قطر: نهج إقليمي جديد

الدوحة – محمد شعبان

يمثل التعديل الوزاري الأخير في قطر أحدث خطوة في الإمارة الصغيرة للإبتعاد عن أنشطتها الإقليمية الرفيعة المستوى والمليئة بالضوضاء التي إتبعها الأمير السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني، والتحوّل إلى دور أكثر سرية في ظل حكم نجله والأمير الحالي، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني.
التعديل تطرق إلى حقيبتي الخارجية والدفاع، فضلاً عن مناصب وزارية أخرى. وكانت الوزارات السيادية الوحيدة التي لم تمس الطاقة والمالية. ويأتي هذا التعديل في مرحلة حرجة فيما أسعار النفط تعرف هبوطاً لم تعرفه منذ 13 عاماً والإمارة لا تزال متورطة في مستنقعات إقليمية، بما في ذلك اليمن وسوريا وليبيا.
على النقيض من نهج والده في الشؤون الخارجية، فقد إتبع الشيخ تميم نهجاً أقل بروزاً لدولة قطر على الساحة الدولية، وإنحازت الدوحة إلى المواقف السعودية، وخصوصاً في سوريا واليمن ولبنان. لقد وجدت قطر نفسها في وضع إقليمي غير مريح عندما صعد الشيخ تميم الى العرش في حزيران (يونيو) 2013، مع الكثيرين في المنطقة يتهمون الإمارة الغنية بالغاز بالتجاوز والتدخل في شؤون الدول العربية الأخرى. إن سياسة الدوحة الخارجية المؤيدة لجماعة “الإخوان المسلمين”والداعمة للحركات الثورية إشتبكت مع أهداف إستراتيجية أخرى لدول الخليج العربي.
بالإضافة إلى ذلك، إن دعم قطر للجماعات الإسلامية السنية في المنطقة تحت حكم حمد بن خليفة أغضب ليس فقط أعضاء مجلس التعاون الخليجي، ولكن في بعض الأحيان أيضاً غيرها من الدول القوية في الشرق الأوسط مثل مصر وإيران، بالإضافة إلى الولايات المتحدة. بعد ظهور فراغ في السلطة في جميع أنحاء منطقة الشرق الأوسط في العام 2011، سعى الشيخ حمد بن خليفة إلى بسط نفوذ الدوحة عبر الفصائل الاسلامية في مصر وليبيا وسوريا وتونس، مع تعزيز كبير لشراكة قطر مع تركيا. هذه العلاقات، مع ذلك، أثارت التوتر في علاقة الدوحة مع المسؤولين السعوديين والإماراتيين الذين يعتبرون العديد من هذه الجماعات من الأخطار التي تهدد أمن دول مجلس التعاون الخليجي.
من جهته أعطى الشيخ تميم الأولوية لإصلاح العلاقات القطرية مع حلفاء الدوحة التقليديين في مجلس التعاون الخليجي في وقت مبكر من ولايته. ولتحقيق هذا الهدف، فقد طرد قيادات “الإخوان المسلمين” من الإمارة، وقبل على مضض شرعية نظام عبد الفتاح السيسي المدعوم من الجيش المصري، وسار وراء القيادة السعودية لإختيار أيّ من الفصائل ينبغي دعمها في سوريا. إلى حد كبير بسبب جهود الأمير، بحلول تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، أعادت كل من الرياض وأبو ظبي والمنامة سفراءها إلى الدوحة بعدما إستدعتهم قبل ثمانية أشهر.
من ناحة أخرى، ساهم صعود الملك سلمان إلى العرش في المملكة العربية السعودية أيضاً إلى تحسن العلاقات بين الدوحة والرياض فيما خفف العاهل السعودي الجديد لهجة المملكة تجاه جماعة “الإخوان المسلمين”. وقد بلغ تخفيف العداء السعودي تجاه الحركة لحظة تاريخية في تشرين الأول (أكتوبر) الماضي عندما الشيخ يوسف القرضاوي، رجل الدين المصري المقيم في الدوحة، ويعتبره كثيرون على أنه مرشد جماعة “الإخوان المسلمين” الروحي، الذي أثار غضب المسؤولين السعوديين بخطبه الملتهبة لسنوات، ظهر إلى جانب عبد الله بن عبد العزيز العيفان، سفير الرياض لدى الدوحة، في حفل اليوم الوطني السعودي في قطر.
على عكس المملكة العربية السعودية، مع ذلك، لم تغير الإمارات العربية المتحدة نهجها تجاه جماعة “الإخوان المسلمين” أو الجماعات الإسلامية الأخرى، الأمر الذي ترك علاقاتها مع قطر مبهمة نوعاً ما. وقد أدى تضارب الآراء بين الإمارات وقطر حول الجماعات الإسلامية إلى توتر بين الدولتين الثريتين الخليجيتين، والذي يتجلى في الصراع الدائر في ليبيا حيث الدوحة لا تزال تدعم، وإن كان أقل كثافة، معسكر الإسلاميين، وأبو ظبي تدعم حلفاءها المعادين للاسلاميين. ومع ذلك، فإن سياسة قطر صارت أخيراً أكثر وضوحاً مما كانت عليه في اليمن، حيث شاركت قواتها بدعم مهمات السعودية والإمارات ضد حركة تمرد الحوثيين والموالين لعلي عبد الله صالح.
وزير الدولة لشؤون الدفاع الحالي، خالد العطية، قاد بصفته وزيراً للخارجية الجهود المبذولة لإصلاح علاقة الدوحة مع الرياض ونسق بشكل مكثف مع السعوديين في السياسة السورية. كوزير دولة لشؤون الدفاع، من المتوقع ان يحافظ على النهج التوافقي نفسه. خارج سوريا، إكتسب العطية خبرة بينما كان يتوسط بين الحكومة اليمنية والمتمردين الحوثيين سابقاً في العام 2007. إن إنتقاله من الشؤون الخارجية إلى وزارة الدفاع هو برهان على إعتبار القيادة القطرية الملف اليمني مسألة إستراتيجية، وليست ديبلوماسية.
من الجدير بالذكر أن الوزراء الثلاثة الذين عينهم الشيخ تميم أخيراً هم دون سن 45. بنقل الأدوار القيادية من جيل الثمانينات من العمر إلى واحد شاب إستثنائي حسب المعايير العالمية، فإن قطر تتبع الاتجاه الأوسع في دول مجلس التعاون الخليجي. مثل أي تحول رئيسي، فإن هذا التغيير في الأجيال واجه صعوبات. على سبيل المثال، خلال أول عامين ونصف قضاها في سدة الحكم، كان على الشيخ تميم (35 عاماً) كسب الشرعية التي كانت تُنسَب إلى أبيه، وخصوصاً في مجال العلاقات الدولية.
وزير الخارجية الجديد، الشيخ محمد بن عبدالرحمن بن جاسم آل ثاني، الذي هو من عمر الأمير، غير معروف نسبياً. العديد يثني عليه إذ أنه كان يشغل منصب مساعد وزير الخارجية لشؤون التعاون الدولي منذ كانون الثاني (يناير) 2014، حيث تعامل مع علاقة قطر الحساسة مع الحكومة المصرية عقب الاطاحة بمحمد ميرسي في (تموز) يوليو 2013. ومن المرجح أن يحافظ وزير الخارجية الجديد على دور منخفض بعيد من الآضواء في الشؤون الإقليمية التي ميزت السياسة الخارجية في الدوحة تحت حكم الشيخ تميم. وعلاوة على ذلك، فإن خلفيته في الشؤون الاقتصادية وتطوير الأعمال تشير إلى أن قطر قد تكون ستحوّل تركيزها من الصراعات السياسية الإقليمية إلى المصالح الاقتصادية والتجارية.
هذا يبدو أنه يتماشى مع الحاجة إلى تحقيق التنمية الاقتصادية والاستدامة المعترف بهما على نحو متزايد في جميع دول الخليج. الشيخ تميم، جنباً إلى جنب مع حكام الخليج الآخرين، أطلق بالفعل مبادرات رامية إلى تحسين الخدمات العامة وإدارة الإدارات العامة، وبترقب جعل النظام الإقتصاد البيئي القطري أكثر كفاءة ومستداماً ومزدهراً على المدى الطويل.
إن الطبقة الحاكمة القطرية الجديدة تبدو مركزة بشكل رئيسي على حجب الإمارة عن موجة عدم الاستقرار الذي يطارد العديد من دول الشرق الأوسط. ولتحقيق هذه الغاية، تركز القيادة الشابة على تحسين العلاقات مع جيرانها، والخروج من دائرة الضوء، والحفاظ على الازدهار الاقتصادي في الداخل.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى