الأمم المتحدة: 30 في المئة من اللبنانيين فقراء و8 في المئة مُعدَمون

تُعتبر ظاهرة الفقر إحدى أهم المشكلات التي يعاني منها لبنان منذ إنتهاء الحرب الاهلية، لا سيما في إنعكاس آثارها على كافة الصعد الإقتصادية والإجتماعية والسياسية.
ويرتبط تعميق هذه الظاهرة في بلاد الارز أو الحد منها بالخيارات الإقتصادية والإجتماعية التي تعتمدها السلطات اللبنانية لمواجهتها وأبرزها توزيع الدخل والإنفاق. وكل الوقائع والمعطيات تشير إلى أن اللبنانيين يزدادون فقرا وأن الطبقة الوسطى – والتي تُعتبر صمّام الأمان للمجتمع – تتساقط تدريجاً وسط ضخامة الأخطار المتأتية من غياب شبكات الحماية والأمان الإجتماعية.
وترى مصادر أمنية لبنانية أن السبب الاساسي وراء دخول السجين إلى السجن – للمرة الأولى- هو الفقر وعدم إيجاد عمل بسبب نسبة البطالة العالية، والافتقار الى سياسات واضحة لمكافحتها، معتبرة أن الفقر جرّ عدداً كبيراً من الشباب اللبناني نحو التطرف والسرقة والقتل والتفجير لتقاضي مبالغ مالية للعيش منها. وحتى بعد خروجه من السجن يجد المرء نفسه مفلساً ويضطر الى اللجوء الى المجموعات الارهابية وإلى الإخلال بالأمن وتهريب السيارات المفخخة وتفخيخ بعضها.
ولا تتوقف المخاطر هنا حيث شهد لبنان في السنوات الاخيرة إنخفاض مستوى الرعاية الصحية وإنتشار الامراض ما يرفع من معدلات الوفيات وظهور الامية والمشكلات الاجتماعية كالتفكك الاسري.
ويبقى السؤال هل تسقط الاكثرية الساحقة من اللبنانيين تحت عتبة الفقر وهل يزداد عدد اللبنانيين تحت خط الفقر لتصبح المعاناة أكثر خطورة ؟

أحد الانفجارات التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت
أحد الانفجارات التي طالت الضاحية الجنوبية لبيروت

بيروت – مازن مجوز

يتساءل المواطن أحياناً عن الدوافع الحقيقية لإقدام بعض الشباب اللبناني تارة، والسوري ( النازح )، أو الفلسطيني اللاجىء تارة أخرى، على تنفيذ عملية إنتحارية من خلال حزام ناسف أو من طريق تفجير سيارات ملغومة والتسبب بمقتل وجرح العشرات من المواطنين الأبرياء .
وفي محاولة لإيجاد تفسير للأسباب الكامنة وراء هذه العمليات التي شهدها لبنان نجد من يقول: “أن هؤلاء تعرضوا لعملية غسل دماغ على يد المجموعات الارهابية التي باتت موجودة داخل الاراضي اللبنانية وعلى حدودها “، لكن ما هو مؤكد أن معظم من يقف وراءها هم من الطبقة الفقيرة، في وقت لا يختلف إثنان على أن ليس هناك من دين أو مذهب أو طائفة تشرّع أو تبارك مثل هذه العمليات الإرهابية …. غير الإنسانية على الاطلاق .
وعلى الرغم مما شهده بلد الارز من حروب طويلة ومدمّرة، فإن حالات التطرف الديني لم تجد يوماً بيئة حاضنة لها في لبنان. إلا أن الوضع المُزري في بعض المناطق السكنية والذي يقف وراءه الفقر والحرمان بالدرجة الاولى، بدءاً بالمخيمات الفلسطينية، وتحديداً مخيم عين الحلوة، والذي يفتقر الى الحد الادنى لمتطلبات الحياة، وبالتالي أصبح موطىء قدم لكل من يستغل هذا الوضع لجره الى مواقع يدخل فيه أبناء المخيم في تيارات تكفيرية متزمتة تقف وراء هذه الأعمال الإرهابية .
وفي تموز (يوليو) 2015 حذّر صندوق النقد الدولي لبنان من المخاطر المُحدقة بإقتصاده ونسيجه الإجتماعي، وإستدامته المالية ودينه العام، في حال إستمرت أوضاعه على ما هي عليه، لافتاً إلى ضرورة إتخاذ السلطات المختصة خطوات تشريعية وتنفيذية مهمة لدرء الأخطار المستقبلية.
فالقطاعات المتّسمة بالنمو تلقت – بحسب الصندوق- ضربات قاسية، في وقت تزداد معدلات الفقر والبطالة، وتتعرض الإستدامة المالية لخطر محدق. كما وأن المشكلات الإقتصادية في لبنان راكمتها تحديات أمنية هائلة. حيث أن البلد يستضيف أكثر من مليون ونصف مليون لاجئ سوري، ويواجه مخاطر أمنية متزايدة من البيئة الإقليمية المتصاعدة التوتر؛ ليستنتج أن ” الاستقرار الماكرو إقتصادي والإزدهار المشترك سيبدو على نحو متزايد أمراً ضرورياً جداً لتثبيت الأمن الطويل الأمد، ونزع فتيل التوترات الإجتماعية التي تلوح في الأفق”.
ومن المعروف أن لبنان يعيش منذ سنوات عدة ركوداً على المستويات كافة ولم تعد كلمة “فقر” غريبة في القاموس اللبناني، بعد أن تفاقمت المشاكل على المستويات كافة وخصوصاً الاجتماعية والمعيشية .
وتظهر دراسة جامعية أن 28.54 في المئة من السكان في لبنان يعيشون تحت خط الفقر الوطني، وان هناك “فئات ضعيفة” إضافية يقدّر عددها بحوالي مليون نسمة، لا يحمل عدد كبير منها الجنسية اللبنانية، وتشكّل 20 في المئة من إجمالي السكان.
وما يزيد الواقع السوداوي سوءاً هو أنّ معظم الفقراء يعملون في القطاع غير النظامي وغالباً ما تكون سبل عيشهم غير مضمونة أو غير مستقرّة.
وإزدادت نسبة الفقر مع بروز ظاهرة النزوح السوري الى لبنان، حيث يفيد تقرير حديث للبنك الدولي، عن إنتقال 170 الف لبناني من الطبقة الوسطى الى الطبقة الفقيرة ليتساوى لبنان بنسبة فقره مع الفليبين ودول افريقيا الوسطى. محذراً من تفاقم الأزمة المعيشية في لبنان..
وحول العدوانية الإجتماعية يوضح الخبير الاقتصادي دكتور غازي وزني أن “الفقر والعوز يسببان أزمات إجتماعية وأمنية وسياسية في البلد. فمن يعاني من حالة إجتماعية سيئة لا يستطيع الزواج ولا يستطيع تأسيس عائلة وبالتالي لا يساهم في تطوير المجتمع. وفي الوقت عينه وضعه المادي سيىء ، فنراه يتوجه بالتأكيد إلى الادمان والسرقة والنهب والقتل والخطف والارهاب الذي يضرب الاستقرار الامني في البلد. ما ينعكس سلباً أيضاً على الوضعين الإقتصادي والسياسي في البلد، عوامل تكشف الوجه الآخر لعدم الإستقرار الإجتماعي”.
ويساهم في إنتشار الفقر غياب أي نوع من الأمان الاجتماعي لمساعدة الفقراء على مواجهة الصدمات والحالات الطارئة. كما أن معظم هؤلاء يعملون في قطاع غير نظامي وسبل عيشهم غير مضمونة أو غير مستقرة. ويحرمهم ذلك الاستفادة من الضمان الاجتماعي.
واللافت أن الفقراء في لبنان ينتمون بأكثريتهم إلى مجتمعات مُهمّشة، وهم معزولون إما جغرافياً في مناطق نائية في لبنان، أو إجتماعيا في جيوب ضمن المناطق. وهذا ما أبقاهم ضعفاء لا صوت مؤثر لهم في السابق. أما المناطق التي تحتضن فقراء لبنان فهي: منطقة عكار ومرجعيون وبنت جبيل والبقاع وحتى في بيروت مثل الضاحية الجنوبية والحي الغربي وكرم الزيتون في الاشرفية وفي طرابلس مثل حي التنك.
ويبدو أن لبنان بات قريباً اليوم أكثر من أي وقت مضى من المشكلات المترتبة على الأبعاد الثلاثة (السياسية – الاقتصادية – الاجتماعية) الخاصة بالفقر وهي:
– تدني مستويات الدخل : وفي ذلك يقول الخبير الإقتصادي رازي الحاج: “ليست هناك أرقام دقيقة تتعلق بدخل الفرد، ونحن بحاجة إلى مراقبة النسب التي تدنت إليها القيمة الشرائية كما والتضخم الحاصل”، مقدّراً تدني الحد الأدنى لمتوسطي الدخل بحدود الـ40%، متوقعاً أنه لن يكون هناك في عامي 2015 و 2016 نمو عال بل سيستمر كما هو كما كان في السنتين السابقتين ولن يتجاوز في أحسن حدوده الـ2%.
– إنتشار البطالة : وفي ذلك يشير وزير العمل سجعان قزي الى أنها وصلت إلى 25% ومنهم 36% من الشباب، سائلا “لبنان الى اين؟”.
– إنخفاض مستوى المهارة وظهور الأمية (الجهل) حيث بلغت نسبة الامية 16% عند النساء (فئة 10 سنوات) مقابل 7.2 %عند الرجال. وقد أقر لبنان نسبة التعليم الاساسي حتى عمر 12 سنة، ولكنه لم يتمكن من تنفيذه.
– إنتشار الجرائم مثل القتل والسرقات والإختلاس الناتج من إنخفاض الدخل ومستوى المعيشة، والرغبة في الثراء أو الحصول على المال لسد إحتياجات الأسرة، حيث يؤكد وزير الاقتصاد آلان حكيم في 9 أيلول (سبتمبر) 2015 أن النزوح السوري أدى إلى “ارتفاع نسبة الجرائم 38 % وإلى زيادة الإرهاب”.
– ظهور وإنتشار الأمراض وإنخفاض مستوى الرعاية الصحية الأمر الذي يؤدي إلى إرتفاع معدلات الوفيات.
– نقص وسوء التغذية والتي تؤدي لانتشار الأمراض.
– تدني مستوى الإسكان.
– ظهور المشكلات الاجتماعية : إن ظهور المشكلات الاجتماعية كالتفكك الأسري الناتج من عدم قدرة رب الأسرة على تحمل المسؤولية لباقي أفراد الأسرة، والتي تؤدي إلى اللجوء إلى نزول الأطفال إلى مجال العمل وترك الدراسة لمساعدة سد إحتياجات الأسرة من مأكل وملبس.
وإنتقالاً إلى الحركات الشعبية التي شهدها لبنان إعتراضاً على السياسات الحكومية لا سيما المعيشية حيث تسأل حملة “بدنا نحاسب” في إحداها: ” من المسؤول عن تدمير بنية المجتمع وتعميق الفوارق الطبقية بين حفنة قليلة من الأثرياء وبين عامة الشعب الذي يعاني من الفقر والحرمان؟”. وعلى ذلك يعلق وزني: “للاسف الطبقة الحاكمة في لبنان والمسيطرة على الحكم والسياسات التي تنتهجها منذ سنوات طويلة تجعل من دور الحركات الشعبية التي شهدناها ولا نزال غير فعال، بل ضعيف جداً، حيث تعيش على وعود السلطة والقوى السياسيىة الموجودة من دون أن تحقق شيئاً من مطالبها”.
ويضيف أنه من الصعب جداً أن يحصل أي تطور نوعي في هذا الجانب طالما أن النموذج الاقتصادي لم يتحول إلى إقتصاد السوق الاجتماعية، على غرار ما هو معتمد في المجتمعات الاوروبية، واذا لم نصل الى هذا التصور سنبقى نتخبط بأزمة بطالة تزداد سنة بعد سنة، وبنسبة فقر تزداد أكثر وأكثر.
وعلى صعيد متصل بمشكلة الفقر لا يبالغ وزير الشؤون الاجتماعية اللبناني رشيد درباس، حين يصف النزوح السوري بأنه “اخطر ما واجه لبنان في تاريخه”. لكن السؤال الابرز هو ماذا فعلت السلطة الدولة كل تلك السنوات قبل ان تطرأ قضية اللاجئين السوريين على لبنان؟
في هذا السياق تكشف دراسة أعدها المركز اللبناني للدراسات أن أكثر من مليون ونصف المليون لبناني يعيشون تحت خط الفقر المطلق ونحو مئتين وخمسين الفاً تحت خط الفقر المُدقع. ويؤكد تقرير التنمية البشرية للعام 2015 الصادر عن الأمم المتحدة أن 30 في المئة من اللبنانيين فقراء و8 في المئة معدمون. واللافت انه لا توجد في لبنان سياسة خاصة بمكافحة الفقر او سياسة اجتماعية عامة تتضمن خططاً للحد من الفقر، بينما تقتصر مقاربة الحكومة على اعتبار علاج المشاكل الاجتماعية نتاجاً فرعياً. وتعطي سياسة الحكومة الاولوية للقضايا الاقتصادية على القضايا الاجتماعية.
بدوره لا ينفي مدير الابحاث الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل إنتشار ظاهرة الفقر والبطالة في لبنان ” لكن لا توجد أرقام رسمية، أو دورية أو سنوية عنه، فالخسائر جراء تباطؤ النمو والبالغة 24 مليار دولار نتيجة الفارق بين حجم الاقتصاد اللبناني ( 51 مليار دولار ) وبين ما يجب ان يكون عليه ( 75 مليار دولار )، خلال السنوات ال5 الماضية تسببت بخسارة فرص عمل الأمر الذي أثر على دخل الاسر والافراد، وعلى نسب البطالة وبالتالي على إرتفاع نسب الفقر” .
ويشدد على أن الارقام المتداولة حول نسب الفقر في لبنان ليست دقيقة، فقسم منها ذات أبعاد سياسية، وقسم آخر هو للتهويل فقط، فيما الكلام عن تفكك أسري نتيجة الفقر كلام غير مقبول.
ويعلق على من يعزو إرتفاع نسبة الجرائم في لبنان على أنواعها إلى الفقر والبطالة “لا أؤيد هذا الكلام لأن السبب هو الإستباحة الحاصلة للساحة الامنية ويجب على القوى الامنية كافة الضرب بيد من حديد، وأن لا تساوم على كل مجرم سارق وقاتل، والذين يستغلون الوضع للقيام بأعمالهم المشينة هذه لتهيد السلم الاهلي وإستقرار الناس”.
أما بالنسبة إلى الأرقام المتعلقة بعمالة الاطفال نتيجة التسرب المدرسي فيرى أنها إرتجالية ومبالغ بها.
وفي الواقع أن النتائج السلبية للفقر لا تمنع من إقامة برامج والتركيز على خلق فرص عمل في الاقتصاد اللبناني وهذا الحل برأيي، وليس برامج الدولة لأنها تفتقر إلى الأموال ولا تعرف كيف تجذب الاموال والمشاريع، وفق غبريل.
وبالعودة الى وزني نجده يؤكد على أن الفقر في لبنان وفي أحدث الارقام لعام 2016 أصبح يمثل 32% من الشعب اللبناني. إذ إرتفعت الفجوة بين الطبقة الغنية والطبقة الفقيرة حيث زادت الاولى غنى والثانية فقراً.
ويتوقف وزني عند موضوع الهجرة التي يقول عنها بأنها “مرتبطة بموضوع الفقر وبفرص العمل الموجودة، وبالتوقعات المستقبلية للبلد، ولأن كل هذه الامور سلبية، ولأن المواطن لا يتأمل أي فرصة عمل في المستقبل ولا في أي تحسن في الوضع السياسي والامني والاقتصادي في البلد ، فإنه يفضل الهجرة بحثاً عن فرص عمل وعن حياة أفضل”.
ويضاف إلى ذلك – بحسب وزني- وجود النزوح السوري الذي حمل معه تداعيات إقتصادية كبيرة جداً وإجتماعية ومالية كبيرة جداً على لبنان، حيث “فاقم أزماتنا التي كنا نعاني منها أصلاً، وبسبب صعوبة الحصول على الهجرة الشرعية وإرتفاع تكلفتها، أصبحت الهجرة غير الشرعية الطريق الاسرع والأوفر أمام اللبنانيين والنازحين السوريين، لكن تكاليفها – وللأسف – كبيرة جداً حيث نجد الكثير منهم يدفعون حياتهم وحياة أطفالهم وعائلاتهم ثمناً لمغامرتهم في البحار، وهنا تقع المسؤولية على الدولة في إتخاذ إجراءات تحدّ من هذه الهجرة والتي يقف وراءها بطبيعة الحال الفقر والعوز”.
وتعليقاً على ما يقوله البابا فرنسيس إن التجربة برهنت ان العنف والارهاب عوامل تتغذى على الخوف وإنعدام الثقة واليأس الناشىء من الفقر والاحباط يجيب غبريل: “ما يقوله الحبر الاعظم صحيح 100 في المئة، لكن ليست للاحباط والارهاب علاقة مباشرة بالفقر، بل بتداعيات الوضع السياسي وإهمال الطبقة السياسية للشؤون الاقتصادية والإجتماعية والمالية”.
وفي الختام يبدو أن حالة قسم كبير من اللبنانيين باتت صعبة، حيث تشير إحصاءات مؤكدة إلى أنه يعيش ما يقارب 350 الف مواطن، بأقل من دولارين في اليوم ما يعني أن هؤلاء لا يستطيعون تأمين حاجاتهم الاساسية، كما أن إرتفاع أسعار المواصلات والمدارس والتعليم، يضغط بقوة على اللبنانيين، في ظل الأجور القائمة وإستمرار إنخفاض القدرة الشرائية. ولا شك في أن المرحلة المقبلة قد تحمل المزيد من الكوارث، حيث المجاعة على الأبواب، وربما يبقى سبيل الهجرة هو الحل لدى الكثير من اللبنانيين للسنوات المقبلة .

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى