لماذا نجح المغرب في مواجهة الإرهاب حتى الآن؟

على الرغم من عواصف الإرهاب والثورات التي ضربت منطقة شمال أفريقيا، فقد إستطاعت المملكة المغربية مواجهة كل التحديات حتى الآن مستندة إلى إستراتيجية ثابتة تقوم على تثبيت الإصلاحات الدستورية التي أطلقها العاهل المغربي الملك محمد السادس في العام 2011 والسهر على بناء إقتصاد مزدهر يستطيع تخفيض معدل البطالة وخصوصاً بين الشباب.

مدينة العيون: خطة كبرى لتحديثها
مدينة العيون: خطة كبرى لتحديثها

الرباط – مصطفى الزياني

على الرغم من أن تزايد عدد الهجمات الإرهابية في الولايات المتحدة وأوروبا كانت له علاقة بشمال أفريقيا، فإن صانعي القرار في واشنطن والعواصم الغربية لم يغيّروا عدم مبالاتهم وإيلاء الإهتمام اللازم للمنطقة. وعلى النقيض، ينظر كلٌّ من تنظيمي “الدولة الإسلامية” (داعش) و”القاعدة” إلى المنطقة كمركز أساسي لإستراتيجيتهما. الحقيقة بأن منطقة شمال أفريقيا قد تحوّلت وصارت أفغانستان جديدة: تعود أسباب ذلك إلى فسيفساء من الدول الفاشلة والآيلة إلى الفشل، وأراض خصبة للمتشددين الإسلاميين لجمع المجنّدين، وتدريبهم، وجعلهم أكثر تصلباً وتطرفاً للقتال. وبعدما يُتقن هؤلاء فن الحرب وتصبح لديهم الثقة، فإنهم يصبحون إرهابيين ينفّذون هجمات في جميع أنحاء العالم.
في شمال أفريقيا، منحت الجماعات المتطرفة الولاء لتنظيم “الدولة الإسلامية” أو تنظيم “القاعدة”. ليبيا وحدها هي الآن موطن لحوالي 5000 من الإرهابيين المؤيدي ل”داعش”، يشاركون الآن في الحرب الأهلية الثانية في البلاد في غضون خمس سنوات. وقد إدّعت الجماعات المتحالفة مع تنظيم “الدولة الإسلامية” المسؤولية عن هجومين كبيرين في تونس في العام 2015. وفي الجزائر، إختطفت جماعات متحالفة مع تنظيم “القاعدة” أو تنظيم “داعش” سياحاً أوروبيين، وقتلت مهندسين غربيين في مصنع للغاز، وزرعت قنابل لا تعدّ ولا تُحصى. وكما كان الحال في أفغانستان في أوائل تسعينات القرن الفائت، فإن المسؤولين الأميركييين غير مبالين أو مهتمين إلى حد كبير بالنسبة إلى نمو التهديد. فهم يدافعون عن تقاعسهم السابق في شمال أفريقيا بإشارتهم إلى ليبيا، بحجة أن تدخل الحلف الأطلسي هناك فشل في إنتاج حكومة مستقرة في الوقت الذي ترسل موجات من اللاجئين إلى أوروبا. لكن تقييماً أكثر حذراً حول ليبيا يدل على أن الإنزلاق الذي تلا الى حرب اهلية وفوضى كان لا مفر منه: فقد ظهر ديموقراطيون ليبراليون حقيقيون في الجماهيرية السابقة بعد سقوط الديكتاتور معمر القذافي، لكنهم كانوا يحتاجون إلى دعم من الولايات المتحدة وأوروبا الذي لم يصل أبداً. إن الجواب عن المشاكل التي تواجهها منطقة شمال أفريقيا ليست بتدخل عسكري ولا بإنعزالية أميركية، وإنما بدعم المجتمع المدني وحقوق الإنسان والتنمية الإقتصادية. وهذا يقتضي بذل جهود مستديمة لإستباق تجنيد الإرهابيين من خلال دعم التحوّلات السلمية ومساعدة غالبية السكان في بقاء الدولة.
في بعض النواحي، إن نجاح المغرب في تجنب عواصف المنطقة على مدى السنوات الخمس الماضية يوضّح هذه النقطة. لقد واجهت المملكة التحديات عينها التي واجهت وتواجه دول شمال أفريقيا الأخرى – من هجمات إرهابية إلى رياح معاكسة إقتصادية. لكنها تبنّت سياسات مختلفة عن جيرانها: على عكس الحكام العرب الآخرين الذين حاولوا مقاومة التغيير خلال “الربيع العربي”، فقد قاد العاهل المغربي الملك محمد السادس إصلاحات دستورية شاملة – متنازلاً عن سلطات كبيرة لرئيس الحكومة المُنتخب من الشعب. وصان الدستور الجديد أيضاً الحقوق القانونية للمرأة والأقليات الدينية، بما في ذلك المجتمع اليهودي في البلاد. كما حفّزت إصلاحات السوق الحرة النمو الإقتصادي والإستثمارات الأجنبية في البلاد. وأُلغيت القوانين التي لا داعي لها وتعيق الأعمال، وتم تعزيز حماية الملكية الخاصة. وإستمرت ملكية الدولة في التقلّص فيما صارت الشركات الخاصة توفّر مجموعة متزايدة من الخدمات – من الهواتف النقالة إلى الخدمات المصرفية.
لقد أثبت الزخم الجديد للنمو في المغرب على أنه سلاح “قوة ناعمة” مهم ضد الإرهاب – بما في ذلك المنبثق عن الجماعة الإنفصالية جبهة “البوليساريو”. على بقايا من الدعم السوفياتي للثوار الأفارقة، قامت جبهة البوليساريو بهجمات مسلحة منذ سبعينات القرن الفائت ضد المملكة المغربية. وهي تسعى إلى الحصول على شريحة من النصف الجنوبي من المغرب، وإقامة جمهورية “الصحراء الغربية” على غرار المجلس العسكري الجزائري السابق. في جيبها الجزائري، فهي تحكم بديكتاتورية الحزب الواحد الذي يدير إقتصاد مقايضة. ورغم أن لديها آلاف المقاتلين المسلحين، فإنه لا توجد محطة للطاقة الكهربائية في منطقتها. وقد دفع الفقر بعض عناصر البوليساريو إلى توجيه الإرهابيين عبر الصحراء أو بيعهم أسلحة – التي يستفيد منها كلٌّ من تنظيم “القاعدة” والجماعات المتحالفة مع “داعش”. وتفيد المعلومات أن هناك الكثير من الشباب في جبهة البوليساريو يسعى إلى الإنضمام إلى المسلحين الإسلاميين الجهاديين، في حين يهدف عدد مذهل من النساء إلى الزواج منهم. في هذا السياق المضطرب، فإن الجهاد يقدم إجابة مقنعة عن الحرمان.
الجواب المغربي عن هذه الظاهرة كان الرفع السريع لمستوى العيش في الأراضي ذاتها التي تدّعيها البوليساريو لنفسها، في جنوب المغرب. قبل ثلاثة عقود، كان دخل الفرد في الجنوب نحو نصف دخل الفرد في الشمال. اليوم، لا يوجد هناك فرق على أساس نصيب الفرد. ويعود الفضل في الازدهار الحاصل في جنوب المغرب إلى الملك محمد السادس، الذي جعلت إصلاحاته الاقتصادية والقانونية الأمر ممكناً. ونتيجة لذلك، فإن المستثمرين الأجانب والشركات الغربية قد بنت الفنادق ومنشآت الشركات، ومرافق الموانئ. وفي الوقت نفسه، ضغط الملك على الحكومة لتمويل المطارات والمدارس والمستشفيات والمياه ومحطات الكهرباء – حيث أنفقت حوالي 10 مليارات دولار منذ العام 2001. وفي مدينة العيون، أطلق الملك محمد السادس أخيراً العديد من المشاريع، بما في ذلك مرافق الأسمدة وميناء جديد، وجميعها تستعد لخلق فرص عمل جديدة. وفي المدينة الجنوبية المغربية “الداخلة”، تم إطلاق خطة واسعة للتنمية الإقتصادية والاجتماعية بملايين الدولارات. إن مسألة “الفلسفة، والرؤية والإتجاه” وفقاً للملك، تهدف إلى تحديث المدينة وخلق الفرص للسكان. كما هو الحال في مشروع مماثل أطلق العام الماضي في العاصمة الإقليمية “العيون”، تدعو الخطة للإستثمار المباشر في الصناعة والخدمات، ومصائد الأسماك، والزراعة، والسياحة – وتوسيع وتحسين البنية التحتية الأساسية.
من خلال توسيع ميناء الداخلة، فإن المشروع يهدف إلى تحويل الجنوب المغربي إلى مركز محوري للموانئ الأفريقية على الأطلسي، واضعاً المنطقة على الخريطة لجعلها بوابة بارزة للقارة السمراء. وقد تم جلب خبرات هائلة لتشارك في تطورها – مع التركيز على ربط البنية التحتية للميناء بأوروبا، ولا سيما عبر جزر الكناري (لاس بالماس)، وأبعد من ذلك إلى الغرب إلى أميركا الشمالية. هذا الميناء الجديد المتميز بمياهه العميقة، الذي يتطلب إستثمارات بقيمة 200 مليون دولار، سيكون على مقربة من تطوير مصائد الأسماك والمشاريع التجارية في المنطقة.
الواقع أن هذه المشاريع تتهيّأ لتغيير حياة الصحراويين في المغرب. في الوقت عينه، فإن أقاربهم في مخيمات البوليساريو يتوقون إلى حياة يقدمها جنوب المغرب: إنهم يريدون من قادتهم التوصل إلى تسوية سلمية مع الرباط بحيث أنهم أيضاً قد يتمتعون بالرخاء والحرية. وقد فقدت القيادة في المخيمات سيطرتها على المعلومات، ذلك أن سكان المخيمات يمكنهم أن يروا الآن الإزدهار وكيف يعيش أقرباؤهم عبر الحدود على هواتفهم الذكية: يشحنون أجهزتهم النقالة من بطاريات السيارات، ويشاهدون أشرطة الفيديو المُرسَلة إليهم من أقاربهم في جنوب المغرب، ويرون المباني السكنية الشاهقة والطرق السريعة المزدحمة، والكهرباء على مدار 24 ساعة، والمياه الساخنة والباردة الجارية. هذه هي “معجزات” بالنسبة إلى سكان الصحراء – وهي تجذب حوالي 10،000 شخص سنوياً من معاقل جبهة البوليساريو الذين يبغون حياة كريمة في المغرب. تماماً كما كان الترياق للشيوعية في ألمانيا الشرقية الإزدهار في ألمانيا الغربية، فإن جاذبية إقتصاد المغرب النشيط والمرن يستنزف بشكل مطرد وتدريجي الشباب الذين هم في سن القتال إلى خارج الصحراء.
وبإعتراف الجميع، إن أخذ صمود المغرب كمثال لبلدان شمال أفريقيا الأخرى يشكل مشكلة: في إجرائه الإصلاحات الدستورية والاستثمارية في جنوب المغرب، فإن الملك محمد السادس إعتمد على شرعية ولدت منذ قرون، وشبكة من التحالفات الخارجية القوية المزروعة على مدى عقود. إن كل إحتياجات وقدرات البلدان الأخرى في المنطقة هي أساسية أكثر، فضلاً عن أنها أكثر ألماً وقساوة. قياداتها وسكانها الذين أنهكتهم الحرب لا يزالون بعيدين من الإعتماد على الذات، حيث يحتاجون إلى مساعدة كبيرة من أجل إقامة نوع من الإستقرار. وفقاً لذلك، فإنهم في حاجة ماسة إلى الولايات المتحدة والبلدان الغربية لتقود تنمية بلدانهم، وإطلاق الإصلاحات الإجتماعية والسياسية، والاستثمارات اللازمة للنمو الإقتصادي. لقد كانت تلك التدابير فعّالة في المغرب، ويمكن أن يستفيد منها جيرانه. والبديل – التراخي – يضمن عملياً مزيداً من موجات اللاجئين إلى أوروبا، وتحقيق المزيد من نمو القواعد الإرهابية التي تقوم بالتجنيد والتدريب وتهديد أمن المدنيين في جميع أنحاء الشرق والغرب.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى