نجاح التنوع الإقتصادي في الإمارات مثالٌ يُحتذى

بقلم الدكتور عبد الله ناصر الدين*

رغم تراجع أسعار النفط منذ منتصف العام ٢٠١٤، فقد سجّلت دولة الإمارات العربية المتحدة نمواً إقتصادياً قوياً بلغ ٣٪ في العام ٢٠١٥ كما أنه فاق ال٤٪ في الربع الثالث في بعض الإمارات. تظهر هذه النتائج تحولاً نوعياً هيكلياً حقيقياً في الإقتصاد الإماراتي، و لعلّه يمكن القول أن هذه المحطة الإقتصادية تُعتبّر الإمتحان الإقتصادي الحقيقي الأول لعقدٍ طويل من التخطيط والذي يبدو أنه أعطى ثماره. كيف استطاعت الإمارات مواجهة هذا التحدي الإقتصادي الصعب؟ وما هي عناصر هذا النجاح؟ وما هي وجهة هذا الإقتصاد في السنوات المقبلة؟
أدى إنخفاض أسعار النفط إلى مستويات متدنية جداً في العام المنصرم إلى تآكل كبير في الفوائض المالية و الخارجية ومع هذا التراجع إستطاعت الإمارات أن تستفيد من الإبتعاد من نيران المنطقة والإحتياطات الضخمة التي شكلت بديلاً محورياً من عائدات النفط الضخمة، وأهم من ذلك التنوع الكبير في الإقتصاد الإماراتي. في هذا الإطار، تشير التقارير الإقتصادية أن الإقتصاد غير النفطي نما العام المنصرم بنسبة ٥٪ مدعومةً بشكلٍ أساسي من نمو في قطاع العقارات والسياحة. إن أهمية هذه القطاعات هي أنها تشكل مصدراً بديلاً من العملات الأجنبية ورافعة للحساب الجاري عند تراجع أسعار صادرات المواد الأولية. لعب هذان القطاعان دوراً متكاملاً، فالإستثمار في البنى التحتية يشكل الدعامة الأساسية لنمو القطاع السياحي، كما أن نمو القطاع السياحي يفرض تطوير وتوسيع البنى التحتية لتتماشى مع تطور السياحة. بناءً عليه، فإن نسبة الصادرات إلى الواردات إنخفضت من ١٥٤٫٦٪ في العام ٢٠١٤ إلى ١٣٠٫٧٪ في العام ٢٠١٥ و الذي يعتبر إنخفاضاً مقبولاً جداً إذا ما قيس بمستوى تراجع النفط. و إستطراداً، فإن الحساب الجاري إستطاع الحفاظ على نسبة إيجابية بلغت ٢٫٩٪ من الناتج المحلي رغم إنخفاضه الكبير. في المقابل سجّل الإقتصاد الإماراتي عجزاً في الموازنة هو الأول منذ عقود بلغ ٥٫٥٪ من الناتج المحلي والذي يُعدّ مرتفعاً قليلاً إذ يفضل أن لا تزيد هذه النسبة عن ال٣٪، و لكن قياساً بحجم تراجع النفط فإن هذه النسبة تُعتبر مقبولة جداً في الظروف الإثتثنائية. ويبدو أنه في هذا الإطار قصدت الإمارات عدم خفض الإنفاق بنسبة تراجع الواردات. ففي حين إنخفضت الواردات بنسبة ٣٠٪ فإن الإنفاق لم ينخفض سوى ب٥٪ لتحافظ الإمارات على دعم و تطوير بنيتها التحتية لإستمرار مسيرة التنوع الإقتصادي.
ونظرةً إلى تركيبة الإقتصاد الاماراتي يتضح لنا مدى التنوع الذي حققه والذي يشكل إحدى أبرز إنجازات القيمين على السياسة الإقتصادية في هذا البلد النفطي. وتشير التجارب أن الدول التي تعتمد بشكلٍ كبير على المواد الأولية في إقتصادها تعاني من فقدان دافع التنويع بسبب إستسهالها الحصول على مصادر تمويل الإنفاق. فكان بإمكان الإمارات كغيرها من الدول النوم على عائدات النفط الوافرة حين كانت أسعار النفط مرتفعة. إن قطاع النفط والغاز يشكل ما يقارب ٣٥٪ من الناتج المحلي ومن المتوقع أن يستمر في النمو حسب خطة الحكومة لرفع الإنتاج إلى ٣٫٥ ملايين برميل يومياً مع حلول العام ٢٠١٨ تماشياً مع نمو الطلب الداخلي. والأهم من ذلك هو التنوع في القطاعات الأخرى. فالملفت في القطاع العقاري هو صموده حيث تتوقع التقارير الاقتصادية نمو هذا القطاع في السنوات المقبلة مع إستمرار التحضيرات لمشروع “إكسبو 2020”. و اللافت أيضاً هو صمود أسعار العقارات في معظم الإمارات ما عدا التي تشهد ضغوطات أكبر على الأسعار بسبب الإرتفاع الكبير في الأسعار الذي شهدته دبي مقارنةً بالإمارات الأخرى. و في موازاة ذلك، يعد قطاع النقل أحد القطاعات الأكثر ديناميكية، و يلعب دوراً أساسياً في دعم خطة الإمارات في تنويع القطاعات الإقتصادية الأخرى. فرغم التقدم الكبير الذي حققته الإمارات في مجال النقل الجوي والبري والبحري وسكك الحديد، تعمل اليوم على إستكمال هذه الخطة عبر المزيد من الإستثمارات الضخمة في مطاري دبي وأبو ظبي، وإنشاء سكة حديد بين دبي وأبو ظبي ومنها إلى السعودية وسلطنة عُمان. هذا إضافةً إلى تطوير المرافئ. و لعل أبرز الأفاق المستقبلية المشرقة في الامارات تبدو في الإستثمارات الضخمة في قطاع الطاقة البديلة وإقتصاد المعرفة. وتسعى الإمارات إلى أن تكون عاصمة الطاقة البديلة في العالم وإلى إمتلاك إقتصاد يتضمن مدناً ذكية تجسّد إقتصاد المعرفة.
لقد أدرك القيمون على السياسات الإقتصادية في الإمارات بأن نجاح تنويع الإقتصاد يعتمد على وضع تسلسل دقيق في تنفيذه. ففتح أفاق نمو إقتصادية جديدة في علم الإقتصاد يعتمد بشكلٍ أساسي على نمو الإنتاجية، ونمو هذه الإنتاجية اليوم بات مرتبطاً بتطوير البنى التحتية وإقتصاد المعرفة واللذين من شأنهما رفع الإنتاجية في الإمارات في السنوات المقبلة والحفاظ على نسب نمو مرتفعة. لقد نجحت دولة الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في الإمتحان، لم تعد دولة النفط كما يظن الكثيرون بل باتت إمارات التنوع الإقتصادي والذي يجعل منها أكثر الإقتصادات حيوية في العالم.

• خبير إقتصادي، أستاذ الإقتصاد في كلية إدارة الأعمال في جامعة بيروت العربية

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى