حالة “تحالف 14 آذار” من حالة لبنان المأزومة

بيروت – سمير الحلو

مع حلول ذكرى إغتيال رفيق الحريري في 14 شباط (فبراير) في لبنان، فإن التحالف السياسي الذي نشأ بعد إغتيال رئيس مجلس الوزراء السابق في العام 2005، “تحالف 14 آذار”، لا يوجد اليوم إلّا في الإسم.
السبب الرئيسي هو إن إثنين من الشخصيات البارزة في التحالف: الرئيس سعد الحريري، نجل الرئيس المغتال ورئيس الحكومة السابق، وسمير جعجع، رئيس حزب “القوات اللبنانية”، مُنقسِمان حول إسم المرشح الذي ينبغي أن يُدعَم لرئاسة الجمهورية اللبنانية.
ما زال لبنان من دون رئيس منذ أيار (مايو) 2014، إلى حد كبير بسبب الخلافات السياسية حول من سيخلف الرئيس ميشال سليمان. والمأزق صار عميقاً اليوم.
في لبنان، ينتخب البرلمان رئيس الجمهورية، وفي 8 شباط (فبراير) الجاري إجتمع النواب للمرة ال35 للتصويت، ولكن كان هناك عدم إكتمال النصاب القانوني. والسبب هو أن النائب ميشال عون، جنباً إلى جنب مع “حزب الله” وحلفائه، قاطع جميع الجلسات وذلك لبناء ضغط لكي يُنتخَب عون رئيساً.
ومع ذلك، هناك نفاق وخبث في موقف “حزب الله”. في كانون الثاني (يناير)، لكسر الجمود، أعلن جعجع تأييده لترشيح عون، منافسه السياسي منذ فترة طويلة، للرئاسة. وكان الحساب أن هذا الموقف الجديد من شأنه أن يضع موقف “حزب الله” على المحك، ويُلزِمه بحشد حلفائه وراء عون، وكسر الجمود الذي قوّض مؤسسة الرئاسة، والتي، حسب التقاليد، تذهب إلى مسيحي ماروني. جعجع، مثل عون، هو ماروني.
لكن، منذ ذلك الحين، لم يفعل “حزب الله” أي ضغط على حلفائه للتصويت لصالح عون، الذي من شأنه أن يسمح له للفوز في الإنتخابات. وهذا الأمر أطال فترة الجمود، الذي كما يبدو هدف “حزب الله” الحقيقي.
وقد إتخذ جعجع قراره بعدما دعم الحريري، أيضاً لملء الفراغ الرئاسي، مارونياً آخر، النائب سليمان فرنجية، للرئاسة. جاء ذلك بمثابة صدمة لرئيس حزب “القوات اللبنانية”. لم يكن جعجع في ذلك الوقت فقط المرشح الرسمي ل”تحالف 14 آذار”، ولكن فرنجية هو خصم سياسي قديم وصديق الرئيس بشار الأسد. لذا ليس من المستغرب أن جعجع شعر بالخيانة، وعلى هذا الأساس قرر دعم عون.
كل هذه التحركات، التي جرت من دون مشاورات، كانت مُدمِّرة ل”حركة 14 آذار”. ومع ذلك فإن التحالف السياسي كان يعاني منذ سنوات. لقد كان الخلاف بين الحريري وجعجع فقط أحدث مظهر من مظاهر مشكلة أكثر عمقاً.
إتّحدت “حركة 14 آذار” حول مبدأين أساسيين في العام 2005: المعارضة ضد عودة الهيمنة السورية على لبنان بعد الإنسحاب العسكري السوري في ذلك العام؛ ومعارضة جهود “حزب الله” للسيطرة على النظام السياسي اللبناني، سواء من طريق العنف أو إستمرار الجمود.
وجاءت أول ضربة قوية لقوى 14 آذار في العام 2009، عندما أعلن القيادي البارز في الإئتلاف، وليد جنبلاط، بأنه سيرحل وينتقل إلى الوسط السياسي. في ذلك الوقت شعر الزعيم الدرزي، بشكل صحيح، أن المملكة العربية السعودية، الراعية للحريري، تدفعه وتضغط عليه للتوافق مع الرئيس الأسد. لتجنب العزلة أصبح جنبلاط مستقلاً وفتح الخطوط مع سوريا.
بعد نحو سنة كانت توقعات جنبلاط حقيقية. لقد قام الأسد، يرافقه الملك عبد الله عاهل السعودية، بزيارة إلى بيروت وكان في إستقباله الحريري، الذي كان إتهمه سابقاً بإغتيال والده. وكانت هذه الخطوة إنتكاسة أخرى ل”تحالف 14 آذار”.
وقد عاد الإئتلاف إلى إحياء نفسه في العام 2011، بعدما أطاح “حزب الله” وعون الحريري، رئيس الوزراء آنذاك، وحكومته وهو على أبواب البيت الأبيض. لقد وحّدت الإنتفاضة في سوريا “إئتلاف 14 آذار”، فيما وحّدت خصوم الأسد. مع ذلك، فقد تميزت تلك الفترة أيضاً بالتوترات بين الحريري وجعجع – حول إقتراح قانون للإنتخابات مثير للجدل، وحقيقة أن الحريري قد غادر لبنان، أعاق كل تنسيق سياسي.
لكن، مع إستعادة الأسد الآن زمام المبادرة في داخل بلاده، وسعي “حزب الله” إلى الإستفادة من الإنتعاش الإيراني الإقليمي لإعادة تشكيل النظام السياسي اللبناني لصالحه، فإن الحاجة إلى تشكيل إئتلاف متماسك للمواجهة هو أكثر إلحاحاً من أي وقت مضى. لقد كان “تحالف 14 آذار” من دون إستراتيجية، ولكن هذا لا يقلل من ضرورة وجوده وأهميته للتوازن على الساحة اللبنانية.
مع ذلك، تشير آخر التطورات بأن هذا الجسر بعيد جداً. محاصَرون بخلافاتهم التافهة، وغالباً ما تعكس مصالح القوى الإقليمية التي ليست لديها أي رغبة في تسهيل الإختراق، فإن أعضاء الطبقة السياسية في لبنان لم يبدوا أبداً مُجديين لأنهم تابعون. إن متاعب “حركة 14 آذار” تعكس هذه الحالة العامة من التدهور.
من جهته، يعمل “حزب الله” على إطالة أمد الفراغ السياسي لسبب ما. إن الحزب يسيطر بالفعل على النظام السياسي في لبنان ويرغب أساساً في خلق بيئة سياسية لإضفاء الشرعية على ترسانة أسلحته. من المحتمل أيضاً أنه يرغب في زيادة تمثيل الشيعة في الدولة، وإن كان هناك بعض التساؤلات حول ما إذا كان الحزب قادراً على فعل ذلك من دون توافق في الآراء.
إن السياسة الطائفية اللبنانية هي غالباً حالة من الجماعات المُتباينة التي تتوافق مصالحها لمنع قوة سياسية واحدة أو مجموعة من القوات من السيطرة. لقد بدأ “إئتلاف 14 آذار” على هذا النحو كتحالف متلاقي المصالح، وإذا ضغط “حزب الله” للحصول على رغباته فإن تشكيلة جديدة ستأخذ شكلاً لمنع ذلك.
قد تدعو نفسها 14 آذار أو أي شيء آخر، ولكن الأهداف الأوسع لأولئك الموجودين فيها لن تكون مغايرة. إنه تحالف يحدده أعداؤه. وهذا هو الضعف والقوة في “تحالف 14 آذار”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى