليسا واحداً. إن العدالة ليست مرادفاً للمساواة، لدرجة أنه في كثيرٍ من الأحيان يُعارض واحدٌ الآخر، رغم أنه في أحيانٍ أخرى يُكمّل واحدٌ الآخر؛ ما يجعل الأمور تختلط على البعض، ذلك أن الصفتين متداخلتان ومتجاذبتان، بسبب إشارتهما ودلالتهما إلى حُسن التعامل تجاه الآخرين.
العدل هو من صفات الله عزّ وجلّ، لذا هو متّصّل بالمُثُل العليا وبالقيم الرفيعة. هذه الصفات من الصعب العثور عليها عند مُعظم البشر، وإلا لكنّا نعيش في مجتمعاتٍ إستثنائيةٍ، ولكان واحدنا يعامل الآخر كأنه يتعامل مع نفسه فتراه يُساويه بذاته؛ ولما كنّا عندئذ إحتجنا إلى المحاكم والقضاة ليحكموا بعدلٍ بين الناس، ذلك أن عدالة البشر هي نسبية الطابع بسبب المصالح والأمزجة التي تتقلب صعوداً وهبوطاً بحسب الظروف الآنية، لتبقى المعايير الإلهية هي الوحيدة الأبية عن الإنزلاق نحو الرشوةِ والطمعِ والأنانية.
أمّا المساواة فهي صفات بشريّة الطابع، وهي غالباً ما تُعنى بشكلٍ عام بالمواضيع ذات التجاذبات الحقوقية، لذا عادةً ما تُشير المعاهدات والإتفاقات الدولية إلى موضوع المساواة في نواحٍ أكثر من أن تُحصى أو تُعدّ، مثل الدين والعِرق والجنس؛ وقد كثرت أخيراً مطالبات المنظمات الإنسانية بإقرار المساواة بين الرجل والمرأة. وتجدر الإشارة إلى أن المطالبة بالمساواة قد تكون لتغطية الثغرات التي تنتج عن غياب العدالة، أو للدقّة، لتغطية إستنسابية العدالة البشرية التي تتجاذبها معدّلات المصالح الشخصيّة.
في بعض المواقف، المساواة تُعارض وتُجافي وتُعرقل المسار العادل، بلْ بإمكانها أحياناً أنْ تصِل إلى حدّ التآخي والتلاقي والتوازي مع الظلم. لذلك فإن المطلوب في بعض المواقف، أنْ يستتبَّ التمييز بين الناس من أجل أنْ يستحصل كل ذي حقّ على حقه. إن إختلاف البشر عن بعضهم البعض يدعو إلى إقرار قوانين تعدل في ما بينهم وليس فقط إلى إتفاقات تساوي في ما بينهم.
قد نحصل، في ظروفٍ محدّدة، على العدل، من خلال تطبيق مبدأ المساواة، لكن مبدأ العدل لا يحيا بالمساواة، ذلك أن التسوية بين الناس ليست عدلاً، إذ هناك الفعل وردّ الفعل تماماً كما هناك الظالم والمظلوم.
لا يمكن لكائنٍ منْ كان، ومهما إجتهد وإجتزأ، أنْ يُنكر أهمية المساواة بين أبناء المجتمع، ذلك أن أسس المساواة تتضمّن جزءاً أساسياً من شريحة العدل؛ فبالمساواة يتحقّق العدل بين جهتين متساويتين وإنْ لم يكن بين جهتين مختلفتين، وكما يُقال “الناس أجناس”، وهُم بطبيعتهم وبتصرّفاتهم ليسوا متساوين، لا بلْ هم مُتمايزين، ما يتطلب نصوصاً مختصّة تميّز بينهم حيناً وتُساوي بينهم في أحيانٍ أخرى؛ ما يُشير إلى أن المساواة هي بوصلة للمتساوين لا أكثر.
بالمحصّلة، يتوضّح أن مبادئ المساواة، تماماً كما أجناس الناس، هي أيضاً على أنواع، منها الإيجابي ومنها السلبي؛ بحيث أن التساوي الموجب يهدف إلى تحقيق العدالة، في حين أن التساوي السالب يؤدي إلى تعطيل العدالة. والأمر عينه ينطبق حُكماً على مبادئ التمييز، بحيث أن أنماط التمايز منها المرغوب ومنها المرفوض؛ ما يُشير إلى حتمية وُجود أنماط من المساواة المقبولة كالتساوي في الشؤون الأخلاقية والقانونية وكل ما ينضوي تحت هذين البابين؛ وبالمقابل أنماط من المساواة غير المقبولة بسبب أنها لا تندرج تحت أبواب تحقيق العدالة، كالتساوي في النتائج والقرارات.
ويهذا الحال، يكون الباحث عن الحقّ أمام التشكيلة التالية من المساواة، حيث الأبواب المطلوب فتحها على مصراعيها هي:
– المساواة الأخلاقية: ذلك أن كل إنسان، مهما تكن الظروف، يستحقّ أنْ يُعامل ضمن المعايير الأخلاقية والإنسانية، رغم أن الناس ليسوا جميعاً متساويين في تصرّفاتهم أزاء بعضهم البعض؛
– المساواة القانونية: ذلك أن التساوي أمام القانون ضروري، لناحية كافة الإعتبارات المجتمعية كالحلال والحرام، أما حيّز الفروقات فلا يطال سوى العبر الخاصّة بفلك القضية المطروحة.
إن الغاية الأساسية من إقرار مبدأ التساوي هو لتعبيد وتسهيل طريق الخير والتقدّم أمام الجميع بشكلٍ متساوٍ. ولكنْ عند هذه العتبة لا بُد من إقفال باب المساواة وفتح أبواب الإجتهادات المحقّة لجهة ضرورة تطبيق معايير العدالة بحسب ما تقتضيه كل قضية على إنفراد. أما بعد، فإن عملية التقيد بالقوانين وإحترام الحقوق وإتمام الواجبات، فكلّها تقع على عاتق كل فردٍ من أفراد المجتمعات كافة؛ وإن الإخلال بهذه الثوابت، يسيرّنا بأسلوبٍ حتميٍ نحو المضي بفتح بابين من أبواب اللامساواة، هُما:
– اللامساواة في القرارات: إذ ومنْ أجل قرارٍ عادلٍ، يُستحسن دراسة ومراعاة كافة التفاوتات والقدرات والتجاوزات الفرديّة؛
– اللامساواة في النتائج: إذ ومنْ أجل نتيجةٍ عادلةٍ، يُفترض أخذ كل شاردة وواردة بعين الإعتبار قبيل إقرار التحكيم النهائي.
الخُلاصة: يُفترض تأمين المساواة في القضايا المُتساوية، وتعديل المساواة في القضايا المُتمايزة.

* باحثة في علم الإجتماع السياسي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى