“حزب الله” لا يريد تغيير الوضع القائم في لبنان

بيروت – رئيف عمرو

في نهاية هذا الشهر، سيكون قد أمضى لبنان عامين بلا رئيس. ومن المرجح أن يستمر الوضع على ما هو لأن الفراغ هو في المقام الأول من عمل “حزب الله”، فيما هو يسعى نحو تحقيق أهداف سياسية محلية وإقليمية على حد سواء.
إن الأسباب الرسمية للفراغ بسيطة: لم يتمكّن مجلس النواب اللبناني من تأمين النصاب القانوني الذي يتمثّل بالثلثين لإنتخاب رئيس للجمهورية. وذلك لأن “كتلة التغيير والإصلاح” العونية الكبيرة مع “كتلة الوفاء للمقاومة” التابعة ل”حزب الله” وحلفائها، وعلى رأسها كتلة رئيس مجلس النواب نبيه بري، رفضت حضور الجلسات الإنتخابية في البرلمان ما لم يكن هناك إتفاق مُسبَق على العماد ميشال عون للرئاسة.
وأكثر أهمية، فقد فسّر بري الأحكام الدستورية المُتعلّقة بإنتخاب رئيس للجمهورية بطريقة تسمح لعون و”حزب الله” التلاعب في توفير النصاب. لا توجد في لبنان محكمة عليا للطعن في قراءة بري المُريبة إلى حد كبير. وقد رفض كبار الدستوريين تفسير رئيس المجلس، ولكن من دون جدوى.
مع ذلك، لنضع الشكليات جانباً، فإن القضية الحقيقية هي سياسية. يعرف بري جيداً أن “حزب الله” لا يريد رئيساً للجمهورية في قصر بعبدا حالياً. بدلاً من ذلك، فإن الحزب يرغب في الحفاظ على فراغ مُنهِك، وبهذه الطريقة يصبح الأمر أسهل عليه لجلب مرشح من إختياره في الوقت الذي يشعر بأن لديه النفوذ السياسي المطلوب لفرض شروطه عليه لتعزيز قوته، ونفوذ إيران .
هذا هو السبب الذي يجعل الكثيرين يعتقدون أنه فقط عندما يتوضّح الوضع في سوريا ويرى “حزب الله” أن بشار الأسد قد حقق إنتصاراً حاسماً، سيتم إنتخاب رئيس جديد. في الوقت عينه، فإن الحزب يرغب الإستفادة من الإتفاق النووي الغربي مع راعيته إيران وإستخدام قوة طهران المتنامية في المنطقة لترسيخ نفسه في لبنان.
قد يكون ذلك صحيحاً، ولكن ما هو الشيء الذي يريده “حزب الله” على وجه التحديد هو ما يحيّر المراقبين؟ كان هناك الكثير من التكهنات بأن الحزب قد يسعى إلى تعزيز صلاحيات الطائفة الشيعية في لبنان، وترسيخ هذا في دستور معدل. وهذا يعني، بالإضافة إلى أمور أخرى، توسيع تمثيل الشيعة في مؤسسات الدولة.
ربما على المدى الطويل هذا هو ما يودّ “حزب الله” تحقيقه. ومع ذلك، يعرف الحزب أن تغيير الدستور يتطلب إجماعاً وطنياً واسعاً يسمح لجميع الكتل البرلمانية الكبرى الموافقة على التعديلات. في ظل الظروف الراهنة يبدو هذا الأمر مستحيلاً تقريباً، حتى لو حاول “حزب الله” الدخول في عملية ترهيب.
في هذه الحالة يمكن أن يقبل “حزب الله” بتدابير أقل والتي تمنحه توسيع هامش المناورة. يمكن أن يسعى أيضاً إلى نوع من الموافقة الرسمية على إستقلالية ترسانته من الأسلحة، والتي تسمح للحزب الحفاظ على تفوقه على منافسيه اللبنانيين. لقد دافع الحزب عن الإبقاء على أسلحته سابقاً لمحاربة إسرائيل، ولكنها اليوم صارت تخدم أساساً فرض هيمنته المحلية.
ان “حزب الله” قد يهدف أيضاً إلى تأمين قانون إنتخابات نيابية يسمح له الإحتفاظ بنفوذه في المناطق ذات الغالبية الشيعية، ولكن هذا الأمر يُضعف أيضاً منافسيه الرئيسيين، وعلى رأسهم رئيس الوزراء السابق سعد الحريري. إن الهدف الآخر ل”حزب الله” هو تحييد الزعيم الدرزي وليد جنبلاط، الذي يملك ميزان القوى في البرلمان والحكومة.
الحريري هو القلق الرئيسي ل”حزب الله”. في اللعبة الطائفية في لبنان، لا يريد الحزب منافساً سنياً قوياً. وهذا الأمر يذكّر بالعام 2005، لقد كان والد الحريري رفيق في حينه يستعد لتحدي المرشحين الدعومين من سوريا في الإنتخابات التشريعية، وكان من المرجح أن يفوز بالغالبية مع حلفائه. ويعتبر الكثيرون أن هذا الأمر هو الدافع وراء إغتياله، والذي إتّهمت المحكمة الدولية أعضاء من “حزب الله” بالقيام به.
ومع ذلك، فإن حظوظ الحريري الإبن تبدو ضعيفة. بعدما كان الممثل الرئيسي للمملكة العربية السعودية في لبنان، فإن رئيس الوزراء السابق يواجه صعوبات مالية، مما يدل على أنه لم يعد يتمتع بالتفضيل السعودي الخالص. في اللعبة الأوسع للقوة السعودية – الإيرانية في المنطقة، فإن الحريري يبدو فجأة أقل قوة مما كان عليه في السابق.
ومع ذلك، فإن “حزب الله” يعرف أيضاً أن الطائفية تتمتع بديناميكية غادرة خاصة. حتى مع ضعفه، يمكن لرئيس الوزراء السابق إستغلال التوترات بين السنة والشيعة كوسيلة لحشد السنّة إلى جانبه. هذا يمكن أن يجعل الأمور صعبة بالنسبة إلى “حزب الله”، ولهذا السبب يريد إضعاف الحريري.
الواقع أن الشيء الوحيد الذي يمكنه أن يهدئ الوضع في لبنان هو أن تتوصل المملكة العربية السعودية وإيران إلى بعض التفاهم حول المنطقة. لقد ساعد ترتيب سعودي – سوري في العام 1989 إلى تحقيق الإستقرار في لبنان لمدة 15 سنوات بعد إنتهاء الحرب، ولكن كان الثمن المدفوع الهيمنة السورية على البلاد. وبعبارة أخرى، تتميز التفاهمات الإقليمية أيضاً بأنها وسيلة تؤدي إلى صيغ لسيطرة جانب واحد معيّن.
ولكن حتى أكثر المتفائلين لا يرى إتفاقاً يحدث قريباً. إن دول الخليج أيضاً قلقة من النفوذ الإيراني في المنطقة ولن تقبل عن طيب خاطر كل ما من شأنه تعزيز مكاسب طهران.
طالما وُجِد هذا الوضع، فإن لبنان، الذي يُكرّر ويصفّي دائماً المنافسات الإقليمية، سوف يدفع ثمناً باهظاً لعداوات لا يمكن التوفيق بينها من حوله.
هذا يعني بأن الفراغ الرئاسي في لبنان سيبقى حتى يتوضّح الوضع الإقليمي. وقد “يحتفل” لبنان بالذكرى السنوية الثالثة من دون رئيس ما لم تتغير الأمور جذرياً في الأشهر المقبلة. وليس هناك أي شخص يعتبر أن ذلك أمر مستحيل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى