لماذا لم تستطع “حماس” الحصول على الشرعية الدولية؟

تسعى “حركة المقاومة الإسلامية” الفلسطينية المعروفة إختصاراً “حماس” منذ أن وصلت إلى السلطة منذ عشر سنين بالكمال والتمام، إلى الحصول على الشرعية الدولية، مستعينة بإستراتيجية كان إستخدمها الزعيم الراحل ياسر عرفات للحصول على الشرعية الدولية لمنظمة التحرير الفلسطينية. ولكن لماذا لم تستطع الحركة الإسلامية تحقيق هدفها كما فعل أبو عمار؟

خالد مشعل: حاول شرعنة الحركة دولياً لكنه فشل.
خالد مشعل: حاول شرعنة الحركة دولياً لكنه فشل.

رام الله – سمير حنضل

قبل عشر سنين حققت “حركة المقاومة الإسلامية” (حماس) فوزاً كبيراً في الإنتخابات التشريعية الفلسطينية. وبعد ذلك بعام، إستولت على قطاع غزة وسيطرت عليها منتصرةً على قوات حركة “فتح” الموالية لرئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس. وبعد مرور عقد، لا تزال الحركة تسيطر على القطاع بأكمله، على الرغم من أنها تخلّت تقنياً عن سلطتها كجزء من إتفاق المصالحة مع حركة “فتح” في العام 2014.
لم تعرف “حماس” وقتاً سهلاً في السلطة. بصرف النظر عن صراعها “الأبدي” مع “فتح” على قلب وروح القضية الفلسطينية، كان على المجموعة أن تتعامل مع ناخبين مُصابين بخيبة أمل من سجلّها الضعيف في الحكم والإنقسامات الداخلية بين البراغماتية والإيديولوجيات. كما أن الحصار الإقتصادي الإسرائيلي والحملة العسكرية الإسرائيلية الجائرة التي شملت هجومين واسعي النطاق على قطاع غزة، طغتا وخيَّمتا أيضاً على حكم “حماس”.
مع ذلك، فإن هذا الوضع هو شاهد على بقاء قوة المجموعة، ناهيك عن ضعف حركة “فتح” والحدود السياسية لإستراتيجية إسرائيل لمكافحة “حماس”، وبأن الحركة الإسلامية الفلسطينية لا تزال لاعباً سياسياً فعلياً في الساحة الفلسطينية. ورغم كل ذلك، فقد فشلت “حماس” في تحويل سلطتها الدائمة إلى إعتراف رسمي وشرعي على الساحة العالمية والذي تريده وتسعى إليه بشكل كبير. في آذار (مارس) 2015، قال باسم نعيم، وزير الصحة السابق في غزة لموقع “المونيتور نيوز” أن “الحركة تجري إتصالات مع العديد من البلدان في جميع أنحاء العالم وفي أوروبا، للتغلب على عزلة “حماس””. مضيفاً بأن “بلداناً عدة تتواصل معنا، لكنها لا تريد، كما أنها لا تشجع، إعلان ذلك على الملأ لأسباب خاصة”.
بعد عشر سنين، ليس هناك الكثير لتتفاخر به الحركة، خصوصاً أن قادتها قد أمضوا العقد الماضي في العمل لكسب الشرعية الدولية. في العام 2009، شوهد صحافي أوسترالي، كان إلتقى في سوريا زعيم حركة “حماس”، خالد مشعل، مع مجموعة من النواب البريطانيين واليونانيين والإيطاليين، يتهكم مازحاً بأن مشعل يدرس بناء “موقف للسيارات التي ستجلب الوفود الأجنبية لزيارته”.
لقد واصل مشعل لقاء الشخصيات العامة من مختلف أنحاء العالم، بما في ذلك، على الأخص، الرئيس الأميركي السابق جيمي كارتر. كما أن إسماعيل هنية، الذي يدير حركة “حماس” في غزة، لم يكن أقل نشاطاً. لقد سافر من شمال أفريقيا إلى الخليج العربي في مهام رسمية، ورحّب بالتدفق المستمر لبعثات تقصي الحقائق والوفود الرسمية إلى القطاع الساحلي المُحاصَر في غزة. وقد أقام مكتبه أيضاً صلات واسعة مع ديبلوماسيين من المستوى المتوسط يمثلون “الديبلوماسية الرباعية الدولية”: الأمم المتحدة، والولايات المتحدة، والإتحاد الأوروبي، وروسيا – وتشارك الرباعية في التوسط في عملية السلام الإسرائيلية – الفلسطينية.
في الأشهر الستة الماضية، إجتمع كبار مسؤولي “حماس”، بينهم مشعل وهنية، مع رئيس الوزراء البريطاني السابق طوني بلير، والملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود، ووزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف، والرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ورئيس جنوب افريقيا جاكوب زوما. هذه “الإجتماعات الدورية،” كما وصفها أخيراً متحدث بإسم حركة “حماس”، رفضها بعض المراقبين، مثل المسؤول السابق في السلطة الفلسطينية غيث العمري، وإعتبر بأن أعضاء حماس يعطونها أهمية أكثر مما نتج منها. في الواقع، كان لقاء مشعل مع زوما في كيب تاون هو المرة الأولى التي يستضيف فيها رئيس دولة غير مسلم رئيس المكتب السياسي لحركة “حماس”.
الواقع أن “حماس” واجهت صعوبة في كسب الشرعية الدولية إلى حد كبير لأنها رفضت تلبية شروط ثلاثة وضعتها اللجنة الرباعية الدولية في العام 2006 وهي: نبذ العنف، والإعتراف بإسرائيل، وقبول إتفاقات السلام التي سبقت صعودها إلى السلطة. عشية إنتخابات 2006، قال متحدث بارز بإسم “حماس” لهيئة الإذاعة البريطانية “بي بي سي” أنه حتى لو إنسحبت إسرائيل من جميع أراضي الضفة الغربية والقدس، فإن “حماس” لن تكون مستعدة إلّا إلى تقديم هدنة لمدة عشر سنين.
في أعقاب فوزهم في الإنتخابات، كان قادة “حماس” مصرّين على رفضهم التنازل لأيٍّ من مطالب الرباعية، حتى أمام خطر فقدان المساعدات الخارجية إلى غزة. “إننا مستعدون لأكل أوراق الزعتر والأعشاب والملح، ولكن لن نكون خونة ولن نكون مذلولين”، وعد هنية ساخطاً بعدما أصبح أول رئيس للوزراء عن “حماس” في آذار (مارس) 2006. ولم يكن مشعل أقل تحدياً. “سوف نحقق أهدافنا معكم أو من دونكم”، مشيراً إلى قادة اللجنة الرباعية الدولية.
لكن لم يدم تبجّحهما طويلاً. بعدما خفتت نشوة ما بعد الإنتخابات وهدأت، أدرك قادة “حماس” بأن ليس لديهم خيار سوى الإستمرار في حملة ديبلوماسية لمواجهة محاولات إسرائيل والسلطة الفلسطينية لتقويض فوزهم في الإنتخابات وتهميشهم على الساحة الدولية. ومع ذلك، فإنهم لم يتنازلوا لأيٍّ من مطالب اللجنة الرباعية. في الواقع، فقد إستمروا في رفض الشروط وإعتبارها بأنها غير عادلة وغير منطقية. في مطلع كانون الثاني (يناير) الفائت، لم تقل “حماس” أنها في السنة الجديدة سوف تعترف بإسرائيل أو تنبذ العنف، ولكن وعدت بأن 2016 “ستشهد … تصعيداً … لجميع أشكال عمليات المقاومة”.
على الرغم من هذا المأزق، فقد أبدى مسؤولو “حماس” ثقة على مدى العقد الماضي بأن الأمر ليس سوى مسألة وقت حتى تحقق المجموعة إنفراجاً ديبلوماسياً حقيقياً. سبب هذه الثقة: أوروبا.
الإتحاد الأوروبي و”حماس”
قبل إنتخابات العام 2006، كافح الإتحاد الأوروبي مع سياسة “حماس”، التي أثارت سنوات من النقاش والخلافات الشديدة وغالباً العامة. في العام 2003، سائراً على خطى الولايات المتحدة، وضع الإتحاد الأوروبي المجموعة على قائمته السوداء الإرهابية. وقد عارض عدد من الدول الأعضاء، بما في ذلك فرنسا وإيرلندا وإسبانيا، هذه الخطوة كجزء من الإحتجاج ضد ردّ إسرائيل العنيف على إنتفاضة الأقصى. في العام 2004، كشف منسق السياسة الخارجية للإتحاد الأوروبي خافيير سولانا، بأنه عقد إجتماعاً سرياً مع “حماس” لبحث الشروط لتحسين العلاقات، لكنه تراجع في وقت لاحق عن هذا الإدّعاء. وبعد نجاح الحركة الشرعي في الإنتخابات البلدية الفلسطينية في أيار (مايو) 2005، التي مهّدت لإنتخابات المجلس التشريعي في 2006، أعاد الإتحاد الأوروبي مرة أخرى النظر في الحظر المفروض على الحركة الإسلامية.
شكّلت رسائل أوروبا المختلطة دوافع لدى “حماس” لتركيز طاقاتها على القارة العجوز، حتى قبل إنتصار 2006، من خلال نهج “أوروبا أولاً” الديبلوماسي الذي كانت تأمل منه في أن يؤدي إلى إعتراف واسع النطاق أكثر في جميع أنحاء المجتمع الدولي.
وتشير الدلائل من أوروبا إلى أن هذه الخطوة كانت ذكية. فقد دعا رئيس الوزراء الإيطالي رومانو برودي دول الإتحاد الأوروبي إلى تبني بدلاً من تهميش “”حماس” الديموقراطية والمتعاوتة”حديثاً. وقارن وزير خارجيته، ماسيمو داليما، المجموعة الإسلامية بتنظيم “شين فين”، الجناح السياسي للجيش الجمهوري الإيرلندي، الذي إنضم الى حكومة تقاسم السلطة في إيرلندا الشمالية بعد إتفاق السلام في 1998. وإقترح أركي تيوميويا، وزير خارجية فنلندا، على الإتحاد الأوروبي وجوب التعامل مع “حماس”، قائلاً: “إنها ليست الحركة نفسها التي كانت قبل الإنتخابات”.
مدعوماً بمثل هذا الكلام، أعلن وزير خارجية حركة “حماس” في حينه محمود الزهار، في نيسان (إبريل) 2006، أنه “على إستعداد للذهاب إلى أوروبا وإلى البلدان التي هي على إستعداد لقبولنا”. وفي أيار (مايو) من العام نفسه، أصدرت السويد تأشيرة دخول إلى أحد وزراء “حماس” لزيارة أوروبا. وبحلول نهاية العام الأول لحركة “حماس” في السلطة، كان الإتحاد الاوروبي وافق على خطة سلام طرحتها فرنسا، وإيطاليا، وإسبانيا، والتي تضم خمس نقاط، حيث لا وجود لأيَّة نقطة تطالب “حماس” صراحة بالإعتراف بحق إسرائيل في الوجود. وفي آذار (مارس) 2007، تحدث مفوّض العلاقات الخارجية السابق للإتحاد الأوروبي، كريس باتن، والذي كان أيضاً عضواً في مجلس اللوردات البريطاني، بلسان كثيرين في جميع أنحاء أوروبا عندما رفض سياسة الاتحاد الأوروبي التي تدعو إلى مقاطعة حكومة “حماس” وإعتبرها نوعاً من العبث وقال انه “حان الوقت لنكون حقيقيين ومنطقيين”.
لم تكن أولوية “حماس” باالتركيز على أوروبا مستندة فقط على إشارات إيجابية آتية من الإتحاد الأوروبي، ولكن أيضاً على محاولة تعكس إستراتيجية كان إعتمدها ياسر عرفات ومنظمة التحرير الفلسطينية في سبعينات القرن الفائت. يومها، على الرغم من التصريحات المتشدّدة في أوروبا حول القضاء على الإرهاب والتأكيد على حق إسرائيل في الوجود، فقد تمكنت منظمة التحرير الفلسطينية من إضفاء الشرعية على موقفها في أوروبا عبر قنوات الباب الخلفي. على الرغم من أن منظمة التحرير الفلسطينية لم تكن جهة رسمية مشاركة في الحوار العربي الأوروبي في العام 1974، على سبيل المثال، فإن جهودها للمشاركة في هذه المناقشات دفعت أرباحاً حقيقية. وكما أشار أحد كبار ممثلي منظمة التحرير الفلسطينية في الحوار في وقت لاحق، كان يمكن لمسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية السفر إلى أوروبا لأسباب ظاهرياً غير سياسية كأعضاء في الوفود الثقافية والإجتماعية والعمل. ومن خلال هذه الوفود، إكتسبت منظمة التحرير الفلسطينية القبول السياسي في العواصم الأوروبية الرئيسية، بما في ذلك بون وباريس. بعد فترة وجيزة، كان سياسيون بارزون من فرنسا وإيطاليا واليونان والبرتغال وإسبانيا يكرّمون عرفات ومرؤوسيه. وبحلول نهاية سبعينات القرن الفائت، كانت صحيفة “نيويورك تايمز” تتوقع وتتساءل عن الدولة العضو في الإتحاد الأوروبي التي ستستقبل عرفات في أول زيارة رسمية.
وسريعاً إلى منتصف العام 2006، عندما زار الوزير في حكومة “حماس” الدكتور عاطف عدوان ألمانيا من طريق تأشيرة سويدية. هناك إلتقى مع أعضاء البرلمان الألماني في ما وصف بأنه لقاء “لتبادل خاص وغير رسمي للأفكار”. ووصفت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الزيارة بأنها “مُزعِجة” وكررت إلتزام ألمانيا بشروط اللجنة الرباعية الدولية. من جهتهم لم يكن قادة “حماس” منزعجين. فقد رأوا بأن زيارة عدوان تشكل دليلاً على أن إستراتيجيتهم “أوروبا أولاً” سوف تؤتي ثمارها تدريجاً. المزيد والمزيد من القرارات الرئيسية، مثل إنضمام حركة “حماس” الى حكومة وحدة وطنية مع حركة “فتح” في منتصف العام 2007، تأثرت في الإعتقاد بأن مثل هذا الإجراء من شأنه أن يفتح الباب لزيارات رفيعة المستوى إلى عواصم أوروبا.
لقد كانوا مخطئين. حتى يومنا هذا، لم يقم أي مسؤول رفيع المستوى من “حماس” في أي زيارة رسمية إلى العواصم الكبرى أو حتى الصغرى في الإتحاد الأوروبي. لقد أساءت الحركة الاسلامية قراءة إستعداد الإتحاد الأوروبي لمكافأة المجموعة ديبلوماسياً قبل أن توفي بشروط الرباعية الدولية. في الواقع، بعد الإنقلاب العنيف لحركة “حماس” في تموز (يوليو) 2007، والذي أخرج “فتح” تماماً من قطاع غزة، شدّد الإتحاد الأوروبي موقفه ضد الحركة. وأدان الإنقلاب، وجمّد كل التمويل المباشر للمجموعة، ودعم قرار رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس بحل حكومة الوحدة الوطنية بين “فتح” و”حماس” وتعيين حكومة خالية من الحركة الإسلامية.
وصار الموقف الأوروبي أكثر صرامة. في أعقاب حرب غزة في أوائل العام 2009، وضع السياسي البلجيكي لويس ميشيل، الذي كان مفوض الاتحاد الأوروبي للتنمية والمساعدات الإنسانية، “المسؤولية العظمى” للصراع على عاتق حركة “حماس” حيث قال بأنها “حركة إرهابية” وينبغي عليها “رفض العنف”. وعودة إلى أوروبا، فقد شدّدت الدول الأعضاء سياساتها من طريق حظر الجمعيات الخيرية التابعة ل”حماس” التي تعمل بشكل مباشر أو غير مباشر “ضد حق إسرائيل في الوجود”، كما أوضح وزير الداخلية الالماني توماس دي مايزيره في العام 2010.
ومع ذلك فقد رفضت “حماس” التخلي عن إستراتيجيتها “أوروبا أولاً”. منذ العام 2011، سعت قيادة الحركة إلى إزالة إسمها من القائمة السوداء الإرهابية للإتحاد الأوروبي. لقد جادل مشعل بأن “الإعتدال والمرونة” اللتين ميّزتا سياسة الحركة منذ العام 2006 تستحق إزالة إسمها من القائمة، لكن صانعي السياسة الأوروبيين رفضوا ذلك. وبعدما فشلت في تحقيق أي تقدم على الجبهات الديبلوماسية أو السياسية، فقد لجأت حماس الغاضبة أخيراً إلى المحاكم. في أواخر العام 2014، أصدرت محكمة العدل الأوروبية حكماً بأن إسم “حماس” يجب أن يُلغى من القائمة السوداء للإرهاب في الاتحاد الأوروبي، ولكن فيديريكا موغيريني، مفوّضة الشؤون الخارجية في الإتحاد الأوروبي، تلقت الحكم بهدوء، ووعدت ب”الإجراء العلاجي المناسب”، وعلى أثر صوّت ال28 وزيراً للخارجية في دول الإتحاد الاوروبي على إستئناف قرار المحكمة.
إن فشل حركة “حماس” في كسب موطىء قدم سياسي في أوروبا يمكن شرحه بسهولة. أولاً، على الرغم من أن الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن كبار المسؤولين في بروكسل، يعترفون ب”حماس” كلاعب رئيسي بالنسبة إلى الفلسطينيين، فإنهم يخشون بأن مواقفها تجاه إسرائيل والسلطة الفلسطينية بقيادة “فتح” تضر بشدة بالهدف الطويل الأجل لحل الدولتين. إنهم يأملون في إقامة دولة فلسطينية معتدلة تحكمها “فتح”، التي يمكنها أن تعيش بوئام مع إسرائيل آمنة. هذه الرؤية للسلام، وإن كانت لا تزال بعيدة من التحقيق، فإنها تحتل مكاناً خاصاً في الوعي السياسي الأوروبي. وهذا ما يفسر: 1) لماذا حارب الاتحاد الأوروبي لكي يكون لمنظمة التحرير الفلسطينية التي تهيمن عليها “فتح” دوراً في عمليات السلام في سبعينات وثمانينات القرن الفائت؛ 2) لماذا بقي الدعم الأوروبي للسلطة الفلسطينية بقيادة “فتح” قوياً في عصر أوسلو في تسعينات القرن الفائت؛ 3) لماذا، بعد إنهيار إتفاقات أوسلو في العام 2000، رفض الإتحاد الأوروبي الإستجابة للضغوط الإسرائيلية والأميركية لوقف دعم عرفات وحركة “فتح”؛ 4) لماذا لم تكن أوروبا مستعدة للتخلي عن محمود عباس، خليفة عرفات، بعد فوز “حماس” في الإنتخابات التشريعية الشرعية بعد العام 2006.
من ناحية أخرى، كانت إستراتيجية حماس “أوروبا أولاً” أيضا ضحية توقيت سيِّىء. لقد تزامنت مع فترة ذهبية في التعاون الإقتصادي بين الإتحاد الأوروبي وإسرائيل، وخصوصاً في قطاع التكنولوجيا الفائقة. وقد أدّى ذلك إلى إجماع متزايد بين زعماء الإتحاد الأوروبي بأن أي تحرّك للإعتراف ب”حماس”، في حين أنها لا تزال ترفض الإعتراف بإسرائيل، سيكون كارثياً إقتصادياً. وتزامنت أيضا مع التحوّل في أولويات السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي في الشرق الأوسط بعيداً من فلسطين وتجاه البرنامج النووي الإيراني. إن الإنشغال الأوروبي في تحقيق صفقة نووية مع إيران جعلت من الصعب على مسؤولي “حماس” إقناع الإتحاد الأوروبي بأن قضية نفوذه في الشرق الأوسط مرهونة بإعتماده نهج جديد تجاه حركة المقاومة الإسلامية.
الجبهة الإقليمية
إن فشل إستراتيجية “حماس” “أوروبا أولاً” قد أجبرت المنظمة على تعديل وإعتدال توقعاتها. ولكن أقرب إلى قطاعها، في منطقة الشرق الأوسط، فقد كافحت الحركة أيضاً لتعزيز مكانتها. قدّمت كلٌّ من تركيا وقطر دعماً ديبلوماسياً، وفي حالة قطر منحت دعماً مالياً كبيراً للحركة على مدى العقد الماضي، على الرغم من ضغوط الإدارات الأميركية المتعاقبة واللاعبين الإقليميين الرئيسيين، وخصوصاً المملكة العربية السعودية ومصر. ولكن لم يمكّنها أيّ دعم من هاتين الدولتين من الإستفادة والوصول إلى مكانة دولية جيدة، بما في ذلك علاقات وثيقة مع الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، لتعزيز مصداقية الحركة الإسلامية الدولية.
في العام 2012، إحتفلت “حماس” بصعود “الإخوان المسلمين” وفوز محمد مرسي برئاسة الجمهورية في مصر، آملةً من القاهرة الوقوف مع حركتها ضد إسرائيل والسلطة الفلسطينية. حتى أن شائعات إنتشرت بأن الحكومة المصرية الجديدة قد تؤيد إستقلال قطاع غزة إذا أعلنت “حماس” ذلك. الواقع أنه كان هناك أمل حقيقي، وكما قال المسؤول في حماس أحمد يوسف لوكالة الأنباء الفلسطينية “معاً” الإخبارية، إن “حكومة “الإخوان المسلمين” في مصر “سوف تساعدنا على الحصول على إعتراف المجتمع الدولي بنا والتعامل معنا”.
هذا الأمل ثبت أنه كان في غير محله عندما أطاح الجيش المصري حكومة مرسي في صيف العام 2013. ومنذ ذلك الحين، وحكومة الرئيس عبد الفتاح السيسي المدعومة من الجيش قد نأت بنفسها عن “حماس” وأغلقت معبر الحدود والأنفاق التي تربط قطاع غزة بمصر كجزء من حملة على جماعة “الاخوان المسلمين” ومؤيديها.
في الوقت عينه تقريباً، وضع قرار “حماس”، إغلاق قاعدتها في دمشق ونقل مقرها السياسي إلى الدوحة، حداً لعلاقة طويلة ومثمرة بين سوريا والحركة. إن قطيعة “حماس” مع الرئيس السوري بشار الأسد قد وضعت أيضا الضغط على علاقتها مع إيران، أقرب حليف إقليمي لسوريا ومصدر ثابت لدعم الحركة.
ولكن ليست كل الأخبار سيئة. لقد أعرب مشعل أخيراً عن ثقته بأن “حماس” قد حققت تقدماً على طريق إزالة “سوء التفاهم” مع لاعبين إقليميين مهمّين مثل المملكة العربية السعودية ومصر وإيران. إن المواجهة الحالية بين طهران والرياض قد عقّدت هذه المهمة. ولكنها قدّمت أيضاً ل”حماس” بعض الفرص الجديدة لتحسين مكانتها في العالم العربي، حتى لو كان ذلك على حساب علاقاتها مع الجمهورية الإسلامية. وبالتحديد، بناء المملكة العربية السعودية لتحالف سني معادٍ لإيران قد أدى بالرياض إلى إسترخاء وتخفيف معارضتها الطويلة الأجل ضد جماعة “الإخوان المسلمين” – وهذا خبر جيد لحركة “حماس”، التي هي، بعد كل شيء، الفرع الفلسطيني للجماعة.
يمكن ل”حماس” أن تتباهى أيضاً بنجاحات طفيفة أبعد من ذلك. لقد رفضت سويسرا الإلتزام بتسمية بروكسل “حماس” كمنظمة إرهابية، وعلى الرغم من أن الحكومة السويسرية لم تعترف رسميا ب”حركة المقاومة الإسلامية”، فقد حضر ممثل عن الحركة إجتماعات في البرلمان الوطني السويسري. في آب (أغسطس) الفائت، عقب لقائه مع مشعل في الدوحة، دعا سيرغي لافروف، وزير الخارجية الروسي، رئيس المكتب السياسي ل”حماس” إلى موسكو لاجراء محادثات ثنائية. وبعد بضعة أشهر، رفض نائب لافروف في وزارة الخارجية، ميخائيل بوغدانوف، الموقف الرسمي للإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة ضد “حماس”. “نحن لا نتفق أو نوافق”، قال، قبل أن يضيف أنه بالنسبة إلى روسيا، تمثل “حماس” “جزءاً لا يتجزّأ من المجتمع الفلسطيني”. وعقب زيارته إلى جنوب أفريقيا، كانت هناك تقارير تفيد بأن مشعل قد تلقى وعداً مكتوباً من حزب المؤتمر الوطني الأفريقي الحاكم بأنه يعتزم رفع مستوى العلاقات مع الحركة وسينظر في إمكانية إنشاء مكتب ل”حماس” في جنوب أفريقيا.
في غياب المشاركة الأوروبية – ومع الموقف المتشدّد لكل مرشحي الرئاسة الأميركية من كلا الحزبين ضد الجماعات الإسلامية بما فيها حماس – فإن هذه الإنجازات الصغيرة لا يمكن نبذها أو رفضها. ولكنها بالتأكيد لا تمثل نوعاً من الإعتراف والمشاركة اللتين كانت تأمل بهما وتتوقعهما “حماس”، في البداية في أوروبا وبعدها في أماكن أخرى، عندما جاءت إلى السلطة قبل عشر سنين.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى