لبنان يدفع ثمناً عالياً لحكمه المختلّ وظيفياً

بيروت – رئيف عمرو

تفاجأت القيادات الوطنية في أنحاء العالم العربي من القرار السعودي الأخير بوقف المساعدات العسكرية للبنان البالغة 4 مليارات دولار، وبدلاً من ذلك وعدت السودان بمنحه مساعدة قدرها 5 مليارات دولار.
وهذا يعني أن الرياض قد سحبت دعمها لحكومة ليس لديها رئيس، ويرجع ذلك إلى عدم قدرة السياسيين المتنازعين في لبنان على الإتفاق على واحد، وبدلاً من ذلك دعمت الرئيس السوداني المطلوب من المحكمة الجنائية الدولية.
هذا يخبرنا الكثير عن حالة التعذيب التي تعيشه القيادة السياسية في لبنان والسودان، وهما البلدان اللذان عانا كثيراً من الحروب الداخلية ويستمران العيش في ظل ظروف داخلية وإقليمية صعبة.
وقف الرياض للمساعدات العسكرية للبنان لصالح دعم السودان منطقي من وجهة نظر السعوديين، نظراً إلى عدم رغبة بيروت حتى تاريخه دعم الموقف السعودي في نزاعاته مع إيران، فيما أرسلت السودان قواتها للقتال في اليمن مع قوات التحالف الذي تقوده السعودية هناك.
الجمود في نظام صنع السياسة الوطنية اللبنانية يعني أن البلد غير قادر على إتخاذ مواقف واضحة حول القضايا الإقليمية الحرجة مثل الحرب في سوريا أو اليمن، أو حتى القضايا الداخلية مثل كيفية الرد على تدفق نحو 1.2 مليون لاجئ سوري (تاركاً قطاع المنظمات غير الحكومية ومنظمة الأمم المتحدة والمنظمات الإنسانية الدولية تتعامل معها).
هزّت صدمة الإنسحاب السعودي من المساعدات العسكرية للبنان النظام وتسبب بسلسلة من البيانات الداخلية والإتهامات والتحركات التي تؤدي إلى تفاقم الوضع، ولكن ربما لا تغير كثيراً في توازن القوى غير المستقر السائد بين الجماعتين الإيديولوجيتين الرئيسيتين في البلاد، تحالف “14 آذار” بقيادة سعد الحريري وتحالف “8 آذار” الذي يقوده “حزب الله”.
على مدى السنوات ال40 الماضية، أو منذ بداية الحرب الأهلية في العام 1975، وجد لبنان نفسه بإستمرار تحت رحمة تيارات مختلفة داخل العالم العربي وخارجه.
حالة لبنان اليوم، مع ذلك، هي أكثر وطأة بكثير مما كانت عليه في العقود الأخيرة في العديد من المناطق التي لم يسبق أن شهدت في وقت واحد: تدهور خطير في كلٍّ من تقليد تقاسم السلطة في المناصب العليا من الحياة الوطنية، وسلاسة سير الخدمات الأساسية الحكومية في الشارع، ومستوى حياة المواطنين في الوطن، ومخاطر إنتشار وتمدد الحروب السورية المجاورة، وعدم وجود إتفاق (وربما حتى عدم إهتمام) في القضايا اللبنانية بين الرعاة الخارجيين للبلاد ووسطاء السلطة الذين قد تكون لديهم قضايا أكثر إلحاحاً للتعامل معها.
وقد أثار التراجع المُطرد في تقديم الإحتياجات اليومية مثل الكهرباء وجمع القمامة والمياه والنقل العام إحتجاجات غير عادية عابرة للطائفية في الشوارع في الصيف الماضي، ولكنها لم تؤدِّ إلى أي تحسن ملحوظ في هذه الخدمات.
وفي الوقت نفسه، فإن الفراغ الرئاسي قارب على السنتين الآن، والبرلمان معطل بشكل فعال ومجلس الوزراء يكاد يحقق بالكاد إجماعاً عرضياً حول القضايا ذات الاهتمام الفوري، وتأجيل اتخاذ القرارات الإستراتيجية الكبيرة.
إن هيمنة “حزب الله” الأكثر نفوذاً في البلاد، جنباً إلى جنب مع إنقسامات المجتمع المسيحي، قد أعطى ل”8 آذار” حق الفيتو على أي قرار كبير، مثل إنتخاب رئيس للجمهورية في البرلمان.
بدا الجمود الحالي والفراغ الرئاسي تحت السيطرة لبعض الوقت، ولكن الفقدان المفاجئ للدعم الأمني السعودي الكبير قد أرعب الكثيرين من اللبنانيين، نظراً إلى ضعف بلادهم لمواجهة التهديدات الأمنية المرتبطة برد فعل سلبي بسبب العمل العسكري ل”حزب الله” في سوريا لدعم حكومة الأسد، والمخاوف من مزيد من الهجمات العسكرية داخل لبنان من قبل المسلحين السنة المقربين من الثوار والجهاديين المتشددين في سوريا الذين يقاتلون لإطاحة الأسد.
الواقع أن سياسة “حزب الله”، وبقاء نظام الأسد، والحرب في سوريا كلها توفر روابط مباشرة وهيكلية وإيديولوجية مع إيران.
وهذا يشير منطقياً إلى أنه كان على الحكومة اللبنانية في مرحلة ما أن توضّح موقفها من إيران وسوريا – وهذا بدوره يعني توضيح موقفها بشأن العداء الشديد بين طهران والرياض الذي يهدر في جميع أنحاء المنطقة.
مع ذلك، لم تفعل الحكومة اللبنانية أي شيء من هذا، لأن النخبة السياسية تختلف ولا تتوافق على كل هذه القضايا.
بعد إجتماع طويل غير عادي لمجلس الوزراء في أواخر الشهر الفائت في محاولة لإنقاذ المنحة السعودية للجيش، أعلنت الحكومة أن لبنان “ملتزم بالتوافق العربي بالنسبة إلى القضايا المشتركة”، وهي وسيلة أخرى للقول بأن الحكومة لم تتوصل إلى إتفاق حول كيفية الرد على التحرك السعودي أو حول تورط “حزب الله” في سوريا.
ولكن ليس هناك إجماع عربي على أي قضية رئيسية في هذه الأيام، وهذا هو السبب بأن لبنان لم يؤيد قرارات السعودية ضد إيران في مؤتمرين أخيرين لوزراء الخارجية العرب والمسلمين، وتحفظ عن قرارين آخرين في ما بعد بالنسبة إلى نعت “حزب الله” بأنه حركة إرهابية.
إن تكلفة لبنان من نظام الحكم المُختلّ وظيفياً هي فجأة عالية جداً، وكذلك هو القلق المعتاد حول كيفية إستقرار البلاد في الأشهر المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى