الملك عبد الله الثاني والإسلاميون: قصة علاقة صعبة

أعلن النظام الملكي في الأردن أخيراً الحرب على جماعة “الأخوان المسلمين” التي كان إعتبرها العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني “طائفة ماسونية …. تديرها ذئاب في ثياب حملان” في العام 2013، حيث بدأ حملة قمع ضدها شملت غارات على مكاتبها وإغلاق مقرها العام. لماذا كان هذا القرار في هذا الوقت بالذات؟ وما هو تداعياته؟

الملك عبد الله الثاني: لا يحب الجماعة
الملك عبد الله الثاني: لا يحب الجماعة

عمّان – ليلى الشامي

لا يخاف العاهل الأردني الملك عبد الله الثاني بن الحسين الهاشمي من إظهار عدائه تجاه جماعة “الإخوان المسلمين”، وهي جماعة إسلامية شعبية تأسست في مصر مع عدد من الفصول الدولية والتأييد الواسع في المملكة الأردنية الهاشمية. في مقابلة في العام 2013 مع المجلة الأميركية “أطلنتيك”، دعا الملك عبد الله جماعة الإخوان “طائفة ماسونية. . . تديرها ذئاب في ثياب حملان”. ولكن في الأشهر الأخيرة، فقد صعّدت عماّن أسلوبها الصارم إلى حملة قمع كبيرة، وبلغت ذروتها في غارات على مكاتب المنظمة الإسلامية وإغلاق مقرها في 13 نيسان (إبريل)، فضلاً عن مكاتب أخرى في مادبا، الكرك، والمفرق وهي مدن ليست بعيدة من العاصمة.
الواقع أن ما عجّل في هذه الحملة كان قانون جديد صدر في العام 2014 الذي يتطلب من الأحزاب والجمعيات تسجيل أو تجديد تراخيصها. وقد مكّن هذا القانون جناحاً جديداً ل”الإخوان”، الذي كان يتحدّى شرعية الفئة القديمة الأكبر سناً، من تسجيل نفسه على أنه جماعة “الإخوان المسلمين” في آذار (مارس) 2015. ويرأس هذه المجموعة عبد المجيد ذنيبات، الذي أوضح بأن الفرع الجديد يعارض علاقات الحركة الأصلية مع فروع الجماعة الإقليمية، وبخاصة بعدما نعتت مصر جماعة “الإخوان المسلمين” بأنها منظمة إرهابية. وقد أكد ذنيبات أيضاً على أن هوية جناحه أردنية فقط. ونتيجة لذلك، فقد قبلت الحكومة تسجيل المجموعة الجديدة. في أواخر نيسان (إبريل) 2015، منعت الحكومة الأردنية جماعة “الإخوان المسلمين” القديمة من عقد تجمع في الذكرى السنوية ال70 على تأسيسها. وبعد بضعة أشهر في تموز (يوليو)، بدأت دائرة الأراضي والمساحة نقل ملكية الممتلكات التي كانت تقدر قيمتها بملايين الدينارات من جماعة “الإخوان المسلمين” القديمة إلى الجناح الجديد. ثم منذ أكثر من شهر، في 29 آذار (مارس)، حظّرت عمّان على الحركة الإسلامية إجراء إنتخابات داخلية، والتي من دونها لن يكون في وسع جماعة “الإخوان المسلمين” القديمة تحديد وتسمية قادة جدد.
ولكن، من المعروف أن المجموعة القديمة كانت تعمل بصورة قانونية في الأردن لأكثر من 70 عاماً، بما في ذلك كان لها أعضاء في البرلمان. وكانت جماعة “الإخوان المسلمين” قد تسجلّت سابقاً في دوائر الحكومة مرتين: في العام 1946 ومرة أخرى في العام 1953. وكان الملك عبد الله نفسه إلتقى مع قادة الجماعة في العام 2011 لمناقشة دعوات الحركة للإصلاح السياسي بعد إندلاع “الربيع العربي”. كما قامت الحكومة أيضاً منذ فترة بشن حملة قمع على “الإخوان المسلمين” وإعتقلت نائب المرشد العام للجماعة زكي بني أرشيد في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014 وسجنته لمدة 13 شهراً بعدما إنتقد الإمارات العربية المتحدة – حليفة أردنية أساسية – في صفحته على “فايسبوك”.
ورفض محمد المومني، الناطق الرسمي باسم الحكومة الأردنية، طلب إجراء مقابلة، لكنه كان شدّد علناً على أن القيود الأخيرة ضد جماعة “الإخوان المسلمين” لم تكن حول السياسة بل بسبب عدم الإلتزام بقواعد تسجيل الأحزاب، قائلاً: “لا أحد فوق القانون”.
من جهته لم يقتنع المتحدث بإسم جماعة الإخوان معاذ الخوالدة بحجة وكلام المومني. وقال: “إن قرارات الحكومة الأردنية الأخيرة غير عادلة وتبشّر بإعادة الأردن إلى حالة الأحكام العرفية”، موضّحاً أن هذا البلد هو الآن أقل حرية من الناحية السياسية من أي وقت مضى. وأضاف الخوالدة بأن داخل النظام، “هناك الجناح الذي يسعى إلى القضاء على جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن”، لكنه وصف هذه الخطوة بأنها غير واقعية بالنظر إلى عديد أنصار الجماعة في جميع أنحاء المملكة الهاشمية. وبسبب مشاركة الإخوان في الإحتجاجات الأردنية في العام 2011، يعتقد الخوالدة أن الحكومة ترى في حملة القمع الحالية على أنها “الثمن” الذي يجب أن تدفعه الحركة لمطالباتها السابقة بالإصلاح السياسي.
جيليان شويدلر، أستاذ العلوم السياسية في كلية هنتر في جامعة “سيتي” في نيويورك ومؤلف كتاب عن جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن، وصف منطق الحكومة عن التسجيل القانوني بأنه “تمثيلية”. بدلاً من ذلك، يقول شويدلر، كانت إجراءات المملكة الهاشمية سياسية إلى حد كبير، وهي تهدف إلى إضعاف المجموعة التي تتبنّى السياسات التي تعارضها. إن مقاطعة جماعة “الإخوان المسلمين” لإنتخابات 2010 و 2013 أغضبت كبار المسؤولين الحكوميين. وحاول رئيس الوزراء الأردني سمير زيد الرفاعي إقناع الحركة، من دون جدوى، للمشاركة في الإنتخابات لتوفير الشرعية للعملية السياسية.
وأوضح عبد اللطيف عربيات رئيس مجلس النواب الأردني السابق (الذي كان واحداً من أعلى المناصب الحكومية الذي إحتله عضو من جماعة “الإخوان المسلمين” حتى الآن)، بأن الجناح الجديد من جماعة “الإخوان المسلمين” “ضعيف جدا”، وأن الحركة القديمة هي أكبر بكثير، وتتمتع بدعم واسع النطاق من الأنصار. وقال المسؤول في جماعة “الإخوان المسلمين” مراد العضايلة أن الحكومة لعبت دوراً مهماً في هندسة الإنقسام الأخير داخل الحركة لإضعاف السلطة السياسية للجماعة. “إن هذا العمل هو إنقلاب برعاية النظام” أشار العضايلة. في العام 2013، أوضح الصحافي جيفري غولدبرغ أن “الهاشميين قد إستخدموا في بعض الأحيان دائرة المخابرات العامة [المخابرات أو الشرطة السرية] لخلق الشقاق في صفوف جماعة “الإخوان المسلمين”؛ وقد إشتروا بعضاً من قادة الجماعة”. كما إنتشرت تقارير عبر عمّان تفيد بأن الحكومة لعبت دوراً مهماً في هندسة الإنقسام الأخير داخل جماعة الإخوان لإضعاف السلطة السياسية للحركة.

أوقات أفضل

لم تكن العلاقات بين الحكومة الأردنية وجماعة “الإخوان المسلمين” دائماً تصادمية وقتالية. الملك عبد الله الأول قام بإفتتاح مكتب الإخوان في العام 1945، ورحّب بالمجموعة. وعلى النقيض من سوريا ومصر، فقد أفسحت المملكة الأردنية لفترة طويلة من تاريخها مجالاً ومساحة للمواطنين الذين دعموا الإسلام السياسي اللاعنفي. على عكس الحركات الإسلامية الأخرى في المنطقة، فإن جماعة “الإخوان المسلمين” في الأردن لا يوجد لديها جناح عسكري ولا تدعو إلى العنف ضد النظام المحلي. حتى خلال حملة القمع العنيفة ضد الفلسطينيين خلال أيلول الأسود — فترة من الصراع الضاري في سبعينات القرن الفائت بين منظمة التحرير الفلسطينية والمملكة الأردنية – فقد وقف الإخوان الى جانب الملك حسين من خلال عدم إنضمامهم إلى ميليشيات تعمل على إسقاط النظام الملكي. وعندما أقدم مقاتلو تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً ب”داعش”) على قتل الطيار الأردني معاذ الكساسبة بطريقة وحشية في العام الماضي من طريق حرقه حياً، أصدرت جماعة “الإخوان المسلمين” بياناً يتماشى مع رسالة الديوان الملكي بنعتها طريقة القتل ب”الشائنة والشنيعة” ووصفتها بأنها “عمل إجرامي [الذي] إنتهك حقوق أسرى الحرب في الإسلام”.
ولكن بعد ذلك بدأت العلاقات تتوتر عندما بدأ الأردن يضيّق الخناق على الحركة الإسلامية بعد سقوط الرئيس المصري محمد مرسي في العام 2013، الذي كان مدعوماً من جماعة “الإخوان المسلمين” المصرية التي كان ينتمي إليها.
إضافة إلى كراهية الملك عبد الله شخصياً للحركة الاسلامية، فيمكن ببساطة القول بأنه يشارك في القمع العام للجماعة الجاري في جميع أنحاء المنطقة. وقال يوآش وايجمايكر، أستاذ الدراسات الإسلامية في جامعة “أوتريخت” في هولندا، بأن جماعة “الإخوان المسلمين” تعاني من نكسات كبيرة في منطقة الشرق الأوسط، وعلى الأخص في مصر، وتعتقد المملكة الأردنية بأن هذا الوضع يشكّل فرصة ممتازة ل”الإخضاع البيروقراطي للإخوان”. وأضاف وايجمايكر بأن عمّان “تستغلّ” الإنقسامات الجديدة داخل الحركة الإسلامية بين الجناح الجديد والجماعة القديمة بمساندتها الحركة الجديدة، التي تحالفت بشكل وثيق مع النظام.

مقامرة

إن حملة القمع التي يقوم بها الأردن على “الإخوان المسلمين” هي عملية محفوفة بالمخاطر. لسبب واحد، يحظى الإخوان بتأييد شعبي واسع. وقد أشارت صحيفة “نيويورك تايمز”، على سبيل المثال، إلى أن ما يقرب من 25 الى 30 في المئة من السكان، ما يقرب من مليون أردني، يدعمون الإخوان. وقد أثبتت الحركة الإسلامية أيضاً قوتها في الإنتخابات البرلمانية الأولى في العام 1989 — بعد توقف دام 22 عاماً والتي كانت واحدة من عدد قليل من الإنتخابات التي إعتُبرت عادلة وحرة – حيث فازت بثلث المقاعد المتنافَس عليها وأصبحت أكبر كتلة في البرلمان. بعد أداء الإخوان القوي في العام 1989، غيّرت الحكومة قانون الإنتخابات وخلقت مناطق مجزّأة بشكل كبير بهدف إضعاف الإسلاميين. وكان هذا الأمر كافياً لكي تعلن جماعة “الإخوان المسلمين” مقاطعتها للإنتخابات الماضية في 2010 و 2013.
هناك خطر آخر هو أنه من خلال حظر المسيرات ومداهمة مكاتب “الإخوان المسلمين”، فإن الأردن قد يُجبر أكثر الإسلاميين على العمل السري، وهذا الأمر يشكّل السياسة التي تثير عموماً زيادة التطرف. وفيما تشارك عمّان في القتال ضد “داعش”، فإنه بالتالي من الخطورة بمكان أن تنفّر مجموعة متأصّلة في المجتمع التي يمكن أن تخلق متطرفين إضافيين. ويعترف المسؤولون الحكوميون بأن ما يقرب من 2000 أردني قد غادروا البلاد للقتال مع تنظيم “الدولة الإسلامية”.
إن حملة القمع في الأردن قد تؤدي إلى الإساءة إلى سمعته الدولية كذلك. يعتز المسؤولون في الحكومة الأردنية بالفكرة السائدة عنهم في الغرب بأنهم “معتدلون”. حتى أن الملك عبد الله ظهر في برنامج “دايلي شو” مع الفكاهي جون ستيوارت في العام 2012. إن الروّاد من المحللين السياسيين يدافعون عن خفض مستوى علاقات الولايات المتحدة مع مصر وذلك جزئياً بسبب القمع المتزايد في القاهرة. وعلى الرغم من أن مضايقات المعارضين السياسيين في مصر هي أسوأ بكثير مما هو عليه الوضع في الأردن، فإذا عمّقت عمّان حملتها، فمن الممكن أن يدعو الناشطون في مجال حقوق الإنسان في الغرب أيضاً واشنطن بالمثل إلى إعادة تقييم علاقاتها مع المملكة الهاشمية. وبالإضافة إلى منع جماعة “الإخوان المسلمين”، فإن الأردن قام بتعديل دستوره في نيسان (إبريل) لمنح الملك عبد الله المزيد من السلطة وسجن الصحافي جمال أيوب لمدة ثلاثة أشهر في العام الماضي بسبب مقال يقرّع وينتقد المملكة العربية السعودية بسبب حربها في اليمن.
الواقع أن جماعة “الإخوان المسلمين” ليست حتى التهديد الأكثر إلحاحاً بالنسبة إلى المملكة الأردنية. إن الأردن يعاني من مشاكل إقتصادية كبيرة، بما في ذلك البطالة بين الشباب المرتفعة التي بلغت 28٪، ونسبة مُذهلة للدين إلى الناتج المحلي الإجمالي بلغت 90 في المئة. كما إستوعبت المملكة الأردنية أيضاً بسخاء أكثر من 642،000 لاجئ سوري، الأمر الذي أضاف الضغط على الموارد المحدودة في البلاد. وبعد عزل الرئيس مرسي في 2013 في مصر، كتب ديفيد شينكر من معهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى في مجلة “فورين أفيرز” الأميركية أنه “نظراً إلى التهديدات الخارجية العديدة التي تواجه الأردن وعكس الفرصة السياسية لجماعة “الإخوان المسلمين” في البلاد، فإن المنظمة الإسلامية هي أقل المخاوف لدى الملك عبد الله”. ومع ذلك، إن حملة القمع القاسية أخيراً في عمّان على الحركة الإسلامية — بإغلاق مكاتبها وحظر إنتخاباتها الداخلية — تبدو أنها تعكس قصة مختلفة. يوضح مسؤول أردني رفيع أنه حتى مع تراجع الأحزاب الإسلامية في جميع أنحاء المنطقة، فإن النظام في المملكة الهاشمية لا يزال يرى جماعة “الإخوان المسلمين” ويعتبرها تهديداً مُحتَملاً كبيراً، لذا فهو يكثّف ضدهم القمع في البلاد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى