لماذا لن يتصاعد الصراع بين إيران والسعودية

الرياض – راغب الشيباني

كانت العلاقات بين إيران والسعودية متوتّرة منذ تأسيس الجمهورية الإسلامية في العام 1979. في البداية، أدّت عقيدة إيران بتصدير ثورتها ووجهة نظر قادتها السلبية إلى دول مثل المملكة العربية السعودية، جنباً إلى جنب مع خلق الرياض لمجلس دول التعاون الخليجي ودعمها لنظام الرئيس العراقي صدام حسين خلال حربه مع ايران 1980-1988، إلى تشاؤم سياسي متبادل. وزاد توتر العلاقات في العام 1987 بعد حادثة مكة التي ذهب ضحيتها أكثر من 400 من الحجاج الإيرانيين على أيدي قوات الأمن السعودية. ومع غياب آية الله روح الله الخميني، مؤسس الجمهورية الإسلامية، في العام 1989، ووصول الرئيس الواقعي علي أكبر هاشمي رفسنجاني إلى سدة رئاسة الجمهورية، خفّت حدة التوترات – لكنها لم تنتهِ تماماً.
في العام 2011، فيما إنتشر “الربيع العربي” في منطقة الشرق الأوسط، نما جدار عدم الثقة بين طهران والرياض أكثر سماكة. ودفعت الحروب الأهلية في سوريا واليمن الجانبين إلى مواجهات عسكرية غير مباشرة. كما أن إعدام الرياض لرجل الدين الشيعي الشيخ نمر النمر في كانون الثاني (يناير) الفائت، وسط إحتجاجات طهران، فاقم التوتر ورفعه إلى الذروة. في الواقع، لقد أدى قرار السعودية بقطع العلاقات مع إيران بعدما إقتحم متظاهرون إيرانيون المنشآت الديبلوماسية السعودية في طهران ومشهد، وحذو دول مثل السودان والصومال والبحرين وجيبوتي حذوها، إلى التسبب بحالة جديدة في العلاقات الايرانية-السعودية. في هذا الجو، أخذ المعلقون في وسائل الإعلام المختلفة يتساءلون ما إذا كان من الممكن أن تدخل طهران والرياض في مواجهة عسكرية مباشرة. الإجابة واضحة: لن تكون هناك حرب بين إيران والمملكة العربية السعودية، لخمسة أسباب رئيسية.
أولاً، إن إدارة الرئيس الإيراني حسن روحاني تنتهج سياسة المشاركة البناءة مع العالم – وهو السبب الذي من أجله إنتخبه الايرانيون في العام 2013. وفي النظام السياسي المُعقّد في إيران، يتم إنتخاب الفروع التنفيذية والتشريعية من طريق التصويت الشعبي، على الرغم من أن مجلس صيانة الدستور الذي يفحص المرشحين يجعل العملية الإنتخابية ليست حرة تماماً. في هذا النظام السياسي، فإن إتخاذ قرار الدخول في حرب ليست مهمة سهلة. لذلك، في حين أن بعض القادة السعوديين قد ضربوا طبول التصعيد، فإن إحتمال نشوب حرب صريحة يعتمد على عوامل مثل ما إذا كانت هناك إرادة سياسية لمثل هذا العمل وكيفية إختيار البلدين معالجة أزمة العلاقات بينهما. وخلاصة القول، إن الانخراط في الحرب ليست شيئا يمكن القيام به من جانب واحد. وعلاوة على ذلك، إن الحكومة الإيرانية ليس لديها أي حافز لزيادة التوتر، كما يتضح من إدانة الهجوم على السفارة السعودية في طهران من قبل مثلث القوى في السياسة الخارجية الإيرانية، وهذا يعني المرشد الأعلى آية الله علي خامنئي، والرئيس روحاني ووزير الخارجية محمد جواد ظريف. في بادرة حسن نية، أعلنت إيران أيضاً أنها سوف تستمر في إرسال الحجاج إلى السعودية لموسم الحج هذا العام. وبالتالي، إذا كانت الرياض تعتزم بدء الحرب، فإن الشعب الإيراني – سيرى نفسه على أنه ضحية إنتهاك – سوف يتحرك، وسوف يكسب أيضاً تعاطف المجتمع الدولي.
ثانياً، شارك معظم زعماء إيران الحاليين في حرب مدمّرة مع العراق وهم على علم تام بتكاليفها وتداعياتها. فقد تبوّأ روحاني العديد من المناصب العسكرية خلال الصراع، في حين أن ظريف ونوابه أيضا يتذكرون معاناة تلك الحقبة بصفتهم ديبلوماسيين. خامنئي، الذي كان رئيساً في ذلك الوقت، خدم أيضاً بصفته رئيساً للمجلس الأعلى للدفاع، في حين شغل رفسنجاني بحكم الأمر الواقع القائد العام للقوات المسلحة الإيرانية. حتى رئيس البرلمان الإيراني، علي لاريجاني، فقد خدم كقائد مع فيلق الحرس الثوري الإسلامي. وشارك أشقاء لاريجاني أيضاً، بمن فيهم رئيس السلطة القضائية الحالي صادق لاريجاني، في الصراع. العديد من الزعماء الإيرانيين المؤثرين الآخرين، بمن فيهم عدد كبير من البرلمانيين وقادة صلاة الجمعة، لديهم ذكريات مريرة من الحرب، وبعضهم كقدامى المحاربين. وعلاوة على ذلك، على الرغم من أن الحرس الثوري الإيراني في بعض الأحيان يبدو محبّذاً للمواجهات – كما في حالات الإعتقال الأخير لبحارة أميركيين أو مراقبته لحاملة الطائرات “يو أس أس هاري ترومان” في الخليج العربي – فلا يحق له إتخاذ إجراءات إعتباطية.
ثالثاً، إن طبيعة الأزمة الحالية تجعل من غير المرجح حدوث حرب. ووفقاً لتشارلز هيرمان، المحلل الشهير في القضايا المتعلقة بالسياسة الخارجية الأميركية، فإن إدارة الأزمات وإتخاذ القرارات وما يحدّد أزمة هي العناصر الثلاثة من التهديد والوقت والمفاجأة. إذا كان الوضع يهدد المصالح الحيوية للدولة ولا يسمح سوى بوقت قصير لإتخاذ القرارات، وإذا كان يحدث بشكل مفاجىء لصناع السياسة كلها ينبغي أن تؤخذ في الإعتبار. عندما يتعلق الأمر بإيران والسعودية، فإن طبيعة الأزمة لا تستوفي هذه المعايير. في الواقع، إن اللهجة السعودية ضد إيران قد خفّت حدتها في الأسابيع الأخيرة. في الواقع، قال ولي ولي العهد ووزير الدفاع محمد بن سلمان آل سعود أخيراً ل”الإيكونوميست”: “من يدفع نحو حرب مع إيران هو شخص ليس في كامل قواه العقلية”.
رابعاً، على الصعيد الدولي، تعتقد السعودية أنه في حال وقوع مواجهة عسكرية مع إيران، فإن الولايات المتحدة وبقية الغرب قد تقف على الحياد. إن قرار الرياض بقطع العلاقات مع طهران لم يتلقَّ عملياً أيَّ دعم دولي بإستثناء التأييد من دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول الأفريقية التي لا تلعب دوراً مهماً في معادلات القوة الدولية. حتى أن وزير الخارجية الاميركية جون كيري حثّ على الهدوء في أعقاب إنهيار العلاقات السعودية الايرانية. قد يكون هناك وقت، بسبب النفط في السعودية أو موقفها، كانت واشنطن تتخذ مواقف لخدمة مصالح الرياض. ومع ذلك، الآن، حتى بعض النخب في الولايات المتحدة ترى المملكة العربية السعودية كنسخة أكثر تحضراً قليلاً من تنظيم “الدولة الإسلامية” (داعش).
وأخيراً وليس آخراً، إن الإنتصار غير مؤكد في حرب إيرانية-سعودية مُحتمَلة. قد تتلقى كل من المملكة والجمهورية الإسلامية ضربات مدمرة من الأخرى، ولكن كلاهما يعرف أنه لا يملك القدرة على تدمير الجانب الآخر أو فرض تغيير النظام. لدى المملكة العربية السعودية طائرات حربية ومعدات عسكرية حديثة أكثر، في حين أن إيران لديها قدرات صاروخية وعسكريون أفضل. إن تورط الرياض في حرب اليمن هو عامل آخر يقلل من الحافز للحرب مع طهران. وعلاوة على ذلك، فإن عدد السكان في المنطقة الشرقية الغنية بالنفط في المملكة العربية السعودية غالبيتهم من الشيعة ولديهم القدرة على الثورة – وهذا الأمر يشكل ميزة لطهران لا يمكن للرياض إثارتها بسهولة من طريق العرب السنة في إيران. وأخيراً، إن سيطرة ايران على مضيق هرمز الذي تمر عبره معظم التجارة السعودية، هو عامل وقائي آخر، إذ ستفرض الحرب إعادة توجيه كل تلك التجارة إلى البحر الأحمر، وهذا الأمر ليس ممكناً في المدى القصير.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى