مؤخّرة وثقافة وصحافة!

بقلم جوزف قرداحي

إحتلّت مؤخّرة المطربة ليال عبود قبل أيام المشهد الثقافي في لبنان عبر وسائل التواصل الإجتماعي وأيضاً عبر مواقع الأنترنت الالكترونية، بعدما كانت جريدة “السفير” اللبنانية قبل أيام معدودة إحتلت المشهد الثقافي نفسه، وإن إختلف الحدثان في الشكل وإتفقا في الجوهر. فوزارة الثقافة اللبنانية، التي وافقت على فتح أبواب مسرح قصر الأونيسكو في بيروت من أجل إحياء حفل تكريم الفنانة المثيرة للجدل ليال عبود، وإن غسلت يديها من هذا التكريم الذي أثار موجة من الغضب العارم والإستنكار الشديد في الوسط الثقافي، إلا أن الحدث بحد ذاته يدعو إلى التوقف عنده ملياً، وتحليله بشكل موضوعي، لوضع الإصبع على جبين المسؤول الفعلي عن إنحطاط المستوى الثقافي في لبنان، وبالتالي إنحطاط المستوى الإعلامي بشكل عام، المكتوب، المرئي، والمسموع.
تكريم ليال عبود في قصر الأونيسكو وأقولها بالفم الملآن، لا يشكّل إنتكاسة للوسط الثقافي الغاضب، وبالتالي لا يقلّل من قدر أهل الفكر والفن والإبداع، إذا ما حاولنا قراءة التكريم من الزاوية النقدية للإنتاج الثقافي من مفكرين وأدباء وشعراء ومسرحيين وموسيقيين ورسامين ومخرجين في فترة العشر سنين الأخيرة. وبإستثناء بعض فلتات الشوط من هنا وهنالك، فإن الإنتاج الإبداعي اللبناني المتوهّج أصبح شبه غائب عن الحضور والسمع، إذا ما قارنّاه بالفترة الذهبية لرواد النهضة الثقافية على إختلاف مذاهبهم، ولا سيما تلك الحركة التي شهدت ذروة صعودها في ستينات وسبعينات وحتى منتصف ثمانينات القرن الفائت وصولاً الى بداية تسعيناته.
نعم! إن مؤخّرة ليال عبود تستحق التكريم الثقافي ومعها مؤخّرة ميريم كلينك وكل مؤخرات السبق الصحفي والإعلامي، لأنها كانت بحق الحدث الثقافي الأبرز في الإعلام. هذا الإعلام الذي يستهجن اليوم تكريم مؤخّرة ليال عبود وغيرها من المؤخّرات، هو نفسه من صنع شهرة وأمجاد ليال عبود وغيرها من نجمات البرامج والصفحات الفنية. هذا الإعلام الذي ينتقد وزارة الثقافة التي فتحت أبوابها لليال عبود، هو نفسه شرّع أبوابه وسخّر برامجه لليال وغيرها. هذا الإعلام القلق من إنحطاط مستوى الثقافة، وإنزلاق وزارة الثقافة إلى مستوى مؤخّرات الفنانات، هو نفسه من سخر صفحاته وأقلق راحة مراسليه ومحرريه لمعرفة حقيقة تكبير مؤخّرة ليال عبود وغيرها من مؤخّرات الفنانات المالئات عقول أهل الإعلام وشاغلات الرأي العام.
هذا الإعلام منذ بداياته، كان مسؤولاً عن كل هذا الإنحدار الثقافي والأخلاقي والوطني والقومي والإنساني في لبنان. هو نفسه منذ تأسيسه كان مسؤولاً عن إنهيار المؤسسات الداخلية وإنتشار الفساد فيها، بفضل عمالته لكل أنظمة الخارج وتآمره على هدم مقومات الوطن تحت راية الحرية المنافقة. وما إنكشاف عجز جريدة “السفير” عن متابعة تمويل نفسها بعد سقوط وعجز مموليها الأساسيين من ليبيين وعراقيين وسوريين، سوى إنكشاف حقيقي لمؤخّرة الصحافة اللبنانية العارية. مع الفارق، أن مؤخّرات الفنانات فجميلة ومثيرة وتستحق الثناء والتقدير والتكريم، أما مؤخّرة “السفير” المكشوفة ومعها مؤخّرات الصحف اللبنانية الأخرى التي بدأت تتهاوى تباعاً، فأكثر قبحاً من مؤخّرة عجوز شمطاء أمضت شبابها في بيع جسدها وتأجير مؤخّرتها للغرباء وقطّاع الطرق والمرتزقة، وحين تقدمت بها الأيام، ترهّل جسدها وتقوّس ظهرها وتجدّرت مؤخّرتها، فابتعد عنها زبائنها وتخلّى عنها عشاقها تباعاً.
من سخرية القدر أن تعلن “السفير” عن نيتها في التوقف عن الصدور بسبب ما تعانيه من عجز في التمويل الذاتي، بالتزامن مع إقتراب الذكرى الواحد والأربعين لإندلاع شرارة الحرب الأهلية في الثالث عشر من نيسان (إبريل) من العام 1975. يومها كانت “السفير” في أوج بسط إمبراطوريتها الصحفية بأموال ليبية سخية. كان ثمن التمويل إذكاء الحرب الطائفية، وبث النعرات وترويج الشائعات. كانت مؤخّرة “السفير” في ذلك الوقت ومعها مؤخّرات باقي الصحف اللبنانية، بكامل سحرها وجاذبيتها، تشكّل حالة ثقافية لا تقل إنحطاطاً عما نراه اليوم في المشهد الثقافي الحديث، وكانت إلى ذلك لا تكشف عن عريها إلا لمموّليها من زبائنها العرب!

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى