الخطوط الجوية الكويتية: مسار منحنى طموح

بعدما واجهت تحديات مالية جراء قدم أسطولها وسوء خدماتها ورفض البرلمان الكويتي لخصخصتها، يبدو أن الخطوط الجوية الكويتية تبنت إستراتيجية جديدة طموحة قد تجعلها في مصاف الشركات الخليجية الثلاث الكبرى: طيران الإمارات، الإتحاد للطيران، والخطوط الجوية القطرية، بحلول العام 2022.

مطار الكويت الدولي: عدد المسافرين فاق قدرته الإستيعابية
مطار الكويت الدولي: عدد المسافرين فاق قدرته الإستيعابية

الكويت – خالد الديب

لم تكن هناك صدمة كبيرة عندما أعلنت الخطوط الجوية الكويتية في الصيف الماضي أن برنامجها المُضطرب للخصخصة قد تم التخلي عنه، ذلك أن شركة الطيران الخليجية المملوكة للدولة ما زالت تبحث رسمياً عن مشترين لأسهمها، لكن من خلال إقتراح مخفف سوف يترك السياسيين بشكل راسخ في مقعد القيادة.
الواقع أن قرار إبقاء الخطوط الجوية الكويتية في القطاع العام كان، وقد يكون، كارثياً. إن أداء الشركة كان فاشلاً بشكل ذريع على مدى العقدين الماضيين، حيث فقدت بشكل مطرد الأرضية أمام جيل جديد من المنافسين الخليجيين أكثر كفاءة، وأفضل تمويلاً. وكانت المشاحنات البرلمانية حول إستراتيجية وتجديد أسطول الشركة هي السبب الرئيسي لأدائها المتصلب والسيىء – الأمر الذي خلق فرصة لطيران الإمارات في دبي وطيران الإتحاد في أبوظبي والخطوط الجوية القطرية في الدوحة لجذب الركاب الكويتيين من خلال توجيههم إلى محاورها الخاصة.
ومع ذلك، فإن الإبتعاد من الخصخصة لم يحدث من فراغ. على العكس من ذلك، فهو كان مصحوباً بواحد من البرامج الأسرع والأكثر طموحاً لتجديد أسطول الشركة لم يُعرف في أي مكان في المنطقة. لقد أدخلت الخطوط الجوية الكويتية أخيراً 12 طائرة جديدة في تعاقب سريع، متوجةً سنوات من الركود ووضع ناقلة العلم الكويتي على المسار الصحيح لتحوّل حاسم في المصير.
“بقي حجم الأسطول كما هو منذ العام 1998. فمن العام 1998 وحتى نهاية العام 2014 كان حجم أسطول الشركة 17 طائرة”، يقول عبد الله الشرهان، الرئيس التنفيذي الجديد للشركة. مضيفاً: “تخيل 16 عاماً من الوجود في حالة جامدة، في حين أن هناك نمواً في السوق من حولك … شركات طيران أخرى كانت تحلق بعدد رحلات أكثر إلى الكويت. وشركات طيران أخرى كانت تطور أساطيلها وإدخال خدمات جديدة على متن الطائرة – الأشياء التي تجذب الركاب – بينما كنا جامدين”.
توفّر الخطوط الجوية الكويتية اليوم فقط 23 في المئة من المقاعد في مطار الكويت الدولي – نصف حصتها في السوق التي كانت في العام 1998. وكانت شركات أجنبية هي القوة الدافعة وراء مضاعفة حركة المرور في المحور، مع سيطرة طيران الإمارات والشركة التابعة لها للمسافات القصيرة “فلاي دبي” على نسبة 19.5 في المئة من المقاعد الآن. كما أن “الجزيرة للطيران”، الناقلة الكويتية المملوكة للقطاع الخاص، هي مشغل محلي آخر كبير مع حصة تصل نسبتها إلى تسعة في المئة.
الجودة، فضلاً عن الكمية، هما من الصفات التي تفتقر إليهما منذ فترة طويلة الخطوط الجوية الكويتية. وقد جرت محاولات متكررة للحصول على طائرات حديثة لكن البرلمان نسفها، تاركاً الشركة الناقلة للعلم مع واحد من أقدم الأساطيل في المنطقة. وهذا الأمر فعل أكثر من ضرر لسمعة الشركة وتلف تجربة الركاب، فقد رفع أيضاً التكاليف. طائرات قديمة، وعديمة الكفاءة بالنسبة إلى الوقود يكلف تشغيلها وصيانتها أكثر بكثير من الأجيال الجديدة من الطائرات.
كان كانون الأول (ديسمبر) 2014 الشهر الذي حسمت الخطوط الجوية الكويتية فيه أخيراً مشكلة أسطولها، بشراء أول طائرة جديدة منذ ما يقرب العقدين من الزمن. في حين أن ذلك في حد ذاته شكّل علامة فارقة، فإن الوتيرة المستمرة لتجديد أسطول الشركة هو ما لفت إنتباه المحللين حقاً. سبع طائرات إيرباص “A320” ذات جسم ضيق، وخمس إيرباص “A330” أخرى ذات جسم واسع، دخلت الخدمة خلال فترة 12 شهراً، الأمر الذي سمح للناقلة الكويتية إحالة نماذجها الأكثر قدماً إلى التقاعد: خمس طائرات “A300s” وثلاث “A310s”. وكانت الشركة، في الوقت الراهن، أبقت على تسع طائرات قديمة (ثلاث طائرات “A320″، أربع “A340s” وطائرتا بوينغ “777-200ERs”)، رافعة عدد الطائرات الإجمالي في أسطولها إلى 21 طائرة.
“هذا هو تحسن كبير لشركة الطيران”، أكد الشرهان. مضيفاً: “سيشهد العام 2016 بقاء عملية مختلطة بين الأسطول الجديد والقديم. ولكن بحلول منتصف 2017 سوف نستخدم فقط الأسطول الجديد، وسوف يكون بذلك الأحدث في المنطقة. وهذا بعدما كان الأقدم تقريبا!”.
وسوف يُصبح التقاعد للوحدات القديمة الأخيرة ممكناً عندما يتم بدء تسليم عشر طائرات بوينغ جديدة من نوع “777-300ERs”، في وقت لاحق من هذا العام. سوف تكون تلك الطائرات الأميركية الصنع فوراً من ملكية شركة الطيران، في حين أن الطائرات الأوروبية الجديدة سوف تخضع لعقود إيجار لمدة ثماني سنوات.
لكن موجة لاحقة لتجديد الأسطول بين 2019 و 2022 ستشهد إمتلاك الشركة الكويتية ل25 طائرة إيرباص – 15 “A320neos” وعشر “A350-900s”. وسيكون هذا الجزء الأخير من لغز شركة الطيران، حيث سيتضاعف حجم أسطولها الجديد في أقل من عقد من الزمن. إضافة إلى ذلك، في حين أن المقصود من الجيل الثاني لطائرات إيرباص إستبدال تلك الوحدات المؤجرة، فإن الشرهان يقول بأن جميع الخيارات لا تزال على الطاولة. وأضاف: “إذا قررنا الحفاظ على تلك [الطائرات المستأجرة] فيما الخطة تتوسع وتنضج، فإن العدد الإجمالي سيكون 47 طائرة”.
وتشغّل الخطوط الجوية الكويتية أيضا” طائرة بوينغ “747-400” عمرها 22 سنة للأسرة الحاكمة. وعلى الرغم من أن الرئيس التنفيذي للشركة لم يناقش خططاً لهذه الوحدة، ولكن نظراً إلى سن الطائرة، فإنه سيكون من المستغرب إذا لم تقدم إيرباص وبوينغ أيضاً مقترحات عن بديل.
ورداً على سؤال حول المسار الطموح للشركة حاملة العلم الكويتي، فإن الشرهان يشبهه بعملية إعادة تصحيح طبيعية بعد سنوات من الجمود: “نحن نتحدث عن إستعادة حصتنا في السوق – وهذا كل شيء،” يصرّ. “قبل التوسع، أفضل شيء تفعله هو إستعادة حصتك في السوق المحلية”، يقول. وبالنسبة إلى الموظفين العاملين في شركة الطيران الكويتية، فإن طفرة النمو سوف تشعرهم بلا شك ببداية جديدة.
تُعتبر الخطوط الجوية الكويتية حالياً سمكة صغيرة بالمقارنة مع شركات الطيران الخليجية الثلاث الكبرى، حيث تخدم 17 وجهة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، و15 في آسيا، وستاً في أوروبا، وواحدة في أميركا الشمالية.
من ناحية أخرى، فقد تم إضافة أو إستعادة نقاط عدة منذ وصول الطائرات الجديدة، بما في ذلك إسطنبول في تركيا وشرم الشيخ في مصر، وفيينا في النمسا، وأحمد أباد وبنغالورو في الهند. كما أن عدد الرحلات أيضاً يرتفع بشكل مطرد، مع لندن ونيويورك، والنقطتين الهنديتين الجديدتين، ومانيلا في الفلبين، وكلها من المقرر أن يتم زيادتها هذا العام. والهدف من ذلك هو تقديم خدمات مزدوجة يومياً لكل وجهة.
“بحلول نهاية العام 2016، عندما تبدأ بوينغ تسليم طائرات “777s”، عندها سنقوم بإطلاق موجة النمو المقبلة”، يقول الشرهان، مضيفاً أن المؤسسة الإستشارية الدولية “ماكينزي آند كومباني” ساعدت على تحديث خطة العمل من خمس إلى عشر سنين. وقال: “عندما يتم تطبيق الجدول الشتوي المقبل سنقوم بتقديم طلبات [لفتحات الهبوط] … هذه الخطة تتكون من عمق ومن ثم إتساع. لذلك نحن ذاهبون إلى العمل بشكل صحيح وخدمة وجهاتنا الموجودة اليوم – لا يزال لدينا وجهات تنقصها الخدمة – وبعد ذلك سوف نتوسع إلى وجهات جديدة”.
وسوف تشهد إعادة هيكلة الشبكة في الوقت نفسه الإنسحاب من طرق عدة سيئة الأداء هذا الصيف: كوالا لمبور في ماليزيا وجاكرتا في إندونيسيا والإسكندرية وسوهاج في مصر.
مع إرتفاع توافر المقاعد بشكل مطرد حتى العام 2022، فإن الناقلة الكويتية الرسمية سوف تعالج الآن أزمة الطاقة في قاعدتها المحلية. إن سنوات من إتفاقات الأجواء المفتوحة مع دول الجوار رفعت الإقبال في مطار الكويت إلى أعلى بكثير من تسعة ملايين مسافر سنوياً – مليونا شخص أكثر من إستيعاب المطار. لذا صارت القيود شديدة جداً بحيث في العام 2013 نقلت “فلاي دبي” عملياتها إلى محطة الشيخ سعد العبد الله للطيران العام، متعدّيةً على منشأة مُصمّمة أصلاً للطائرات الخاصة وشركات “التشارتر”.
غير راغبة في إنتظار ست سنوات لإستكمال المحطة 2 الجديدة التي سترفع قدرة المطار إلى 25 مليون شخص، فقد قررت شركة الطيران الكويتية إقامة محطة دعم مؤقتة خاصة بها في المطار. “وهذه المحطة سيستغرق بناؤها سنة ونصف وسوف تستوعب بين أربعة إلى خمسة ملايين مسافر”، يقول الشرهان. مضيفاً: “مع ذلك، إذا بقينا مع معدل توسعنا … حتى محطة الدعم ستكون صغيرة جداً”.
متطرقاً إلى برنامج الشركة الصاخب للخصخصة، يؤكد الرئيس التنفيذي أن البرلمان لم يختر أو يصوّت على هيكليته المفضلة. والإقتراح في وقت سابق لبيع 80 في المئة من الناقلة الرسمية – 35 في المئة لمستثمرين إستراتيجيين، و40 في المئة للتعويم في سوق الأسهم وخمسة في المئة للموظفين – أغضب النواب بسبب توقعهم بأن المستثمرين سيطالبون بخفض الوظائف فوراً. المشروع المعدل في العام الماضي إقترح فقط بيع 25 في المئة من أسهم الشركة: 20 في المئة للتعويم وخمسة في المئة للموظفين.
“كان عليهم تحقيق التوازن هنا بين الرعاية الاجتماعية وتشغيل شركة الطيران بكفاءة”، يقول الشرهان، مع التركيز على الوظيفة المزدوجة للناقلة في بلد حيث 90 في المئة من المواطنين يعملون في القطاع العام. “حتى الآن يبدو أن الغالبية [من النواب] تؤيد التغيير”، حسب قوله.
إن مستثمري القطاع الخاص سيكونون أقل تسامحاً مع هذه الثقافة الواضحة لوظيفة مدى الحياة، ولكن الشرهان يصر على أن مكاسب الكفاءة لا تزال على رأس الأولويات. مشيراً إلى أن الخسائر السنوية قد إنخفضت إلى النصف حوالي 67 مليون دولار خلال السنوات الثلاث الماضية، ويقول بأن الشركة شبه الحكومية تتحول الى “مؤسسة مملوكة للدولة تكون جاهزة للعمل بطريقة مرنة”. وستساهم التكنولوجيا الحديثة المتقدمة وفخامة أجنحة الدرجة الأولى، وإقتصادات أعلى على نطاق واسع في التحول.
مع ذلك، هناك شيء واحد خارج عن إرادته هو المشهد التنافسي. فيما تذهب الشركة في منافسة مباشرة ( شركة مقابل شركة) مع منافساتها المدعومة في منطقة الخليج، فإن الخطوط الجوية الكويتية تواجه الآن معركة للحصول على حصة في السوق مع “الجزيرة” للطيران الطموحة على نحو متزايد.
وكانت الشركة الكويتية المملوكة للقطاع الخاص، المخصصة للمسافات القصيرة، المرشحة الأوفر حظاً للحصول على 35 في المئة من شركة الطيران الكويتية طبقاً لخطة الخصخصة الأصلية. مروان بودي، رئيس مجلس إدارة “الجزيرة للطيران”، كان يخطط لنموذج من التعاون الذي يتضمن تخصيص الخطوط الجوية الكويتية للرحلات الطويلة في حين تقوم “الجزيرة” بخدمة المسافات القصيرة. مع عدم وجود هذه الخطط، فهو يتطلع الآن إلى إقامة مشروع مشترك ينافس مباشرة الخطوط الجوية الكويتية على الخطوط الطويلة.
ويبدو الشرهان ديبلوماسياً عند مناقشة تحوّل “الجزيرة” من مساهمة متعاونة إلى منافسة. “آمل أن تكون شريكة للخطوط الجوية الكويتية، ولكن هذا القرار يعود إلى “الجزيرة” حول ما يجب القيام به بعد ذلك”، كما يقول، مؤكداً أن البرلمان لم يتجاهل بشكل رسمي نموذج المستثمر الإستراتيجي. ولكن، سواء كانت مساهمة أو منافسة، فإن شركة طيران “الجزيرة” التي يحركها الربح ستجعل ناقلة العلم الكويتي الرسمية قلقة خلال هذه الحقبة الجديدة من التوسع لقطاع الطيران الكويتي.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى