الصراع في اليمن يغيّر مساره

مع الحديث عن عودة المفاوضات اليمنية بين الحكومة “الشرعية” والميليشيات الحوثية والقوات التابعة للرئيس السابق علي عبد الله صالح، بعدما أجرت السعودية أخيراً محادثات مفيدة مع الحوثيين في الرياض، يأمل المراقبون بأن تكون المفاوضات المقبلة أفضل من سابقاتها وقد تحمل الحل إلى اليمن.

زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي: نستطيع الصمود طويلاً
زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي: نستطيع الصمود طويلاً

صنعاء – هشام العنزي

قبل أيام فقط من الذكرى السنوية الأولى ل”عاصفة الحزم” التي قادتها المملكة العربية السعودية في اليمن في 26 آذار (مارس) الفائت، أعلن مبعوث الأمم المتحدة الخاص، إسماعيل ولد الشيخ أحمد، وقفاً لإطلاق النار يبدأ في 10 نيسان (إبريل) الجاري، تليه الجولة الثالثة من المحادثات بين الفصائل اليمنية المتصارعة بعد ثمانية أيام، في 18 من الشهر عينه. وتبدو هذه المحادثات أن لديها فرصة أفضل للنجاح من المحاولات السابقة. لقد أصرّ تحالف الحوثيين – صالح منذ فترة طويلة على أن وقفاً كاملاً ونهائياً لوقف إطلاق النار ينبغي أن يتقدم أي محادثات. وفي محاولات المفاوضات السابقة، أفشل عدم نجاح وقف إطلاق النار الإجتماعات قبل أن تبدأ. لكن هذه المرة، فقد أدت المحادثات المباشرة بين الحوثيين والسعوديين على مدى الأسابيع الماضية ليس فقط إلى نوع من التطبيع بل إلى: فرق عسكرية مشتركة لإزالة الألغام، وفتح الحدود لعبور محدود من الأشخاص والبضائع، وبشكل ملحوظ، أرسل السعوديون في وقت سابق من الشهر الفائت شحنة كبيرة من إمدادات الإغاثة إلى صعدة، مركز الحوثيين. وفي ما يمكن أن يكون جزءاً من الصفقة، طالب زعيمٌ للحوثيين في بيان في وقت لاحق الإيرانيين بعدم التدخل في الشؤون اليمنية. في حين أن هذا التحوّل المفاجئ للأحداث في صعدة هو موضع ترحيب بالتأكيد، فإنه يثير أسئلة أكثر من أجوبة حول مستقبل اليمن.

نهاية تحالف الحوثيين – صالح؟

الواقع أن السؤال الأكثر إلحاحاً الذي أثاره وقف إطلاق النار هو عن دور الرئيس السابق علي عبد الله صالح وتحالفه مع الحوثيين. إن وقف إطلاق النار غير الرسمي هو بين الحوثيين والسعوديين، ولكن فقط على طول الحدود. لا تزال هناك معارك ضارية مستعرة كثيراً في بقية اليمن، والتحالف السعودي لا يزال يشارك في الضربات الجوية ضد قوات صالح والحوثيين في تعز وعمران وصنعاء والجوف. لقد إرتدت المحادثات بين الحوثيين والسعوديين أيضاً طابعاً سرياً، لذا لم تظهر سوى تفاصيل قليلة من الأحاديث التي جرت أو حتى ما إذا كان هناك دور لصالح في المحادثات. ولكن يبدو من المؤكد، حسب الخبراء، أن الحوثيين قد عقدوا صفقة جانبية.
في 26 آذار (مارس) الفائت، بدا صالح كأنه يرد على هذه التكهنات. فقد نظم أنصاره تظاهرات كبيرة في ميدان السبعين في صنعاء، قرب القصر الرئاسي، حيث ألقى الرئيس اليمني السابق كلمة قصيرة، دعا فيها إلى حوار مباشر مع المملكة العربية السعودية، وذلك في أول خطاب جماهيري له، بعد مرور عام على إنطلاق عملية “عاصفة الحزم” التي قادتها الرياض ضد قوات صالح ومسلحي الحوثيين من أجل إعادة الشرعية في اليمن. قال صالح: “ندعو إلى حوار مباشر مع النظام السعودي الذي يشن عدوانه على اليمن، مع حظر الأسلحة عليه”.
لقد سجّل الحدث المرة الأولى التي ينظّم فيها صالح مظاهرة مُنفصلة عن حلفائه الحوثيين، وإتفق المراقبون على أنه أظهر قوته السياسية الدائمة لكل من حلفائه، الحوثيين، وأعدائه في التحالف السعودي. إلى حد كبير، رافقت مظاهرته الضخمة قوة كبيرة من وحدات الحرس الجمهوري، أهم قوات عسكرية لدى صالح. كما نظّم الحوثييون أيضاً مظاهرة منفصلة في الجزء الشمالي من المدينة في المساء، كاشفة بشكل واضح بعض الإنقسام بين الحلفاء، على الرغم من أن المؤيدين الرئيسيين لكلا الجانبين عملوا على تهدئة التوتر بين المعسكرين.

من الذي يكسب الحرب؟

والحقيقة أن المجهول في هذا الصراع هو التوازن الحقيقي بين القوات العسكرية في اليمن. يقول أنصار الرئيس عبد ربه منصور هادي والتحالف السعودي أن قوات الحوثيين وصالح قريبة من الهزيمة. والقوات اليمنية “الشرعية” في الصحراء الشرقية تقترب ببطء من صنعاء، وقوات الحوثيين وصالح لم تشهد تقدماً ملحوظاً، بل عرفت تراجعاً بطيئاً، منذ أن بدأت الحملة السعودية. لكن كثيرين آخرين، بينهم زعيم الحوثيين عبد الملك الحوثي، يقولون ان قوات صالح والحوثيين مستعدة جيداً لحرب طويلة في أراضيها الجبلية ووسط جماهيرها ضد تحالف من القوات اليمنية السيئة الإستعداد والمُنقسمة والمعقودة اللواء لقيادة هادي غير الكفؤ، وأن السعوديين أصيبوا بخسائر فادحة على طول الحدود.
ويبدو أن المعركة في تعز في الجزء الجنوبي من المرتفعات الغربية لليمن هي تأكيد على إستمرار القوة لدى قوات الحوثيين وصالح والإقتتال الداخلي في إئتلاف هادي. قبل أسابيع قليلة، إستطاع مقاتلو المقاومة والوحدات العسكرية الموالية لهادي أخيراً فك الحصار الطويل، وفتح الطريق من الجنوب الغربي إلى تعز، والسماح بوصول الإمدادات إلى المدينة، ولكن القوات الموالية لصالح والحوثيين تصدت في أواخر الشهر الفائت، وأعادت فرض الحصار. وقالت مصادر، تُعتبر مطلعة عادة، بأن الحرس الجمهوري المُدجّج بالسلاح بقيادة أحمد علي عبد الله صالح رجّح كفة التوازن العسكري مرة أخرى لصالح قوات الحوثيين – صالح.

الإقتتال داخل إئتلاف هادي

إن عدم قدرة القوات الموالية لهادي على تأمين السيطرة على تعز، منذ أن سيطرت على عدن قبل ثمانية أشهر تقريباً، قد يكون أيضاً نتيجة للنزاعات في فصيل هادي. فغالباً ما إشتكى مقاتلو المقاومة المؤيدين للشرعية في تعز من عدم وجود دعم من قوات التحالف. وفي الواقع، إن التركيز في الحملة البرية المدعومة من السعودية منصبٌّ على صنعاء، وليس تعز. لقد درّب السعوديون والإماراتيون وجهّزوا جيشاً كبيراً في الصحراء الشرقية تحت قيادة محمد المقدسي وهاشم الأحمر وعلي محسن الأحمر التابعين للتجمع اليمني للإصلاح. ويرى الجنوبيون أن هؤلاء القادة هم معادون للتطلعات الجنوبية من أجل الإستقلال أو لإعطائهم أي سلطة سياسية حقيقية، وأنهم لا يريدون أن يروا النجاح العسكري الجنوبي في تعز. وقارن الجنوبيون المجموعة الواسعة من الدبابات المنتشرة في الصحراء الشرقية للهجوم على صنعاء بالأسلحة التافهة المتاحة لهؤلاء الذين يقاتلون في تعز.
ظهرت السياسات المُقسّمة لإئتلاف هادي أيضاً في بيان على شريط فيديو من الرئيس الجنوبي السابق، علي سالم البيض، في ذكرى الحملة السعودية. لقد أشاد البيض بعمليتي “عاصفة الحزم” و”إستعادة الأمل” التي تقودهما السعودية، معتبراً أنهما تمثّلان تأكيداً تاريخياً على قوة الأمة العربية في تحديد مصيرها. وكان البيض معدوداً أو مصنفاً لفترة طويلة مع الإيرانيين، الذين أيّدوه في بيروت قبل أن يحوِّل ولاءه (مرة أخرى) في العام 2015 لدعم السعوديين. إن الزعيم الجنوبي، بالتالي، يبدو مُجبراً على القول في رسالته ان دعمه للسعوديين لم يكن إنتهازياً، لكنه قرار مدروس في مصلحة القضية الجنوبية. وحذر البيض من الخطر المتنامي لتنظيمي “القاعدة” و”داعش” في الجنوب، وهو تهديد كان “مطبوخاً” في صنعاء، ومن خطر القوات الشمالية في الوحدات العسكرية اليمنية في حضرموت. وجادل أيضاً بأن مبادرة التعاون الخليجي ومجلس الحوار الوطني قد فشلت لأن الوحدة اليمنية كانت فاشلة. إذا أُريدَ للمفاوضات أن تتوصّل إلى تسوية سياسية بنجاح وإذا أُريدَ للهموم الأمنية الخليجية أن تهدأ، لا بدّ من الإعتراف بالتطلعات الجنوبية من أجل الاستقلال عن الشمال، قال.

تركيز جديد على تنظيمي “القاعدة” و”داعش”؟

إن قلق البيض بالنسبة إلى تهديد تنظيم “القاعدة” قد يكون أيضاً مُشترَكاً مع التحالف السعودي. إن قوات هادي لا يمكنها حتى تأمين عاصمتها المؤقتة عدن. كانت سلسلة من تفجيرات السيارات الملغومة المُنَسّقة، التي إدّعى “داعش” المسؤولية عنها، تسبّبت بمقتل عدد كبير من الجنود والمدنيين عند نقاط التفتيش خارج مقر التحالف في بوريقة، خارج عدن، في 25 آذار (مارس) الفائت. وفي اليوم نفسه، هاجمت طائرات الأباتشي السعودية منزل القادة المزعومين لتنظيم “القاعدة” في حي الدباء في مدينة الحوطة في محافظة لحج، مباشرة الى الشمال من عدن. إن وقف إطلاق النار غير الرسمي في صعدة تزامن مع هجوم جديد من قبل قوات التحالف الذي تقوده السعودية ضد تنظيم “القاعدة” في الجنوب. وقد أصابت هذه الضربات الجوية مواقع تابعة لتنظيم “القاعدة” في عدن وأبين ولحج.
كما هاجمت الولايات المتحدة معسكراً للتدريب في المكلا، مما أسفر عن مقتل عدد كبير من المجندين الشباب الجدد. وكانت القوات الأميركية سابقاً تستهدف القادة فقط، ولكن الهجوم على المكلا أشار إلى هجوم جديد على البنية التحتية والمقاتلين لتنظيم “القاعدة”. وفي ما قد يشير إلى بداية هجوم أعمّ ضد هذا التنظيم الإرهابي، هاجم الأميركيون في 26 آذار (مارس) معسكر تدريب آخر في أبين، وفي 28 آذار (مارس)، أصابت طائراتهم منشآت أمنية تابعة لتنظيم القاعدة في زنجبار، عاصمة محافظة أبين. والمعلوم بأنه خلال الحملة الجوية السعودية، لم يُهاجَم تنظيم “القاعدة”، وإدّعى القادة السعوديون أن “القاعدة” سيتم التعامل معه في وقت لاحق عندما تكون هناك حكومة شرعية في صنعاء. ولكن توسّع هذا التنظيم الإرهابي وعدم قدرة حكومة هادي على تعزيز السيطرة أو حتى التماسك السياسي في أي مكان في الجنوب يبدو أنه قد قاد السعوديين إلى إعادة النظر في بعض مواقفهم.

الرئيس هادي قد يخسر

إذا كان ما يقوله البيض يفتقد إلى حد ما المصداقية، فإن الرئيس عبد ربه منصور هادي قد إستطاع التفوق عليه بكلام أقل مصداقية بكل المقاييس: “بعد سنة واحدة على عملية القوة المتعددة الجنسيات، فإن اليمن الآن بات أكثر أماناً”. علماً أن المخاوف الأمنية قد جعلت هادي لاجئاً في الرياض، وفي المناسبات النادرة التي يزور فيها اليمن، يبقى سجيناً في قصره الذي يخضع لحراسة مشددة في حي المعاشيق في عدن. وبسبب المخاوف الأمنية أيضاً، يبدو أن السعوديين والإماراتيين خلصوا إلى نتيجة أن التركيز يحتاج إلى التحوّل من الحرب ضد الحوثيين وصالح إلى الحرب ضد “داعش” و”القاعدة”. وقد يكون هادي هو الخاسر الأكبر في المحادثات. الواقع أن السعوديين يتمسّكون به لأنه يمثل خيطاً رفيعاً من الشرعية السياسية، ولكن اذا كانت المحادثات بين السعوديين والأطراف الأخرى في اليمن هي الأساس لوقف إطلاق النار، فلن تكون هناك حاجة إلى هذا الخيط الرفيع. على أقل تقدير، سوف يصبح هادي رئيساً رمزياً للدولة لفترة قصيرة الأجل في حين أن الناس خارج حكومته يُحدّدون مُستقبل اليمن.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى