لماذا لا تُعقد قمة عربية حول سوريا الآن؟

دمشق – محمد الحلبي

كيف تغيّرت الأمور منذ تعليق عضوية سوريا في الجامعة العربية في العام 2011. ففيما تحاول المفاوضات في جنيف بتردد إيجاد حل للصراع السوري، فإن أولئك الذين ضغطوا من أجل إزالة بشار الأسد يجدون أنفسهم في موقف دفاعي.
والسبب في ذلك، قبل كل شيء، هو الشغل الشاغل الغربي والعربي للقضاء على “داعش” و”جبهة النصرة”. وقد حيّد هذا الأمر كل الجهود الجادة لتقويض نظام الأسد، خوفاً من أن تستفيد الجماعات الجهادية من ذلك.
مثل هذا الموقف خلق فرصة لروسيا للتدخل عسكرياً في سوريا في العام الماضي وتغيير التوازن لصالح نظام الأسد. وبدلاً من توسيع الشرخ مع الولايات المتحدة، فقد أدّت هذه الخطوة الروسية إلى مزيد من التنسيق بين موسكو وواشنطن. وكانت محادثات جنيف هي واحدة من النتائج لذلك.
مع ذلك، من وجهة نظر إثنتين من القوى الإقليمية: السعودية وتركيا، فإن الوضع مثير للقلق. في حين أن إدارة أوباما لا تعترف بذلك، فإن التقارب مع إيران وروسيا الراعيتين الرئيسيتين للأسد، يشكّل بمهارة الأهداف الأميركية في سوريا. السعوديون والأتراك، الذين كانوا من الحلفاء الرئيسيين للولايات المتحدة في الشرق الأوسط، يُنظر إليهم الآن بشكل متزايد كمُفسِدين.
ولكن إذا كان السعوديون قلقين من أميركا، فإنه ينبغي أن يكونوا أكثر قلقاً إزاء الدول العربية الأخرى. ما كان إجماعاً عربياً على سوريا يبدو أنه فُقِد اليوم. من جيران سوريا، هناك تركيا فقط التي لا تزال ترحّب بالإبعاد القسري للأسد. وبين الدول العربية الأكثر بعداً، من هي التي يمكن للسعوديين الإعتماد حقاً على تأييدها لحل عسكري؟
الأردن والعراق ولبنان كلها ترهب إنتصار الجهاديين في سوريا، حتى لو كان هناك دعم لخصوم الأسد بين سكانها. مصر والجزائر و، على الأرجح، تونس لديها مخاوف مماثلة، مع التحول المصري لعله الأهم. وعلى وجه العموم، فإن المعارضة السورية تتلقى الدعم من دون تحفظ فقط من السعوديين والقطريين ودول الخليج الأخرى.
هناك أمران خطيران في مثل هذه الحالة. الأول هو أنه من دون إتفاق بين الدول العربية حول سوريا، فقد نشأت مساحة أكبر للغرباء لفرض الحلول التي يفضلونها على البلاد. في الواقع، يبدو أن الولايات المتحدة وروسيا وإيران هي أكثر أو أقل متفقة على شيء واحد، وهو السماح للغموض أن يسود بالنسبة إلى مستقبل الأسد حتى يمكن للمحادثات أن تتقدم.
إن بدء مفاوضات جنيف بيّنت المزالق لهذا الوضع. المعارضة السورية لا تزال تهدّد بعدم المشاركة ما لم يوقف النظام السوري وحلفاؤه مهاجمة المناطق المدنية. الأميركيون، الذين عادة ما يحرصون على إتخاذ تدابير لبناء الثقة في المفاوضات، فإنهم لم يطلبوا شيئاً من الأسد أو موسكو. وبدلاً من ذلك، فقد سمحو لروسيا إدارة المرونة السورية، والسماح لموسكو ودمشق بالعمل معاً في روتين الشرطي الجيد والشرطي السيئ.
هذا الباليه الديبلوماسي الروسي الأميركي، بدعم مبعوث الأمم المتحدة بشأن سوريا، ستيفان دي ميستورا، ترك السعوديين والأتراك في وضع حرج. في الواقع، إنتقد دي ميستورا أخيراً الرياض، من دون أن يسمّيها، بسبب تعقيد جهوده لإيجاد حل للأزمة، لأنها سعت إلى السيطرة على جماعات المعارضة التي يمكن أن تذهب إلى جنيف. ولم يقل دي ميستورا شيئاً عن الأسد أو روسيا، اللذين يسعيان إلى أن يحذوان حذوها.
إذا كان يُنظَر إلى السعوديين والأتراك كعقبات أمام توافق الآراء – مهما كانت المبادىء التي يستند عليها الإجماع مُلتبسة – فذلك سيكون في غير صالحهم. آتياً ذلك مع ذيول إنهيار الوحدة العربية ضد الأسد، فهذا يمكنه أن يؤدي إلى زيادة الإضرار بالمصالح السعودية والتركية.
والخطر الثاني هو أنه فيما يشعر السعوديون والأتراك بمزيد من عدم الأمان، فقد يردٌّون بطرق متهورة، مما يضاعف من عزلتهم. إن المعارضة التركية ضد مكاسب الكرد في سوريا، على سبيل المثال، في حين أنه قد يُدافَع عنها لأسباب تتعلق بالأمن القومي، فقد خلقت شعوراً بأن أنقرة سوف تستخدم “داعش” ضد الأكراد. وهذا ليس مفيداً أبداً نظراً إلى القلق من “داعش” في كل مكان.
وعلى نفس المنوال، فإن المطالبات السعودية بأن إزالة الأسد ستتم بالقوة إذا رفض الخروج طوعاً، في حين ربما مفهومة، فهي لا تتماشى مع المزاج السياسي في هذه الأيام. أي شيء يفعله السعوديون لتنفيذ هذا الوعد سوف يُعتبَر على أنه تقويض للمفاوضات وإستفادة للجهاديين. ولكن إذا ما فشلوا في تنفيذ ما وعدوا به، فسوف يفقد السعوديون من مكانتهم وسمعتهم.
من الصعب أن نرى سبيلاً للخروج من هذا الوضع. التطمينات الأميركية للسعوديين والأتراك من غير المرجح أن تعمل، ذلك أن إدارة أوباما قد فقدت مضداقيتها بالنسبة إلى سوريا. بدلاً من ذلك، ما هو مطلوب هو نوع من الآلية التي يمكن للدول العربية المساهمة فيها. ويبدو أن هذا هو الوقت المثالي لعقد قمة عربية، لتحديد موقف مشترك بشأن سوريا. ومع ذلك، فإن حقيقة أن السعوديين قد يجدون أنفسهم في أقلية يجعل الأمر غير مرجح.
بعضهم قد يرتاح في رؤية السعوديين والأتراك في ورطة، وهذا سيكون من الحماقة. إن أي حل دائم في سوريا يجب أن يُقر من قبل كلا البلدين. ولكن على الرياض وأنقرة أيضاً تجنب عدم المرونة الضارة. إن المستفيد الوحيد من تهميشهما سيكون الأسد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى