ما هو مستقبل الطاقة النووية في العالم العربي؟

فيما تسعى بلدان عدة في العالم العربي إلى تلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة الكهربائية، تجد نفسها مضطرة للإستعانة بالطاقة النووية والموازنة بين فوائدها وتكاليفها المتنازع حولها.

محطة "بوشهر": قُصفت خلال الحرب العراقية الإيرانية
محطة “بوشهر”: قُصفت خلال الحرب العراقية الإيرانية

بيروت – كارول نخلة*

أعلنت بلدانٌ عربية عدّة عن خططها لتبنّي الطاقة النووية كجزءٍ من تنويع الطاقة في المستقبل. وتُعدّ الإمارات العربية المتحدة في الطليعة بين قريناتها لجهة بناء أول محطة عربية للطاقة النووية، لتصبح بذلك الدولة الأولى منذ سبعة وعشرين عاماً التي تبني مفاعلاً نووياً. وفيما تسعى هذه البلدان إلى تلبية حاجاتها المتزايدة من الطاقة، فهي مضطرّة لأن تزن بين فوائد الطاقة النووية وتكاليفها المتنازَع حولها.
من المتوقع أن تُبنى محطات نووية جديدة في مختلف أنحاء العالم العربي على مدى العقد المقبل. وسيحظى مشروع موقع “براكة” في دولة الإمارات بقدرة إنتاجية إجمالية تبلغ 5.6 جيغاواط، كما يُتوقّع أن تبدأ الوحدة الأولى فيه بتوليد الكهرباء في العام 2017، وأن تصبح الوحدة النهائية قيد العمل في العام 2020، حيث سيؤمّن مجموع الوحدات ربعَ حاجة البلاد تقريباً من الطاقة الكهربائية. وستحذو المملكة العربية السعودية حذو جارتها الخليجية في هذا المجال بإتباع خطّة نووية أكثر طموحاً، تشتمل على بناء ستة عشر مفاعلاً نوويّاً بحلول العام 2032، تفوق طاقتها الإنتاجية الإجمالية الـ17 ميغاواط (يُتوقّع أن تؤمّن 15 في المئة من حاجة البلاد من الكهرباء). ومن المُتوقّع أن يصبح المفاعل الأول قيد العمل في العام 2022. إضافةً إلى ذلك، وقّع الأردن إتفاقاً مع المؤسسة الروسية الحكومية للطاقة الذرية (روساتوم)، لإنشاء أول محطة للطاقة النووية في البلاد، بطاقة إنتاجية تبلغ 2000 ميغاواط، ويُرجّح أن يبدأ تشغيلها في العام 2023. بدورها، وقّعت مصر أيضاً إتفاقاً مع “روساتوم” لبناء أربعة مفاعلات على مدى السنوات الاثنتي عشرة المقبلة، تبلغ الطاقة الإنتاجية لكلٍّ منها 1200 ميغاواط. وتدرس كلٌّ من المغرب وتونس والجزائر، التي تُدير مفاعلَين بحثيَّين منذ أوائل تسعينات القرن الفائت في مدينتَي الدرارية وعين وسارة، خياراتها في هذا الصدد. أما الكويت وسلطنة عُمان وقطر، فقد ألغت خططها النووية في أعقاب حادث محطة “فوكوشيما دايتشي” للطاقة النووية في اليابان في العام 2011.
لم يُحسَم بعد الجدل الدائر حول الطاقة النووية. فعلى الصعيد العالمي، تجهد الطاقة النووية للحفاظ على وتيرة نموّها منذ أكثر من خمسين عاماً. وقد تدنّت شعبيتها غالباً – ولفترة طويلة – بسبب الحوادث النووية الكبرى. وعلى الرغم من التقدّم التكنولوجي، فإن التحدّيات لا تزال قائمة على مستويَي التكلفة والسلامة منذ أول إستخدامٍ للطاقة النووية لأغراضٍ سلمية في خمسينات القرن الفائت. وكلّ حجّة تُساق لتأييد الطاقة النووية، ربما تدحضها حجّة أخرى مناهضة لها ومقنعة بالدرجة نفسها. لذا، يدور النقاش حول المسألة النووية في دورات عدّة، يكسبه تارةً مؤيّدو الطاقة النووية، ويربحه طوراً معارضوها، وهكذا دواليك، الأمر الذي يعيق إسهام الطاقة النووية في إجمالي الطاقة العالمية.
تواجه منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تحدّيات وفرصاً فريدة حين يتعلّق الأمر بالطاقة النووية. ثم أن البيئة الجيوسياسية المتوتّرة تجعل هذه المسألة قضية خلافية أكثر من أي منطقة أخرى: فبلدان المنطقة تشتبه بأن الدول المجاورة قد تستخدم برامجها النووية المدنية لأغراض عسكرية. وعلى سبيل المثال، لقد دفع برنامج إيران النووي المجتمعَ الدولي إلى فرض عقوبات عليها، ثم تلتها سنوات من المفاوضات. ونظراً إلى أن إقتصادات المنطقة تحظى بدعمٍ حكومي كبير، فإن هناك أيضاً ثمة مخاوف من أن تتّجه حكومات المنطقة إلى الإستثمار على نطاق واسع في مجال الطاقة النووية. وخلافاً لمعظم البلدان المولِّدة للطاقة النووية في العالم، فإن بعض بلدان الشرق الأوسط يتمتع بميزة كونه غنيّاً بالنفط والغاز، ما يمنحه متّسعاً من الوقت للتفكير في الدور الذي ينبغي أن تؤدّيه الطاقة النووية لتلبية حاجاته من الطاقة.
ستشقّ الطاقة النووية طريقها إلى تنويع الطاقة في المنطقة العربية، لكنها لن تحلّ المشاكل التي تعاني منها بلدانها منذ فترة طويلة في مجال الطاقة، ما لم تترافق مع تطبيق الإصلاحات الإقتصادية الملحّة. فالطاقة النووية المدنية، بكلمات مباشرة وواضحة، ليست وسيلة للتهرّب من المشاكل. صحيحٌ أنها قد تساعد، لكن يبقى على بلدان هذه المنطقة أن تواجه الحقيقة بأن عليها بناء إقتصادات حديثة وتنافسية. ومن دون هذا التحوّل الضروري، من المرجّح جدّاً أن تمسي الطاقة النووية عبئاً أكثر منها مكسباً.

الحوافز

ساقت حكومات المنطقة حججاً عدّة لتبرير سعيها إلى توليد الطاقة النووية، من ضمنها الرغبة في تلبية الطلب المتزايد والمتسارع على الكهرباء؛ وحماية الصادرات النفطية؛ ودعم النمو الإقتصادي؛ وتوفير أمن طاقة أكبر؛ وخفض إنبعاثات الكربون. إضافةً إلى ذلك، يمكن للطاقة النووية أن تساعد البلدان العربية على تنويع مصادر الطاقة الأساسية والبسيطة لديها، والتي تعتمد راهناً بشكلٍ كبير على النفط والغاز (أنظر الرسم 1).

Image472673

تحظى الطاقة النووية بإشادات واسعة من جانب الحكومات العربية. ووفقاً لمؤسسة الإمارات للطاقة النووية، فإن هذه الطاقة هي “الخيار المناسب للإمارات، لأنها تكنولوجيا ثَبُت أنها آمنة ونظيفة وذات جدوى تجارية، وقادرة على توليد نسبٍ كبيرة من الحدّ الأدنى الدائم من الحمولة الكهربائية”. كما خلُص تقرير كُلّفت بإعداده هيئة الطاقة الذريّة الأردنية، إلى أنه: “عندما نأخذ في الحسبان التكاليف الإجتماعية والصحيّة والبيئية الناجمة عن الوقود الأحفوري، مقارنةً مع تلك الناجمة عن النووي، تبدو إقتصادياته أكثر جاذبية للغاية”.
ويرى بعض المعلّقين المبادرة النووية على أنها خطة طوارئ لدول الخليج بشكلٍ خاص – أو بعبارة أخرى، عقيدة نووية دفاعية – ضدّ برنامج إيران النووي وقدرته على تخصيب اليورانيوم. وعلى حدّ تعبير أحد الخبراء: “تتداخل في هذه القضية أيضاً سُمعة الدول والتنافس في ما بينها. السعوديون لا يريدون أن تكون لإيران “اليد العليا””. صحيحٌ أن الانتقال من الطاقة النووية المدنية إلى الأسلحة النووية ليس بهذه السهولة، لكن يمكن المحاججة بأن التكنولوجيا المطلوبة للأغراض السلمية تسهّل عملية العسكرة.

لمحة عالمية

صحيحٌ أن الطاقة النووية تشكّل مصدراً أكثر تفوّقاً من الوقود الأحفوري لتوليد الكهرباء، من حيث تأثيرها في المناخ: إذ لا ينبعث من المحطات النووية سوى مستويات ضئيلة من ثاني أوكسيد الكربون. ومقارنةً مع مصادر الطاقة المتجدّدة، فإن تفوّق الطاقة النووية يُعزى إلى أنها لا تعتمد على الشمس أو الريح (المتوفّرين بوتائر متقطّعة) أو المياه (المحدودة).
يشكّل حجم إنتاج الطاقة النووية ميزة أخرى. إذ تستطيع محطة نووية واحدة أن تنتج ما يكفي من الكهرباء لإنارة نصف بلدٍ ما. لذا، تُعتبَر الطاقة النووية أقل ضرراً على المستوى البيئي. ففي سلوفينيا مثلاً، يؤمّن مفاعلٌ نووي واحد حوالى 40 في المئة من إجمالي حاجات البلاد من الكهرباء. وبعد تسديد كلفة الإستثمار الأوليّة في مجال الطاقة النووية، تُعدّ كلفة توليد الكهرباء تنافسية جدّاً مقارنةً مع سائر مصادر الطاقة.
على الرغم من هذه المزايا التفاضلية، وبعد أكثر من ستّين عاماً على تشغيل أول محطة للطاقة النووية في مدينة أوبنينسك الروسية، فإن توليد الكهرباء من طريق الطاقة النووية لم يبلغ سوى 11 في المئة من الإنتاج العالمي للكهرباء في العام 2012، ما شكّل إنخفاضاً من النسبة المرتفعة التي سجّلها في العام 1996 والتي بلغت حوالى 18 في المئة، وفقاً للوكالة الدولية للطاقة (أنظر الرسم 2). على غرار الطاقة النووية، تشهد حصة النفط تراجعاً متزايداً في قطاع الطاقة، نتيجة الإستخدام المتزايد للغاز الطبيعي ومصادر الطاقة المتجدّدة، التي تنمو بوتيرة متسارعة.

Image472680

مصادر الطاقة النووية

يُستخدَم وقود اليورانيوم لتشغيل المحطات النووية. وتُنتج أربعة بلدان فقط – هي أوستراليا وكندا وكازاخستان وروسيا – أكثر من نصف مخزون اليورانيوم العالمي. في المقابل، تُعتبر منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فقيرة باليورانيوم، حيث لا تملك سوى الأردن (0.5 في المئة) والجزائر (0.3 في المئة) ومصر (أقل من 0.1 في المئة) من مصادره، وإن كانت ثمة فئات من اليورانيوم هي أكثر كلفةً. لذا، ستضطرّ الدول العربية إلى تأمين إمدادات اليورانيوم من خارج المنطقة أساساً.
وفقاً لتقرير مشترك أعدّته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة النووية، فإن إحتياطات اليورانيوم الراهنة “أكثر من كافية لتلبية إرتفاع الطلب على اليورانيوم حتى العام 2035”. ويُضيف التقرير، مع ذلك: “هذا الأمر يعتمد على الإستثمارات في الوقت المناسب، نظراً إلى طول المهل الزمنية اللازمة لتحويل الموارد إلى يورانيوم مكرَّر وجاهز لإنتاج الوقود النووي. وتشمل الإعتبارات الأخرى: عملية التعدين، والعوامل الجيوسياسية، والتحدّيات التقنية، والتطلّعات المتزايدة لحكومات الدول التي تقوم بإستخراج اليورانيوم، ومسائل أخرى يواجهها المنتجون في حالات معيّنة”. من هذا المنطلق، إذا كان دافع بعض الدول من إنتاج الطاقة النووية هو تعزيز أمن الطاقة لديها من خلال خفض واردات الطاقة، سيبقى هذا الأمر مصدر قلق، وإن كان سيتمظهر في شكلٍ جديد.
تُعتبر غالبية الدول الثلاثين التي تملك محطات نووية فقيرةً من حيث الموارد الهيدروكربونية، و/أو مستوردة للنفط والغاز (أنظر الرسم 3). أما البلدان العربية، فلا تعاني من نقصٍ في هذه الموارد التقليدية. فدول مجلس التعاون الخليجي هي من بين أكثر الدول المنتِجة والمصدِّرة للنفط والغاز في العالم، وتملك حوالى 30 في المئة من إحتياطي، و23 في المئة من إحتياطي الغاز العالمي المؤكّد.

Image472687

من المهم أخذ قدرة وجودة نظام شبكات الطاقة في بلدٍ ما في الإعتبار، حين إتخاذ قرار بشأن بناء محطة للطاقة النووية. ووفقاً للمنظمة الدولية للطاقة النووية: “العديد من المحطات النووية أكبر من محطات الوقود الأحفوري التي تحلّ محلّها، ومن غير المنطقي بناء وحدة توليد تكون أكبر من عُشر سعة شبكة التوزيع (وربما 15 في المئة إذا كانت السعة الاحتياطية عالية). الهدف من ذلك هو أن يكون من الممكن إيقاف عمل المحطة لتزويدها بالوقود، أو إجراء أعمال الصيانة، أو حين تطرأ أمور أخرى غير متوقّعة”. لهذا السبب، تفضّل بعض الدول مثل سلطنة عُمان، التي تملك شبكات توزيع صغيرة، أن تكون المحطات النووية جزءاً من جهدٍ إقليمي.

التكاليف الإقتصادية

يدور الكثير من الجدل حول التكاليف الفعلية لبناء وصيانة ووقف تشغيل المحطات النووية.
يتحدّث مؤيّدو الطاقة النووية عن التكلفة المتدنية لوقود الموادّ الخام في توليد الكهرباء، والتي تمثّل جزءاً صغيراً جدّاً من التكلفة الإجمالية (أي حوالى 2 في المئة). من هذا المنطلق، تُعتبر تأثيرات تقلّبات سعر اليورانيوم على كلفة توليد الكهرباء من خلال الطاقة النووية، متواضعة نسبيّاً مقارنةً مع سائر الطرق المستخدَمة لتوليد الكهرباء.
لكن هذه الكلفة المتدنّية يحدّ منها طول فترات البناء وإرتفاع تكاليف الإستثمار التي يتطلّبها إنشاء المحطات النووية، خصوصاً الجيل الجديد من المفاعلات الأكبر حجماً والأكثر تعقيداً من المفاعلات القديمة. وتجدر الإشارة إلى أن الفترة الزمنية اللازمة لإسترداد تكاليف الإستثمار في المفاعلات الجديدة طويلة جدّاً وقد تبلغ عقدَين أو ثلاثة عقود. ووفقاً لدراسة أعدّتها منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة النووية بصورة مشتركة، يُستحسَن الإنتظار حتى العقد المقبل قبل الحكم على مدى النجاح الإقتصادي لهذه المفاعلات.
لتقييم فعالية وديمومة أي إستثمار، يتم إحتساب القيمة المستقبلية لعائداته المتوقَّعة في إطار المعطيات الراهنة – وهذه عملية مالية تُسمّى خصم (أو حسم) التدفقات النقدية المستقبلية، وتأخذ في الاعتبار عامل الوقت والمخاطر المرتبطة بالإستثمار. على سبيل المثال، ينبغي على المستثمرين أن يأخذوا في الحسبان أن عوامل مثل التقدّم التكنولوجي أو ظهور بدائل أقل كلفة في مجال الطاقة، من شأنها أن تخفّض قيمة إستثمارهم في الطاقة النووية. وبالتالي، كلما طالت مدّة الإستثمار أو إرتفع تقييم المخاطر، إزداد معدّل الخصم.
وفقاً للتقرير المشترك الذي أعدّته منظمة التعاون الإقتصادي والتنمية ووكالة الطاقة النووية: “بما أن التقنيات النووية تكون كثيفة الرأسمال مقارنةً مع الغاز الطبيعي أو الفحم الحجري، فإن تكاليف الطاقة النووية ترتفع بوتيرة سريعة نسبيّاً، ويترافق ذلك مع إرتفاع معدّل الخصم”. على سبيل المثال، “إذا كان معدّل الخصم 3 في المئة، تكون الطاقة النووية الخيار الأقل تكلفة”. وإذا كان معدّل الخصم 7 في المئة، يكون متوسّط قيمة الطاقة النووية قريباً من متوسّط قيمة الفحم. لكن إذا كان معدّل الخصم واقعيّاً أكثر (10 في المئة)، تكون القيمة الحالية للطاقة النووية أدنى من قيمة الغاز أو الفحم. تستند هذه الحسابات إلى كلفة الكربون البالغة 30 دولاراً لكل طن، ما يمنح الطاقة النووية الأفضلية تجاه الوقود الأحفوري. لكن، إذا لم يتم إحتساب سعر الكربون، ستكون تكلفة الطاقة النووية أعلى حتى من ذلك.
من ناحية أخرى، خلُصت إحدى الدراسات التي أُجريَت حول الطاقة النووية في المملكة العربية السعودية إلى أن إقتصاديات الطاقة النووية غير ملائمة للبلاد مقارنةً مع الغاز الطبيعي، حتى ولو طرأ إرتفاع ٌكبير على أسعار الغاز الطبيعي المنخفضة راهناً في السعودية. ومن المحتمل أيضاً أن تصبح الطاقة الشمسية أيضاً أقل كلفة من الطاقة النووية بحلول العقد المقبل، إذا ما واصلت تكاليف الطاقة الشمسية تراجعها السريع.

الدعم الحكومي

يتطلّب تطوير الطاقة النووية إستثمارات كبيرة على المدى الطويل في تقنيات معقّدة، ما يجعل من الصعب الحصول على تمويل تجاري صرف. لذا، يعتمد القطاع النووي بشكلٍ كبير على الدعم الحكومي الذي يتجلّى من خلال صياغة سياسة عامّة داعمة للمشاريع النووية وتحصيل التمويل اللازم. تُقدَّر كلفة المفاعلات النووية المتوقّع بناؤها في السعودية بحوالى 80 مليار دولار، ومحطة براكة في الإمارات العربية المتحدة بأكثر من 20 مليار دولار. مثل هذه المشاريع تتطلّب قدراً هائلاً من الدعم الحكومي، ما يُعتبر إشكاليّاً على وجه الخصوص في منطقة يحظى قطاعها الاقتصادي أصلاً بدعمٍ حكومي كبير. وعلى حدّ تعبير الوكالة الدولية للطاقة الذريّة، فإن “الخطوات التي إتخذتها أبو ظبي لتطوير بنية تحتية نووية وطنية ووضعها إطاراً تنظيميّاً ونظاماً للعمل، مثيرة للإعجاب”، بيد أن الإستثمار الحكومي الكبير أدّى دوراً كبيراً في تحقيق هذا الأمر، بما في ذلك توظيف فريق عمل على درجة عالية من الكفاءة (يتألّف معظمه من الأجانب).
لا تنعم البلدان غير الغنية بالنفط، مثل مصر والأردن والمغرب، بمثل هذا الإمتياز، لأن التمويل الحكومي فيها محدود للغاية. لكن حتى في البلدان الغنية بالنفط، يطرح إنخفاض سعر النفط إلى ما دون الـ50 دولاراً لكل برميل ضغطاً هائلاً على المالية العامة، ما يفاقم العبء المالي الناجم عن الإستثمار في المحطات النووية.
إضافةً إلى ذلك، من المرجّح أن ترتفع تقديرات كل هذه التكاليف. فوفقاً لمعهد أبحاث الطاقة البريطاني: “يبدو واضحاً من التفاوت بين التقديرات المستقبلية وبين النتائج الفعلية أن… التفاؤل في التقديرات يشكّل سمة ثابتة إلى حدٍّ كبير في دراسة تكاليف الطاقة النووية. ويبدو أن السبب في ذلك هو مزيج من الحماسة الصناعية/التكنولوجية والضغوط الاقتصادية/السياسية للتقليل من تقديرات التكاليف”.

الكلفة الإجتماعية

لا تحظى الطاقة النووية بدعمٍ حكومي كبير وحسب، بل ترتبط أيضاً بتكاليف إجتماعية أعلى من سائر أنواع الطاقة. فالتكاليف المُحتمَلة للحوادث النووية عاليةٌ جدّاً، بحيث لا يمكن تأمين محطات الطاقة النووية لدى شركات خاصة. وبالتالي، إذا طرأ حادثٌ ما، تتحمّل الحكومة مسؤوليته، ثم تنتقل أعباء هذه التكاليف إلى كاهل المجتمع.
الحوادث النووية الكبيرة، مثل حادثة جزيرة “ثري مايل آيلند” التي وقعت في الولايات المتحدة في العام 1979 (والتي لم تسفر عن سقوط ضحايا)، وحادثة تشيرنوبيل في العام 1986 (والتي أُزهقت فيها أرواح 30 شخصاً)، وحادثة فوكوشيما (التي لم تسفر عن سقوط ضحايا)، نادرة، لكن من الصعب تناسيها (أنظر الرسم 4). فتداعيات هذه الحوادث، مثل تأثيرات الإشعاع النووي، لا يمكن إحتواؤها على وجه السرعة، بل تمتدّ عقوداً عدّة وتطال أكثر من جيل. لذا، من غير المستغرَب أن أحد أبرز العراقيل التي إعترضت عملية توسيع نطاق الطاقة النووية، كان الحصول على موافقة الشعب. ومع أن التحرّكات المناهضة للطاقة النووية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا أضعف مما هي عليه في أوروبا الغربية وأميركا الشمالية، إلا أن بعض المنظمات غير الحكومية في المنطقة، مثل جمعية أصدقاء البيئة الأردنية، يعارض بشدّة الطاقة النووية.

Image472695

ولا يقتصر سجلّ الحوادث النووية على الحوادث الكُبرى المذكورة أعلاه. فقد وقع ما لايقلّ عن 99 حادثاً نوويّاً حول العالم بين عامَي 1952 و2009، وصُنِّف الكثير منها أعلى من المستوى الرابع بحسب المقياس الدولي للحوادث النووية والإشعاعية (المستويات 1-3 مصنَّفة كحوادث فيما المستويات 4 – 7 مصنَّفة على أنها كوارث، وكل إرتفاع في المستوى يشير إلى وقوع حادث نووي أقوى بعشر مرّات تقريباً من المستوى السابق).
هناك أيضاً ثمة مخاوف أمنية جادّة من بناء محطات نووية في منطقة غير مستقرّة سياسيّاً مثل منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا. فهذه المحطات قد تتعرّض إلى أعمال عدائية. على سبيل المثال، تعرّضت منشأة بوشهر النووية في إيران إلى القصف مراراً وتكراراً على يد القوات العراقية خلال الحرب العراقية-الإيرانية (حرب الخليج الأولى) في ثمانينات القرن الفائت. وثمة مخاوف من أن تشكّل محطات الطاقة النووية أهدافاً للإرهابيين.
يمكن أن تصبح المحطات النووية آمنة أكثر كحصيلة للتقدّم التكنولوجي وتطبيق معايير سلامة أكثر صرامة. لكن الجوانب السلبية المترتّبة على ذلك هي زيادة التكاليف وتأخير الموافقة على رخصة التشييد، ما يعني أن الحصول على الترخيص قد يستغرق وقتاً أطول من عملية التشييد نفسها.

وقف التشغيل

التحدّي الآخر الذي تواجهه الطاقة النووية وإقتصادياتها يتمثّل في كلفة وقف التشغيل. تقدّر الوكالة الدولية للطاقة أن حوالى 200 من المفاعلات التي كانت قيد العمل في نهاية العام 2013 سيتم وقفها بحلول العام 2040، بكلفة تتخطى 100 مليار دولار. إضافةً إلى ذلك، لا تزال هناك شكوك كبيرة حول تكاليف وقف التشغيل بسبب الخبرة المحدودة نسبيّاً حتى الآن في تفكيك المفاعلات، وإزالة التلوّث الناجم منها، وترميم المواقع لتصبح ملائمة لإستخدامات أخرى. ينبغي على قطاع الطاقة تدبّر عمليات وقف تشغيل المفاعلات التي تحدث بوتيرة غير مسبوقة، فيما يتم بناء قدرات إنتاجية جديدة وعالية للمفاعلات التي يتم إستبدالها، الأمر الذي سيكون مكلفاً.

النفايات

لا يزال التخلّص من النفايات النووية بشكلٍ كامل معضلةً لا حلّ لها. ويحاجج المدافعون عن الطاقة النووية بأن هذه الطاقة نظيفة للغاية لأنها تُنتج نفايات قليلة مقارنةً مع أشكال الطاقة الأخرى. غير أن قسماً من هذه النفايات النووية – النفايات عالية المستوى الإشعاعي (وهي إشعاعية بنسبة 99 في المئة) – يتطلّب عزلاً دائماً عن بيئة الجنس البشري، لأن زوال التأثير الإشعاعي لهذه النفايات يتطلّب عشرة آلاف سنة تقريباً. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة: “لم ينشئ أي بلد مرافق دائمة للتخلّص من النفايات الإشعاعية عالية المستوى الناتجة عن المفاعل التجارية، والتي تواصل التكدّس في مخازن مؤقّتة”. وإلى حين التوصّل إلى حلّ، من غير المحتمل أن تكون الطاقة النووية على مستوى متساوٍ مع سائر مصادر الطاقة.

المياه

المراحل الثلاث لدورة الوقود النووي – تعدين اليورانيوم، وتشغيل المنشأة، وتخزين النفايات الإشعاعية – تستهلك كمية كبيرة من المياه. وينطبق هذا الأمر بالأخص على مفاعلات الماء الخفيف التي تخطّط السعودية لبنائها، والتي تستخدم الماء العذبة للتبريد. ولأن منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا تفتقر إلى موارد مائية وفيرة، سيفرض ذلك إشكالية محتملة إزاء انتشار الطاقة النووية في المنطقة.
هناك وجهات نظر متناقضة حول ما إذا كانت الطاقة النووية تتطلّب كمّية أكبر من المياه، مقارنةً مع سائر مصادر توليد الكهرباء. وتقول مؤسسة الطاقة النووية، التي تمثّل مصالح الصناعة النووية في الولايات المتحدة، أنه “مقارنةً مع سائر مصادر الطاقة المستخدمة لتوليد الكهرباء، تستخدم منشآت الطاقة النووية كميات معتدلة من المياه، ومساحات محدودة من الأراضي لكل كمية كهرباء يتم توليدها”. ووفقاً لإتحاد العلماء المهتمين: “في العام 2008، سحبت منشآت الطاقة النووية من المياه العذبة ثماني مرّاتٍ أكثر من تلك المستخدمة في محطات الغاز الطبيعي لكل وحدة طاقة يتم إنتاجها، و11 في المئة أكثر من متوسّط المياه العذبة المستخدَمة في مصانع الفحم”.

المؤسسات

تعرقل التحديات المؤسسية لدول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا طموحاتها النووية. وهذه المشكلة لا تخصّ فقط هذه المنطقة. إذ توصّلت دراسة تستخدم مؤشرات البنك الدولي عن فاعلية الحكومة – والتي تقيس كل شيء، بدءاً من التصوّر القائم لجودة الخدمات العامّة وصولاً إلى جودة صياغة السياسات وتطبيقها – إلى أن القدرة المؤسسية “للبلدان الوافدة الجديدة” غالباً ما تكون أدنى من تلك الخاصة بالبلدان التي تمتلك طاقة نووية راسخة.
إن تطوير المهارات المحلية أمرٌ شديد الأهمية. وبحسب الوكالة الدولية للطاقة الذرّية، “لا يمكن إحالة مسؤولية السلامة إلى بلدٍ آخر أو منظمة أخرى”. وقد يتطلّب تطوير قوى عاملة محلية أكثر من عقد بسهولة، بينما قد تشمل المرحلة التشغيلية لبرنامج نووي ناجع، جيلين من القوى العاملة. لذلك، من الضروري التخطيط لإعداد قوى عاملة مستمرّة ومندمجة لإدارة القطاع بشكلٍ سليم. على سبيل المثال، يعتمد البرنامج النووي للإمارات العربية المتحدة على عددٍ كبير من الخبراء الأجانب المسؤولين عن جوانب أساسية من البرنامج النووي والمؤسسات المرتبطة فيه. غير أن القوة العاملة الأجنبية يمكنها ملء الفراغ إلى حدٍّ معيّن فقط. وبحسب مؤسسة الطاقة النووية، “حوالى نصف القوة العاملة في قطاع الطاقة النووية ستكون جاهزة للتقاعد خلال الأعوام العشرة المقبلة” عالميّاً، وهذا يعني أن المنافسة على المواهب في كل مجالات هذا القطاع ستكون شديدة في المستقبل القريب.

الإصلاحات المحليّة والطاقات المتجددة

في العقود المقبلة، ستستمرّ معاناة بلدان الشرق الأوسط وشمال أقريقيا حول كيفية تلبية الطلب المتزايد على نحو سريع على الكهرباء. ويُتوقّع أن يواصل الطلب في المنطقة إرتفاعه ليبلغ حوالى 6 في المئة سنويّاً على مدى السنين العشر المقبلة، وهو ضعف معدّل المتوسط العالمي المُتوقّع. ويخشى بعض بلدان الشرق الأوسط وشمال أفريقيا من أن إنتاج الطاقة المحلّي سيجهد لمجاراة الطلب، لذلك يجب أخذ موارد جديدة مثل الطاقة النووية في الإعتبار.
لكن ربما يكون من الأنجع لحل هذه الأزمة، تحديد السبب الذي يدفع إلى إرتفاع معدّل الطلب والعمل على خفضه. لا بدّ أن يكون النموّ السكاني أحد العوامل الذي أدّى إلى إرتفاع الطلب، لكن الأسعار المنخفضة للطاقة لعبت دوراً أكبر بكثير في هذا الصدد. تحوز منطقة شرق الأوسط وشمال أفريقيا على 48 في المئة من إجمالي دعم الطاقة ومن أسعار الطاقة منخفضة الكلفة نسبةً إلى المدخول، والتي تفاقم الإستهلاك التبذيري وعدم الفعالية. وبحسب توقعات الطاقة للعام 2030 الصادرة عن شركة النفط البريطانية “بريتيش بتروليوم” (بي بي)، فإنّ “كثافة الطاقة [في الشرق الأوسط] في العام 1970 كانت أقل من نصف مستوى الكثافة في سائر الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية؛ وبحلول العام 2010، إرتفعت هذه الكثافة بنسبة 50 في المئة. ويشير المنحى في دول أخرى إلى تحسّنٍ مطّرد، لكن من المحتمل أن تستخدم منطقة الشرق الأوسط بحلول العام 2030 ما يفوق ضعف كثافة الطاقة التي تستخدمها الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون والتنمية الإقتصادية”.
وهكذا، من الضروري إصلاح أسعار الطاقة المحليّة للحدّ من تزايد الطلب المحلّي وتحسين فعالية الطاقة. لقد دافع عددٌ من المنظمات والخبراء الدوليين على حدّ سواء عن هذه الإستراتيجية لفترةٍ من الوقت، لكن حكومات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا متردّدة في العمل على هكذا إصلاحات سياسية بسبب تخوّفها من إثارة الإستياء الإجتماعي والقلاقل.
حتى على مستوى العرض، لم تفتقر الدول العربية إلى الخيارات. إذ أنها تأخذ أكثر فأكثر الطاقة المتجدّدة في الإعتبار، لكن التكاليف والتقطّع يحولان دون التوسّع السريع. إضافةً إلى ذلك، فإن الغاز الطبيعي متوفّر على نحوٍ واسعٍ في المنطقة، بيد أنه غير مستخدم بشكلٍ فعّالٍ ومُجدٍ. الجزائر ومصر والعراق وليبيا وعُمان وقطر والسعودية هي من بين الدول العشرين في العالم الأكثر إحراقاً للغاز. الإحراق ليس فقط هدراً لموارد قيّمة، لكنه يساهم أيضاً إلى حدٍّ كبير في إنبعاثات الكربون. ولذا، سيساهم الحدّ من إحراق الغاز في المحافظة على هذا المصدر الطبيعي، وفي خفْض إنبعاثات الكربون في المنطقة.
من الأسهل إعتماد هكذا خطوات غير مُكلفة، بدل إقامة منشآت للطاقة النووية. لكن هذه الخطوات لا تلغي دور الطاقة النووية في تلبية حاجات المنطقة المتزايدة إلى الطاقة. وستصبح مساهمة الطاقة النووية في تنويع الطاقة في بعض الدول العربية حقيقة ثابتة، لكن على المنطقة التطرّق إلى المشاكل البنيوية الإقتصادية والمؤسسية بغية التوصّل إلى حلٍّ شاملٍ لحاجات الطاقة.

* كارول نخلة باحثة غير مقيمة في مركز كارنيغي للشرق الأوسط. هي خبيرة في اقتصاد الطاقة في لندن، ومتخصّصة في العقود النفطية الدولية والأنظمة المالية لقطاع النفط والغاز، وأسواق النفط والغاز العالمية، وسياسة الطاقة، وإدارة عائدات النفط والغاز.
* ساهم في هذا البحث آلان كفوري.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى