لماذا تتردد البنوك الأوروبية الكبرى في العودة إلى إيران ؟

شكت إيران أخيراً من أن البنوك الأوروبية تحجم عن إستئناف العلاقات التجارية معها في أعقاب رفع العقوبات الإقتصادية، وقالت إنها طلبت من صندوق النقد الدولي تبديد مخاوف هذه المؤسسات. ويبدو أن الإيرانيين والأميركيين يرون أسباباً مختلفة لإحجام البنوك الأوروبية الكبرى للعودة إلى السوق الإيرانية بعد الإتفاق النووي.

بنك باسارغاد الإيراني: هبطت معاملاته التجارية من 11 مليار دولار إلى مليار واحد
بنك باسارغاد الإيراني: هبطت معاملاته التجارية من 11 مليار دولار إلى مليار واحد

زوريخ – هشام الجعفري

نقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن حميد طهرانفار نائب محافظ البنك المركزي الإيراني، قوله “لا تزال هناك فوبيا الخوف من إيران في القطاع المصرفي وهو ما نحاول التغلب عليه”.
وأضاف: “طلبنا من صندوق النقد الدولي مراجعة قوانيننا حتى تطمئن بنوك الدول الأخرى. وسيعلن صندوق النقد الدولي تقييمه في العام 2018”. ولم يوضّح السبب في إستغراق إعلان التقييم فترة عامين.
وكانت الدول الغربية الكبرى بقيادة الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي قد رفعت في كانون الثاني (يناير) الفائت معظم العقوبات عن إيران مقابل الحد من برنامجها النووي.
لكن بعض العقوبات الأميركية لم تُرفَع، وظلّ من المحظور على البنوك الأميركية القيام بأي أعمال تجارية مع إيران سواء بشكل مباشر أو غير مباشر لأن واشنطن لا تزال تتهم طهران “بدعم الإرهاب”، حسب وكالة “رويترز”.
وأدى هذا إلى إحجام مؤسسات أوروبية عن التعامل مع إيران خشية مواجهة مشاكل قانونية أميركية إذا استأنفت الروابط المصرفية.
وبموجب تخفيف العقوبات، أُعيد ربط معظم البنوك الإيرانية بشبكة جمعية الإتصالات المالية العالمية بين البنوك (سويفت) الشهر الماضي، مما أتاح لإيران إستئناف التعاملات الدولية مع البنوك الأجنبية.
وقال أليكس ثيرسبي الرئيس التنفيذي لمجموعة بنك أبوظبي، أكبر بنك في الإمارات، إن البنوك لا تستطيع إبرام تعاملات مع إيران بالدولار الأميركي بموجب الأوضاع الراهنة.
وانتقد نائب وزير الخارجية الإيراني مجيد تخت روانجي أحد مفاوضي الإتفاق النووي ما وصفه “السلوك المتحفّظ” من البنوك الأوروبية في إستئناف التعاملات مع الجمهورية الإسلامية.
ونقلت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية عن تخت روانجي قوله لرجال أعمال أوروبيين في منتدى استضافته طهران أخيراً: “لا توجد عراقيل قانونية أمام توسيع العلاقات الإيرانية الأوروبية”.
وقال أيضاً إن البنك المركزي الإيراني ينفذ قوانين جديدة ضد غسيل الأموال وتمويل الإرهاب وذلك لتسهيل الروابط مع البنوك الأوروبية.
الواقع أن أكبر البنوك في إيران تحرص على إستئناف العلاقات مع البنوك الأوروبية الكبرى، لكن المؤسسات المالية الأصغر فقط على إستعداد للعودة إلى السوق الإيرانية في أعقاب الإتفاق النووي التاريخي.
في مقابلة صحافية في 3 أيار (مايو) على هامش مؤتمر عُقد في زوريخ، عزا مصطفى بهشتي روى، عضو في المجلس التنفيذي لبنك “باسارغاد”، هذا التردد إلى إتفاقات التسوية التي بلغت مليارات الدولارات والتي توصلت إليها البنوك الأوروبية الكبرى مع وزارة العدل الأميركية حول إنتهاكات العقوبات السابقة. وأشار إلى أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية التابع لوزارة الخزانة الأميركية يمكنه طمأنة هذه البنوك بأن الحظر قد رُفع ويمكنها بالتالي إستئناف الأعمال المشروعة مع إيران.
وقد أعرب مسؤولون إيرانيون عن إحباطهم من بطء وتيرة الفوائد الإقتصادية الملموسة التي شهدوها منذ تنفيذ خطة العمل المشترك الشاملة في 16 كانون الثاني (يناير) الفائت. وكان العائق الرئيسي الصعوبة التي تواجهها طهران في إعادة ربط مؤسساتها المالية والإقتصادية بالنظام المالي الدولي.
وقال “بهشتي روى” أن العقوبات قوّضت البنوك الإيرانية وأجبرت تمويل التجارة على اللجوء إلى قنوات غامضة. ومصرفه، الذي تأسس في العام 2005، قد تعامل مع ما قيمته 11 مليار دولار في تمويل التجارة في 2011-2012، حسب قوله، ولكن حصته في السوق إنهارت إلى مليار دولار في العام التالي في ظل العقوبات.
وقال: “علينا السماح للقطاع المصرفي معالجة المدفوعات، لأنه يمكن رصده ومراقبته بسهولة”.
وقال “بهشتي روى” أن بنك “باسارغاد”، الذي على عكس البنك المركزي الإيراني، لم يُقطَع عنه نظام “سويفت” للتعاملات الإلكترونية، يجري دراسة العناية الواجبة الخاصة به للتأكد من أن العملية لا تنطوي على مواد محظورة ذات إستخدام مزدوج عسكري / مدني، وأن المشتري والبائع شفّافان، وأن أي شخص في العملية ليس مشمولاً بالحظر الأميركي.
وأضاف: “إننا لا نفهم ما هو نوع الخطر الذي يرتبط بهذه المعاملات. ما نطلبه هو مجرد تمويل شفاف تماماً للتجارة”.
وقد شكا مسؤولون إيرانيون أيضاً من أن عدم الوصول المباشر أو غير المباشر إلى النظام المالي في الولايات المتحدة قد عقّد وقيّد قدرتهم على الوصول إلى مليارات الدولارات من عائدات النفط التي كانت قد جُمّدت في المقام الأول في البنوك الآسيوية. وقال بهشتي روى أنه يجب على الحكومة الأميركية أن تسمح بإستخدام الدولار بإعتباره “أداة للمحاسبة” لتسهيل تحويل العملات مثل الريال العُماني والروبية الهندية إلى يورو.
وأفاد جورج كلاينفيلد، وهو محامي خبير في العقوبات في مكتب المحاماة “كليفورد تشانس” في واشنطن، أن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية في وزارة الخزانة الأميركية يمكنه إصدار رخصة عامة تسمح بالتحويلات التي تنطوي فقط على الدولار الأميركي في نحو طارىء، ولا تتطلب الإنتقال الفعلي للأموال من خلال المؤسسات الأميركية – ما يسمى إنعطافات ب180 درجة أو (U-turns.).
لا يَعزو كلاينفيلد إحجام البنوك الأوروبية الكبيرة للعودة إلى إيران إلى مخلّفات إتفاقات التسوية بمليارات الدولارات بين البنوك الأجنبية الكبرى ووزارة الخزانة في واشنطن، بل إلى العقوبات الأميركية التي تحظّر على المواطنين الأميركيين التعامل تجاري، مهما كان نوعه، مع إيران إلّا في عدد قليل من المجالات المُحدّدة. ويعمل عدد من الأميركيين في عداد كبار المسؤولين التنفيذيين في هذه المصارف، ومن الصعب جداً حرمانهم بشكل كامل من العمل مع طهران، قال كلاينفيلد. وأضاف بأن مكتب مراقبة الأصول الأجنبية يمكنه أن يعالج هذا الأمر من طريق إصدار “رخصة عامة من شأنها أن تسمح للمؤسسات المالية الأجنبية، غير الأميركية، إشراك موظفيها الأميركيين” في الأعمال القانونية المتصلة بإيران.
من جهتها تصر إدارة باراك أوباما على أنها تفعل كل شيء من الواجب القيام به لتنفيذ خطة العمل المشترك الشاملة. ويقول جاريت بلان، نائب منسق المبادرة في وزارة الخارجية الأميركية لتنفيذ الإتفاق النووي الإيراني والذي كان يحضر المنتدى الأوروبي – الإيراني في زوريخ: “نحن نميل إلى التقدم” في هذه القضايا إلّا أن الحكومة الأميركية لا يمكنها أن تأمر البنوك بإتخاذ إجراءات تعتبرها خطرة.
ومن المتوقع أن ينمو الإقتصاد الإيراني بنسبة 4 – 5٪ هذا العام، وهو أعلى معدل في المنطقة، ولكنه لا يزال أقل من هدف طهران الطامح إلى نسبة 8٪. وتواجه البنوك الايرانية تحديات مع عدد كبير من القروض المتعثرة التي ورثتها من إدارة الرئيس محمود أحمدي نجاد، الذي شجع البنوك على الإقراض عندما بلغت أسعار النفط مستويات قياسية.
وقال “بهشتي روى” أن هذه القروض قد تمت إعادة برمجة مواعيدها والبنك المركزي الإيراني الآن يُلزِم المؤسسات المالية الايرانية بالحفاظ على 13٪ من ودائعها لدى البنك المركزي بسعر فائدة 1٪ فقط. في حين أن البنوك، التي لا تزال مضطرة إلى دفع أسعار فائدة من رقمين للمودعين، أبدت إستياءها من هذا الشرط، وقال “بهشتي روى” أن الأمر كان في الواقع حماية جيدة للمحافظة على الصحة المستقبلية للنظام المصرفي الإيراني.
“إن ذلك يُعطي موازنة قوية بوجود رأس مال إضافي في البنك المركزي الذي هو 2.5 مرتين أكثر من رأسمالنا المدفوع”، قال.
وأكد “بهشتي روى” وغيره من الإيرانيين الذين حضروا المنتدى الأوروبي – الإيراني على الدور الذي يمكن أن يقوم به القطاع الخاص في بلادهم في بيئة ما بعد العقوبات.
“نحن نعتقد أن القطاع الخاص لديه فرصة لرفع مكانته في الإقتصاد الإيراني”، قال “بهشتي روى”. مضيفاً أنه “خلال العامين الماضيين، كانت هناك سياسة إنتظار وترقب. إن رفع العقوبات سيولّد فرصاً للأشخاص الذين يسعون إلى الحصول على حياة كريمة”.
و”بهشتي روى”، الذي تلقى تعليمه في جامعة بورتلاند في ولاية أوريغون الأميركية في سبعينات القرن الفائت، عاد إلى إيران في العام 1980. وقد دمعت عيناه عندما تحدث عن أسباب عودته وقراره بالبقاء في إيران خلال سنوات الحرب، والعقوبات وغيرها من الصعوبات.
“كمصرفي، يحدوني أمل كبير” قال، من أجل مستقبل أكثر إزدهاراً للإيرانيين. مختتماً: “لو أفقد الأمل، لن أستطيع البقاء وراء مكتبي يوماً واحداً أكثر”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى