الملك فحم يفقد عرشه

واشنطن – هاني مكارم

“بيبودي إينرجي” (Peabody Energy) الأميركية، أكبر شركة خاصة لتعدين الفحم في العالم، قدمت أخيراً طلباً لحمايتها من الإفلاس في الولايات المتحدة. لقد أصبحت الشركة أحدث ضحية في حمام الدم في سوق الفحم الذي دفع فعلياً مناجم أميركية كبرى أخرى إلى المصير عينه، إلى الإفلاس، في الأشهر الأخيرة.
أفادت “بيبودي إينرجي” في ملف إفلاسها بأن التحديات التي تواجه قطاع الفحم هي “غير مسبوقة”، وتشمل التباطؤ في الصين، والغاز الطبيعي الرخيص، والأنظمة البيئية الجديدة. وتأمل الشركة في إستخدام الحماية من الإفلاس لإسقاط ديونها وتحسين التدفق النقدي، وسوف تبقى كل مناجمها تعمل في هذه الأثناء. وقال الرئيس التنفيذي ل”بيبودي إينرجي” غلين كيلّو بأن الإفلاس هو “الطريق الصحيح للمضي قدماً” من أجل “وضع الأساس لإستقرار طويل الأمد والنجاح في المستقبل”.
في الولايات المتحدة، إتجهت حظوظ شركات الفحم إلى الجنوب بشكل كبير، وبسرعة. إن القيمة المجتمعة لأكبر أربع شركات منتجة أميركية – بيبودي إينرجي، آرك كول، ألفا ناتشورال ريسورسيز، و كلاود بيك إينرجي – كانت تساوي في العام 2011 حوالي 34 مليار دولار، وفقاً للمجموعة الإستشارية “روديوم”. اليوم، فإن قيمتها هبطت إلى حوالي 185 مليون دولار.
ويبدو أن التحديات التي تواجه صناعة الفحم أكثر جوهرية من الرياح المعاكسة الدورية التي تضرب دورياً منتجي السلع في الولايات المتحدة. لقد أوقع الغاز الطبيعي الرخيص والوفير الفحم من عليائه المهيمن في قطاع الطاقة الأميركي. وفي الوقت عينه، سعت إدارة أوباما إلى فرض أنظمة بيئية صارمة جديدة على الفحم. ولا يبدو أن الرياح العكسية على الفحم من المرجح ان تختفي في أي وقت قريب.
“من دون أدنى شك، إنه تحوّل هيكلي” قالت كيلي ميتشِل، مديرة حملة الطاقة لمنظمة الخضر الأميركية، وهي جماعة تدافع عن البيئة. بدلاً من فرز وجدولة كافة التحديات التي يواجهها قطاع الفحم، قالت: “من الأسهل محاولة تحديد ما هو الشيء الجديد الذي جنوه منه. والجواب هو، في الأساس لا شيء”.
على الصعيد العالمي، فإن التوقعات بالنسبة إلى الفحم تختلف قليلاً. الغاز الطبيعي ليس تماماً حتى الآن رخيصاً أو وفيراً في العديد من الأسواق الأخرى كما هو الحال في الولايات المتحدة، الأمر الذي يترك مساحة أكبر للفحم، وخصوصاً في آسيا.
“لدى الولايات المتحدة إختلاف جوهري في ظروف السوق، ولكن على الصعيد الدولي، أنا لا أعتقد أن هناك عائقاً أساسياً لحدوث إنتعاش في أسعار الفحم” قال جيم طومسون، رئيس قسم أبحاث الفحم في القارة الأميركية في شركة الإستشارات “آي إتش سيرا”.
هناك بضع علامات إستفهام كبيرة. إن شهية الصين التي بدت أنها لا تشبع من الفحم، سواء من النوع الذي يُستخدَم كوقود لمحطات توليد الكهرباء أو من النوع الذي يُستخدَم لإشعال أفران الصلب، قد توقفت فجأة. فالسلطات الصينية تسعى إلى الحد من إستهلاك الفحم الوطني والحد من بناء محطات جديدة لتوليد الكهرباء التي تعمل بالفحم لكي تبدأ التعامل مع تلوث الهواء القاتل، والسام سياسياً.
يمكن لبلدان آسيوية أخرى، وخصوصاً الهند، حرق الكثير من الفحم في المستقبل لأنها تسعى إلى إيصال الكهرباء إلى مئات الملايين من الناس. ولكن حتى في الهند، فإن خططاً طموحة للطاقة النظيفة مثل الطاقة الشمسية يمكن أن تشكّل عقبة أمام مستقبل الفحم. والهند، مثل الصين، واليابان، وكوريا الجنوبية، يمكنها أيضاً إستيراد كميات كبيرة من الغاز الطبيعي لتشغيل محطات الطاقة في السنوات المقبلة. لقد بلغ حجم التجارة المنقولة بحراً من الغاز الطبيعي رقماً قياسياً في العام الماضي، الأمر الذي يجعل من الأسهل بالنسبة إلى البلدان في أوروبا وآسيا البدء بإيجاد بدائل معقولة من الفحم.
بالنسبة إلى شركات المناجم الكبيرة، بما في ذلك “بيبودي إينرجي” و”آرك كول”، فإن سؤال المليار دولار يتوقف على السوق في المستقبل للفحم المعدني ذي الجودة العالية، والمرتفع الثمن، مثل النوع الذي يُستخدم في صناعة الصلب. يوفر فحم “المات” معظم أرباح شركات المناجم؛ وينبع جزء من ويلات “بيبودي إينرجي” من ديون حصلت عليها لشراء منتج للفحم المعدني الأوسترالي بنحو 5 مليارات دولار في العام 2011.
لكن الطلب الصيني على الصلب تراجع مع تباطؤ الإقتصاد الصيني. فإلى جانب تحوّل بكين المُتعمَّد بعيداً من الصناعات الثقيلة وأكثر نحو الخدمات، فإن سوق فحم “المات” المُربِحة عرفت هبوطاً. فقد تراجعت صادرات الولايات المتحدة من فحم “المات” إلى الصين بأكثر من 80 في المئة في العام الماضي، وإنخفضت الصادرات بشكل عام بنحو 25 في المئة. وأفادت مجموعة “روديوم” الإستشارية في وقت سابق من هذا العام بأن إكتئاب سوق فحم “المات” في الصين هو السبب الحقيقي لمعاناة شركات الفحم في أميركا.
مع ذلك، قد يكون فحم “المات” الضوء الوحيد في نهاية النفق بالنسبة إلى المنتجين المُحاصَرين مثل “بيبودي إينرجي”. الطلب العالمي على الصلب في حالة ركود، ولكن يمكنه أن ينتعش إذا عاد الاقتصاد العالمي إلى المسار الصحيح. في الشهر الفائت أعلنت “رابطة الصلب العالمية” بأن الطلب قد يتعافى في أوائل 2017، وهو ما يعني المزيد من الإقبال على منتوج شركات الفحم.
“إن القول بأن سوق فحم “المات” لا يمكن أن يعود إلى الإنتعاش متشائم جداً”، قال طومسون.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى