إنخفاض أسعار النفط يعقّد الإستقلال الكردي في العراق

يواجه إقليم كردستان العراق وضعاً إقتصادياً مزرياً، وحرباً ضروساً مع تنظيم “الدولة الإسلامية” التي أدت إلى فرار ملايين اللاجئين والنازحين من سوريا والعراق إلى أرضه. ومع إستمرار إنخفاض أسعار النفط الذي يعتمد عليه الإقليم لتغذية موازنته فإن قوات البشمركة مهددة بهبوط المعنويات والإنكفاء لأن أفرادها لم يقبضوا رواتبهم منذ أكثر من 3 أشهر الأمر الذي ستكون له تداعيات أمنية كبرى.

اللاجئون السوريون: عبء آخر على الإقليم
اللاجئون السوريون: عبء آخر على الإقليم

أربيل – محمد عبدالله صالح*

منذ التصديق على الدستور العراقي الجديد في العام 2005، تلقت حكومة إقليم كردستان من بغداد سنوياً نحو 17 في المئة من موازنة العراق الوطنية بعد خصم بعض النفقات السيادية والحكم. وهذه النسبة بلغت سنوياً حوالي 13 مليار دولار في العامين 2012 و2013 عندما كانت أسعار النفط في ذروتها. إن حقن هذه المبالغ الضخمة بالإضافة إلى 37 مليار دولار على الأقل من الإستثمار الخاص المحلي والأجنبي قد ولّدا نمواً إقتصادياً سريعاً وعلامات غير مسبوقة من الإزدهار بين سكان إقليم كردستان العراق الذين يقارب عددهم الخمسة ملايين نسمة. ولكن هذا الوضع بدأ يتغير عندما وقّع رئيس حكومة الإقليم نيجيرفان بارزاني في تشرين الثاني (نوفمبر) 2013 على صفقة “إستراتيجية” مع الجارة تركيا لتصدير المواد الهيدروكربونية الكردية إلى هذا البلد على مدى السنوات ال50 المقبلة. وعلى الرغم من أن الإتفاق كان من المفترض أن يؤدي إلى تعزيز موقع كردستان العراق كمصدر رئيسي للطاقة ويساعد الإقليم على الإستقلال الاقتصادي، فقد أدت هذه الخطوة إلى نتائج عكسية لأن رئيس الوزراء العراقي في حينه نوري المالكي ردّ بتعليق حصة الإقليم الكردي من الموازنة العراقية العامة في شباط (فبراير) 2014.
محشورة مالياً وتحتاج بإلحاح إلى النقد، فقد سعت حكومة إقليم كردستان إلى تكثيف مبيعات نفطها المستقل، ولكن تهديدات بغداد برفع دعوى قضائية ضد المشترين عنت أن هناك القليل من الرغبة في شراء النفط الكردي العراقي دولياً. مع ذلك، فإن الحرب ضد تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش) خففت الضغوط على جهود الإقليم لتصدير النفط مباشرة فيما كان في حاجة ماسة إلى المال لتمويل حرب مكلفة ضد المنظمة الجهادية، وكذلك توفير الخدمات لسكانه، بالإضافة إلى ما يقرب من مليوني لاجئ سوري ونازح عراقي الذين إنتقلوا الى كردستان. ولكن تذبذب مستويات إنتاج النفط إلى جانب الإنخفاض الحاد في أسعاره إبتداء من صيف 2014 أدّيا إلى هبوط إجمالي إيرادات حكومة الإقليم من مبيعات النفط حيث لم تصل حتى إلى 6 مليارات دولار سنوياً سواء في 2014 أو في 2015.
بحلول نهاية العام 2015، كانت أربيل تأخرت بين ثلاثة وخمسة أشهر عن دفع أجور نحو 1.4 مليون موظف. وفي مواجهة آفاق إقتصادية ومالية قاتمة، فإن الحكومة إضطرت الأن إلى خفض رواتب موظفي الخدمة المدنية بنسبة تتراوح بين 10 إلى 75 في المئة إعتماداً على مستوى الرتب والرواتب. مع ذلك، لم يشمل خفض الرواتب قوات الأمن في محاولة على ما يبدو للحفاظ على النظام والاستقرار. وقد تعرضت الحكومة لإنتقادات شديدة لعدم بلورة رؤية واضحة لإصلاحات جادة وراء إجراءات التقشف الصارمة التي قدمتها.
ونتيجة للأزمة الإقتصادية، فإن معظم القطاع العام في كردستان أصيب بالشلل الآن فيما العديد من المؤسسات الحكومية، بما في ذلك في بعض الأحيان قطاعي الصحة والتعليم، أعلن الإضراب. الوضع حاد بشكل خاص في محافظة السليمانية ومنطقة كرميان القريبة منها، حيث المشاعر المناهضة للنظام هي أقوى. الواقع أن حكومة كردستان، مكافحةً من أجل دفع مستحقاتها، قد غرقت في ديون تقدر الآن بين 14 مليار دولار إلى 20 مليار دولار. وهذا يشمل قرضاً من تركيا يبلغ مليار دولار، والمستحقات المتوجّبة لشركات النفط العالمية والشركات المحلية وتأخر المدفوعات لأولئك الموجودين على جدول رواتب الحكومة.

سوء الإدارة الإقتصادية والسخط العام

فشلت حكومة أربيل في الإستفادة من سنوات ذروة الإيرادات في 2012 و2013 للإستثمار في التنمية الإقتصادية المُجدية والتنويع. وبالتالي، لقد كشفت الأوقات الحالية لعائدات النفط المنخفضة سوء إدارة الحكومة الحاد للإقتصاد. “تخدّر الناس عندما كان لدى الحكومة المال لإطعامهم”، قال سردار عزيز، مستشار إقتصادي بارز لرئيس برلمان الاقليم الكردي. إفتقرت حكومة الإقليم إلى رؤية واضحة لتطوير إقتصاد منتج من خلال إحياء الزراعة أو إجراء محاولة جادة لبناء قطاع صناعي. ونتيجة لذلك، تحوّلت كردستان العراق إلى حد كبير إلى مجتمع إستهلاكي يعتمد على الحكومة التي إضطرت إلى إستيراد واسع للمواد الغذائية الأساسية والسلع الضرورية الأخرى.
بالإضافة إلى فشلها في تحديد أولويات الإستثمار الاقتصادي، فإن حكومة الإقليم نسجت ثرواتها الإقتصادية في إطار نسيجها السياسي، مما أدى إلى شبكة رعاية موسّعة لتعزيز مواقع وأوضاع الأحزاب السياسية الرئيسية. لقد ذهبت الموازنة المربحة التي تلقتها من بغداد في الغالب إلى دفع القطاع العام الشاسع الذي تطور من المنافسة غير الصحية بين الحزبين الرئيسيين اللذين يشكّلان الحكومة، الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني، لشراء الولاء السياسي. وعلى الرغم من اللغط الكثير الذي ساد حول بناء إقتصاد رأسمالي، وسوق حرة، فقد فشلت الحكومة في ضمان المنافسة العادلة في مختلف قطاعات السوق. وقد إحتُكِر القطاع الخاص والشركات الرئيسية في الإقليم، مثل الاتصالات والطاقة والتجارة، من قبل أولئك الذين يتمتعون بصلات مع النخبة السياسية الحاكمة، ومعظمهم من الحزبين المهيمنين. بعض هذه الشركات الكبرى، كما أفاد بعض المعلومات المتطابقة، مُعفى من دفع الضرائب.
إن شفط ثروة البلاد كان مصدراً خاصاً للإستياء بين الأكراد العراقيين العاديين، الذين يشعرون الآن بوطأة هبوط عائدات النفط. وكانت الإحتجاجات الشعبية على فترات متقطعة على مدى الأشهر القليلة الماضية نتيجة لذلك، وفي بعض الحالات، هوجمت مكاتب الأحزاب السياسية. يطالب المحتجون بأن الأفراد، الذين يتهمونهم، الذين إستفادوا من صلاتهم بالأحزاب الحاكمة أن يعيدوا أرباحهم “غير القانونية” إلى الخزينة العامة. بغض النظر عن حقيقة هذه الإتهامات أو مدى الممارسات “غير المشروعة” هذه، فقد كانت عنصراً ثابتاً في تصور الجمهور للقوى الحاكمة في إربيل، وعلى هذا النحو، مساهمةً رئيسيةً في الإحتجاجات الجارية والشعور المستعر من الاستياء تجاه النخبة.
“الآن لا يوجد المال، والجميع يشعر بوجود المال في مكان ما، وأن ذلك المال ينبغي إرجاعه إلى الاقتصاد العام أو الخزانة والسماح له بالإنتشار”، هذا هو الكلام الذي وصف به عزيز التفكير الحالي بين الأكراد العراقيين العاديين.
الواقع أن الإنقسامات السياسية العميقة ورغبة النخبة الحاكمة بالحفاظ على مصالحها تجعلان أي دفعة شعبية لإصلاحات إقتصادية هيكلية صعبة المنال. ومع ذلك، إن الفشل في تنفيذ إصلاحات ذات مغزى لمعالجة مظالم السكان، وخصوصاً الشباب الأكراد، سوف يؤدي إلى إستمرار تقويض إستقرار حكومة إقليم كردستان في السنوات المقبلة.

السعي إلى إنشاء دولة

إن تدهور الظروف الإقتصادية في كردستان العراق من المرجح أن يقيّد قدرة حكومة الإقليم على المناورة في ما يتعلق بجهودها المُعلَنة للإستقلال ويجعل الوضع أكثر عرضة للضغوط من العالم الخارجي، ولا سيما من البلدان المجاورة القوية مثل تركيا وإيران. من ناحية أخرى كانت الأصوات المعارضة للإستقلال الكردي في إرتفاع أيضاً على الساحة الدولية، مع إعراب كلٍّ من وزير خارجية ألمانيا ومنسقة الشؤون الخارجية للاتحاد الأوروبي عن قلقهما إزاء هذه المحاولات.
مع كفاحها جاهدة لدفع الرواتب للناس، وتحت وطأة ديون ثقيلة، فمن الصعب التنبؤ كيف سيمكن لحكومة كردستان العراق إدارة دولة مستقلة نظراً إلى المخاطر التي ستنشأ نتيجة لذلك. لم يعبّر أيٌّ من البلدان المجاورة لكردستان العراق دعمه لقيام دولة كردية. ورغم أن الكثيرين قد يعلّقون آمالهم على صادرات النفط من الإقليم، فإن مستويات الإنتاج بعيدة من الأهداف المُعلنة للحكومة. وأعلن وزير الطاقة في حكومة إقليم كردستان في العام 2013 بأن إنتاج النفط في الإقليم الكردي سوف يصل إلى مليون برميل يومياً بحلول العام 2015، ولكن تقريراً صدر حديثاً عن وزارته وضعت مستوى الإنتاج في نهاية العام الفائت حوالي 436,000 برميل يومياً. ويتم تصدير نفط الإقليم إلى حد كبير من خلال خط أنابيب إلى ميناء جيهان التركي على البحر المتوسط، ويُشحن الباقي إلى إيران وتركيا بواسطة الشاحنات. ويُعتقَد أن النفط الكردي العراقي يتم بيعه بأسعار أقل من أسعار شركة النفط الوطنية العراقية وذلك يرجع إلى حد كبير إلى المخاطر المُرتبطة بشرائه. وعلاوة على ذلك، نظراً إلى أن خط الأنابيب يمر عبر منطقة في تركيا تشهد إشتباكات متكررة بين القوات التركية وحزب العمال الكردستاني، فإن صادرات إقليم كردستان هي تحت رحمة الأحداث الجيوسياسية الخارجة عن إرادتها. وكانت صادرات النفط حالياً توقفت لأسابيع عدة بسبب عمل تخريبي ضد خط الأنابيب، الأمر الذي شطب من مالية خزينة الإقليم فقدان نحو 200 مليون دولار في عائدات النفط. ومثل هذه الحوادث تضعف قدرة حكومة كردستان على تلبية إحتياجات موازنتها.
المؤيد الرئيسي للدفع نحو إقامة دولة هو الحزب الديموقراطي الكردي وزعيمه مسعود بارزاني، الذي يشغل أيضاً منصب رئيس الإقليم، على الرغم من الإعتراضات المستمرة من الأحزاب الكردية المتنافسة حول شرعية ولايته. ودعا الى إجراء إستفتاء، لكنه حذر من أن ذلك لن يعني الاستقلال الفوري.
في حين أن العديد قد يجد الأمر محيّراً بأن أكراد العراق سيسعون إلى الإستقلال في ظل هذه الظروف الملحة، فإن جزءاً مهماً من حسابات الحزب الديموقراطي الكردستاني يكمن في الإعتقاد بأنه لم يعد هناك مستقبل للأكراد في العراق الذي يمزقه الصراع الطائفي. فهو يقول بأن الظروف لقيام دولة كردية مستقلة لم تكن أبداً إيجابية على هذا النحو خلال القرن الماضي كما هي الآن، فيما مراكز القوى التقليدية في بغداد ودمشق تغرق في صراعات داخلية ووزن الأكراد ينمو في العراق وسوريا، الذي يرجع جزئياً إلى دورهم المركزي في مكافحة “داعش”. لكن لا تزال أنقرة وطهران تعارضان ذلك بشدة.
قد يكون الحزب الديموقراطي الكردي يستخدم الإستقلال كورقة للشرعية الداخلية، والضغط على منافسيه المحليين مثل الإتحاد الوطني الكردستاني و”حركة غوران”(حزب ضد النظام إلى حد كبير)، وإلى تأسيس نفسه كرائد للطموحات القومية الكردية، لا سيما في مواجهة حزب العمال الكردستاني، والذي شهد شعبيته ترتفع بين الاكراد في المنطقة نتيجة للنجاحات ضد تنظيم “داعش” في سوريا.
من دون دعم قوي وموثوق على الأقل من واحدة من الدول المجاورة الكبيرة، كتركيا على سبيل المثال، فإن أي دفعة من أجل الاستقلال من المرجح أن تكون نتائجها عكسية لمصالح الأكراد، وخصوصاً في المدى القصير.

محاربة “الدولة الإسلامية”

حتى الآن لم يؤدِّ الضغط الإقتصادي إلى تأثير ملحوظ في الحملة العسكرية التي تقودها حكومة إقليم كردستان ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”. بفضل الدعم الجوي والمساعدات العسكرية الغربية، فقد حاربت وقاومت قوات البشمركة الكردية بنجاح الجماعة الجهادية لمدة عامين تقريباً، على الرغم من تخلف الحكومة ثلاثة أشهر عن دفع رواتب أفرادها. مع ذلك، إذا بقيت أسعار النفط منخفضة ولم يتم توفير دعم خارجي، فقد تكون هناك عواقب وخيمة في ما يتعلق بأداء البشمركة وجها لوجه مع “داعش”. في حين بأن الفرار الجماعي غير مرجح، فقد تهبط الروح المعنوية إذا إستمر عدم دفع الرواتب.
بتكلفة سنوية تبلغ أكثر من ملياري دولار، وفقاً لمسؤولين اكراد، فإن تمويل الحرب ضد الجهاديين على خط مواجهة يبلغ طوله أكثر من 1000 كلم وضع عبئاً ثقيلاً على حكومة الإقليم. وقد ناشد الزعماء الأكراد مراراً وتكراراً الدول الغربية تقديم مساعدات مالية، مشيرين إلى صعوبة دفع رواتب قوات البشمركة التي يبلغ عدد أفرادها حوالي 150,000. بعض أعضاء مجلس الشيوخ الأميركي يحاول تقديم مساعدات مالية طارئة للأكراد، ولكن يبدو أن هذا الأمر قد تعثر بسبب إستمرار الجدل حول كيفية دعم الأكراد — مباشرة أو من خلال السلطات العراقية الإتحادية في بغداد.
كقوة برية كبيرة في مكافحة “داعش”، تحتاج قوات البشمركة إلى مساعدات مالية من الدول الغربية الداعمة — خصوصاً إذا إستمر وضع حكومة الإقليم الإقتصادي في التردي وتَدَهوَر أكثر.

العلاقات مع بغداد: صفقة أو لا صفقة

أدار الأكراد العراقيون شؤونهم بأنفسهم منذ بدء الإنتفاضة الشعبية ضد نظام صدام حسين في العام 1991. وبعد سقوط هذا النظام في 2003 وعودة إندماج الأكراد في السياسة العراقية، كانت الموازنة الإتحادية الحبل الرئيسي الذي ربط كردستان إلى بغداد. عندما أوقف نوري المالكي حصة حكومة إقليم كردستان من الموازنة كإجراء عقابي في شباط (فبراير) 2014، فإنه بذلك قد قطع همزة الوصل الرئيسية بين حكومته والأكراد.
بغض النظر عما إذا كان سيتم إعلان الاستقلال، فإن هناك أرضية مشتركة يمكن أن تقوم عليها إعادة تأسيس العلاقات بين بغداد وإربيل. إن الموقف الكردي تجاه بغداد يتشكّل من شعور عميق بعدم الثقة وتصميم الأكراد على الحفاظ على الدرجة الحالية من الحكم الذاتي، بما في ذلك السيطرة الكاملة على موارد الطاقة لديهم. إن أحدث صفقة، في سلسلة الصفقات بين بغداد وأربيل، في أواخر العام 2014 قد إنهارت في منتصف العام 2015 بسبب تبادل الإتهامات والأخرى المضادة لها- إتهمت بغداد حكومة إقليم كردستان بأنها لا تسلم 550,000 برميل يومياً التي وافقت على تسليمها، في حين إتهم الأكراد الحكومة العراقية بأنها لا توفر لهم كامل حقوقهم المالية.
إحدى المشاكل الرئيسية هي عدم وجود حوافز واضحة لكلا الجانبين للإلتزام ببنود الإتفاق. طالما إستمر إنخفاض أسعار النفط، فإن بغداد لن يكون لديها حافز كبير لأخذ نفط إقليم كردستان، ودفع مبلغ في المقابل إلى حكومته أكثر مما يساوي إنتاج النفط فيه. ومع ذلك، إذا تعافت أسعار النفط، فسيكون هناك حافز قليل لدى حكومة الإقليم لتسليم النفط الثمين إلى بغداد لأنه، كما قال عضو كردي بارز في البرلمان، إن بيع النفط فوق ال50 دولاراً للبرميل سيكون كافيا لتغطية تكاليف حكومة إقليم كردستان. إذا حققوا الإستقلال الرسمي أو لم يحققوه، فإن الأكراد سيبذلون قصارى جهدهم لإدارة شؤونهم بأنفسهم بشكل مستقل قدر الإمكان عن بغداد.

الضمانات الدولية

لكي تستطيع الحكومة الاتحادية العراقية وحكومة الإقليم الكردستاني التعاون بشكل مجدٍ مرة أخرى، فإن هناك حاجة إلى وساطة رفيعة المستوى وضمانات مكتوبة قوية من أطراف ثالثة مثل الأمم المتحدة أو الولايات المتحدة. من دون هذه الضمانات الدولية، فإن أي محاولة للتوصل إلى إتفاقات جديدة بين بغداد وأربيل ستكون قصيرة الأجل في أحسن الأحوال. ونظراً إلى إنعدام الثقة بين الحكومتين، فإن الولايات المتحدة، التي تتمتع بعلاقات قوية مع كل من بغداد وأربيل، قد تكون المحاورة الوحيدة التي يمكنها أن تسهّل التوصل إلى إتفاق مُلزم وإستخدام نفوذها لضمان إلتزام الجانبين بشروط إتفاقاتهما.
الوتقع أن التعاون بين بغداد وأربيل ضروري لهزيمة “داعش” – وهي أولوية عالية مشتركة بين الحكومة الإتحادية وحكومة الإقليم الكردي، فضلاً عن صاحبتي النفوذ الخارجي الرئيسيتين في البلاد: الولايات المتحدة وإيران. في حين كان النفط مصدراً للخلاف بين بغداد وأربيل، فإن الحرب على تنظيم “الدولة الإسلامية” يمكن إستخدامها كمنصة التي من خلالها يمكن بناء الجسور، وتستطيع واشنطن المساعدة على هذه الجبهة. ولكن كل هذا ينبغي القيام به في إطار إتفاق أوسع، مع ضمانات دولية متينة، الذي يعيد العلاقات بين حكومة الإقليم الكردي وبغداد ويضعهما على مسار إيجابي.
إن الوضع المزري المالي لحكومة أربيل، والتأثير المباشر الذي قد يترتب من جرائه في الخطوط الأمامية، إضافة إلى إستمرار عدم دفع رواتب أفراد قوات البشمركة، كلها أمور ملحة تبرر وتتطلب إستجابة أميركية و / أو إستجابة دولية سريعة. وعلى الرغم من العديد من أوجه القصور من جانب حكومة الإقليم، فقد أثبتت بأنها عنصر من عناصر الاستقرار والحرية النسبية في منطقة غالباً ما تٌعتبر أو توصف بأنها على خلاف ذلك. كما أنها كانت حليفاً ثابتاً للولايات المتحدة والغرب. كضامن رئيسي للأمن الكردي، فإن واشنطن ليست فقط لديها مصلحة أساسية في الحفاظ على حكومة إقليم كردستان، ولكن ينبغي أيضاً إستخدام نفوذها الواسع للضغط على السلطات الكردية لتنفيذ إصلاحات اقتصادية وسياسية ذات مغزى قبل أن يصبح الوقت متأخراً جداً.

• محمد عبد الله صالح صحافي من إقليم كردستان العراق

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى