زينة دكاش تُخرج السجناء من عزلتهم إلى المسرح

ثمانية وثلاثون سجيناً في سجن رومية في لبنان حرّرتهم المُخرجة زينة دكاش لنحو ساعتين جاعلة إياهم ممثلين في مسرحيتها “الكاثارسية” الجديدة “جوهر في مهب الريح”، فأدوا أدوارهم ببراعة شديدة العفوية وعبّروا عن معاناتهم ومآسيهم الشخصية داخل الجدران. إنها المسرحية الثالثة تنجزها دكاش في سياق مشروع “قصة منسيين خلف القضبان” وفي قلب السجن، بعد “12 لبناني غاضب” (2009) و”شهرزاد في بعبدا” (2012)، وتطلّب إعدادها نحو عام ونصف عام قضتهما بين السجناء تصغي إليهم وتكتب لهم وتمرّنهم مطوّعة أجسادهم وتعابيرهم، ودافعة بهم إلى إخراج المكبوت في نفوسهم ولا وعيهم.
وإن بدت المسرحية مجموعة لوحات أو إسكتشات منفصلة بعضها عن بعض، فالخيط الدرامي الذي نسجته المخرجة بقوة، جمع بين هذه اللوحات والإسكتشات مشكّلاً منها عرضاً متكاملاً داخل جوٍّ واحد هو جوّ السجن والمساجين. ومع إعتمادها تقنية “البسيكودراما” المتخصصة فيها أكاديمياً، عمدت دكاش إلى ما يشبه مسرح “الشانسونيه” من خلال الأغاني الساخرة والرقص “المضخم”، إلى جانب المونولوغات والحوارات والمشاهد التعبيرية الجسدية، ناهيك عن لقطات الفيديو المصورة داخل السجن والتي أضفت على العرض بعداً توثيقياً ودرامياً في آن واحد. بدا العرض طويلاً إلى حد ما نتيجة طرحه قضايا قانونية تتعلق بحقوق السجناء المهضومة، وإثارة شجون كثيرة يعانيها هؤلاء المنسيون (وهي موجهة إلى المسؤولين المعنيين من قضاة وضباط وحقوقيين كانوا حاضرين) لكنّ المشهدية المتحركة القائمة على مواقف درامية عميقة ساهمت في إنقاذه من الرتابة و”الموضوعية” القانونية.
كان الجمهور أمام ممثلين غير محترفين يؤدون شخصيات زملاء لهم هم من المرضى النفسيين المرميين في “المأوى الاحترازي” ومن المحكومين بالسجن المؤبد أو بالإعدام، وهنا يكمن التحدي الذي خاضته زينة دكاش وفريقها. سجناء درّبتهم وعملت معهم ليكونوا رديفين أو أشباهاً لرفاقهم الذين يستحيل أن يطلوا على الجمهور، لأنهم مرضى.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى