كركوك يمكن أن تكون مفتاحاً لحل مشاكل الشرق الأوسط

محافظة كركوك أو (محافظة التأميم) قبل غزو العراق في العام 2003، محافظة في وسط شمال العراق. يسكنها خليط من الأكراد والعرب والتركمان والآشوريين. كركوك المدينة عريقة تاريخياً وثقافياً، والمحافظة ذات أهمية كبيرة إقتصادياً. تشتهر بالإنتاج النفطي، حيث يوجد فيها ستة حقول نفطية أكبرها في مدينة كركوك، ويبلغ المخزون النفطي في المحافظة حوالي 13 مليار برميل حيث يصدر من طريق أنبوب نفط الشمال إلى ميناء جيهان التركي. وكان عدد سكان المحافظة يبلغ 752 ألف نسمة طبقاً لآخر إحصاء في العام 1997، أما اليوم فحوالي المليون.

مسعود برزاني: يريد ضم كركوك إلى إقليمه الكردي
مسعود برزاني: يريد ضم كركوك إلى إقليمه الكردي

كركوك – محمد العمري

لدى كركوك تاريخ طويل مليء بالمتاعب. فهي مدينة يسكنها ما يقرب من مليون شخص في محافظة تمتد إلى قلب إقليم كردستان العراق، وكانت سابقاً منطقة إنطلاق لحملات الرئيس العراقي صدام حسين ضد الأكراد. وقد إنضم إلى تلك المعركة لفترة وجيزة الحزب الديموقراطي الكردستاني، في صراعه المرير مع الحزب الكردي الآخر، الإتحاد الوطني الكردستاني. وقبل وصول صدام حسين إلى السلطة، هوجمت مصافي النفط في كركوك من قبل المتمرّدين الكرد.
لا عجب، إذن، أن الرئيس العراقي السابق الكردي جلال طالباني وصف المدينة المنكوبة كما يبدو ب”قدسنا” – وهي مدينة يدّعي كثيرون أنها لهم. وفي هذه الأيام، توسّع عدد هؤلاء المدّعين. ما زال الحزب الديموقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني لاعبين مهمين، وكلاهما يشارك في قوات البشمركة، ولكن الآن هناك أيضاً وحدات الحشد الشعبي الشيعية ومعاقل ما يسمى تنظيم “الدولة الإسلامية” (المعروف أيضاً بداعش).
ولكن رغم كل ذلك، فقد كانت كركوك صامدة ومرنة بشكل مدهش.

المضاعفات

ربما كان طالباني على حق في أن كركوك هي مدينة معقّدة كما القدس في فلسطين. فهوية المدينة الغنية بالنفط يتم تعريفها من خلال مجتمعاتها الرئيسية الثلاثة: العرب والأكراد والأتراك. من سبعينات القرن الفائت إلى تسعيناته، حاول صدام محو هذا التنوع من خلال حملة تعريب أعطت العرب السنّة الحوافز للإنتقال إلى المنطقة، حيث إنضموا إلى سكان عرب آخرين كانوا وصلوا حديثاً إلى هناك للإستفادة من فورة النفط في المحافظة.
وبعد تغيير النظام في العام 2003، كان الأكراد سريعين في تصفية حساباتهم، حيث أقدموا على طرد العائلات السنية من منازلهم. ومنذ ذلك الحين، كانت هناك جهود وساطة مكثفة وترتيبات أمنية معقدة، عُرفت خلال فترة الوجود الأميركي في العراق بالآلية الأمنية المشتركة. وقد إستُخدِمَت هذه الآلية في المناطق المتنازع عليها حيث جمعت في مراكز القيادة قوات عراقية وكردية وأميركية معاً لتنسيق الدوريات وتجنب الإشتباكات.
وقد أوشكت الآلية الأمنية المشتركة على الإنهيار مرات عدة، مما أدى تقريباً إلى فتح صراع في ديالى المجاورة في آب (أغسطس) 2008 عندما طلبت القوات الحكومية العراقية من البشمركة ترك منطقة متنازع عليها في غضون 24 ساعة. ومع ذلك ساد في كركوك هدوء هش.
مع ذلك، على مر السنين نما القلق من زيادة وتوطّد وجود البشمركة في المدينة. وقد رأى الأكراد فرصة في آذار (مارس) 2014 عندما إقتحم تنظيم “الدولة الإسلامية” المنطقة وإنتشر في جميع أنحائها حيث قاموا بضم الإقليم فعلياً في الوقت الذي كان الجيش العراقي ينهار. حتى أن سياسياً كردياً قال أن كركوك هي الآن جزء من “كردستان الكبرى”. وكان رد بغداد، على الأقل في البداية، بالتحذير من عواقب وخيمة.
وصارت الأمور مع مرور الوقت أكثر تعقيداً منذ ذلك الحين. لقد دخل نصف مليون لاجئ سني المحافظة، الأمر الذي على الأرجح أدى إلى توتير التوازن الديموغرافي الحساس، على الرغم من أنه من الصعب معرفة عدد السكان لأن التعداد الأخير كان في العام 1997. إن غالبية السكان السنّة مرعوبة من “داعش” وقلقة من الجماعات الموالية لايران القادمة إلى المدينة، لهذا تقبّلت الأمن النسبي الذي تؤمنه السيطرة الكردية في الوقت الراهن. لكن السنّة الآخرين فهم أقل تصالحية. لقد حذر شيخ سني بارز بأنه، بعد هزيمة “الدولة الإسلامية”، يجب على الأكراد التخلي عن السيطرة.

مرونة

على الرغم من خطورة الأمور، فإن كركوك صمدت ولم تنهَر. لقد هوجمت المدينة دورياً من قبل “داعش”، لكنها ليست تحت حصار دائم مثل البلدة القبلية السنية “حديثة”. وفي كركوك، لم تكن العلاقات السنية مع البشمركة وبغداد يوماً سيئة بما فيه الكفاية لتسهيل السيطرة الكاملة لتنظيم “الدولة الإسلامية”، كما هو الحال في الموصل. ويعود الفضل في هذا إلى محافظ المدينة الكردي، نجم الدين كريم، وهو رجل عازم على وقف المدينة من الوقوع في الفوضى والتمزّق. حتى الآن، كان قادراً على مقاومة الضغوط من كلٍّ من أربيل، عاصمة إقليم كردستان العراق، التي يديرها الحزب الديموقراطي الكردستاني، وبغداد لتقرير مصير كركوك ووضعها النهائي – ما إذا كانت ستصبح جزءاً من المنطقة الكردية أم لا – وذلك بسبب علاقاته مع مركز السلطة الكردية الآخر، الإتحاد الوطني الكردستاني، الذي له صلات تاريخية مع إيران وبالتالي علاقات أفضل مع الأحزاب الشيعية في بغداد.
ففي تصريحاته في أعقاب إنسحاب القوات العراقية الإتحادية من كركوك في حزيران (يونيو) من العام الماضي، كان كريم مُبهَماً وغامضاً في موقفه عندما سئل عما اذا كانت زيادة وجود قوات البشمركة تعني أن كركوك تقترب من الإنضمام إلى المنطقة الكردية. وكان الإتحاد الوطني الكردستاني عادة أقل حزماً بشأن قضية إنفصال الأكراد من منافسه الحزب الديموقراطي الكردستاني. وهذا يعني أنه قد تكون هناك فرصة تسمح لبغداد والإتحاد الوطني الكردستاني التوصل إلى تسوية سلمية على المدينة. والبديل هو محاولة الحزب الديموقراطي الكردستاني ورئيسه مسعود برزاني إتخاذ قرار من جانب واحد لتقرير مصيرالمدينة – وربما ضمها إلى الإقليم الكردي تماماً.
وكانت الإتصالات الأخرى التي يتمتع بها كريم هي التي ساعدت على تخفيف حدة التوتر بين مقاتلي الحشد الشعبي والبشمركة. فقد إجتمع مع هادي العامري، رئيس مجموعة الحشد الشعبي، ومنظمة بدر، لمناقشة هذه القضايا بما فيها فكرة التعاون الأمني. كما إستخدم علاقاته في بغداد للمساعدة في التوصل إلى توافق هش بين بغداد وأربيل لصالح كركوك.
في أواخر العام 2014، قررت بغداد بأن تسمح للمنطقة الكردية إعتبار نفط كركوك من حصة الإقليم التي يتم إرسالها إلى شركة تسويق النفط الحكومية (سومو) بوصفها جزءاً من التصدير الإتحادي. وفي المقابل، فإن المناطق الكردية تحصل على 17 في المئة من الموازنة العراقية. وقال كريم أنه طالما تحصل كركوك على نسبة مئوية من سعر كل برميل من حقول المدينة، فإنه يمكنه المضي قدماً في مشاريع إعادة الإعمار.
وقد جرى كلام كثير وتسويق كبير حول إتفاق النفط بين بغداد وأربيل في ذلك الوقت، لكنه بدا أنه أخذ ينهار منذ ذلك الحين. مع تراجع أسعار النفط تعتبر أربيل السيطرة على نفط كركوك على أنها أكثر أهمية من أي وقت مضى. ويشكل إنتاج النفط في كركوك 50 في المئة من صادرات النفط الكردية الحالية، وهي كمية حرجة للمنطقة الكردية الصغيرة التي تعيش من عائدات النفط. فمن إنتاج النفط تحصل كركوك على معظم موازنتها، حيث يتسرّب بعض أموالها من خلال “سومو” والبعض الآخر من الإقليم الكردي، الأمر الذي يرمز إلى التوازن الدقيق بين القوى المالية والسياسية التي ينبغي على كريم التعامل معها.

التصويت

لسنوات، وُضعت كركوك تحت الأضواء لإجراء إستفتاء لتحديد الوضع النهائي، كما تنص على ذلك المادة 140 من الدستور العراقي. من المهم أن تحدث الدعوة أخيراً إلى التصويت.
سوف يكون على السكان أن يواجهوا خياراً بين الإنضمام الكامل إلى سلطة بغداد أو الإنضمام إلى حكومة إقليم كردستان، أو البقاء كمنطقة تتمتع بحكم شبه ذاتي. ليس هناك من خيار مثالي، ولكن يبدو أن قدراً من الحكم الذاتي قد أفاد المدينة؛ بعد كل شيء إن وضعها أفضل بكثير من الموصل في محافظة نينوى المجاورة.
مهما كان إختيار أهالي كركوك، فإنه يجب فصل قضية النفط عن قضية الأراضي المتنازع عليها. سيكون من المستحسن لكركوك أن تواصل الشراكة مع شركة نفط الشمال الإتحادية، ودعوة الإستثمارات الأجنبية، وتشكيل شركة نفط خاصة بكركوك لتشغيل الحقول النفطية في المحافظة. في هذا السيناريو، فإن كركوك سوف تتمتع بمكانة تجارية أفضل، وسوف تكون متحرّرة من السياسات النفطية لحكومة إقليم كردستان، والتي تأتي مع مسؤولية مبيعات النفط المتنازع عليها بأسعار مخفَّضة عبر تركيا.
ولعل أفضل ترتيب سيكون الشراكة مع بغداد كمنطقة مستقلة، تعمل مع الحكومة الإتحادية لتسويق نفطها للمستهلكين المحليين، فضلاً عن إستخدام ممر البصرة لتصدير نفطها إلى الأسواق الآسيوية. وعلاوة على ذلك، كمنطقة، فإن كركوك تتمتع بحصة دستورية من الدخل فضلاً عن عائدات النفط. وهذا سيؤدي إلى تعظيم إيراداتها، مما يساعد على توسيع صناعاتها المحلية، وزيادة فرص العمل.
البديل يعني أن تتحوّل كركوك إلى بوليصة تأمين لإنقاذ المنطقة الكردية، التي تواجه ديوناً بمليارات الدولارات وتفتقر إلى رئيس منتخب ديموقراطياً. لقد دعا الرئيس الحالي (الممدد لنفسه) مسعود برزاني إلى إجراء إستفتاء على الإستقلال بعد وقت قصير من سيطرة البشمركة على المحافظة. ومنذ 2008 إلتزم التحايل على بغداد وبيع النفط المتنازع عليه مباشرة في السوق الدولية بأسعار مخفّضة بمساعدة تركيا. كل هذا جعل باقي العراق يندد بهذه الإنتهازية، وإعتبرت شحنات النفط غير قانونية من قبل المحاكم الأميركية.
وفيما هي تواجه القرار، ربما سوف تشعل كركوك إتجاهاً في محافظات العراق، فيما يطالب السكان المحليون على نحو متزايد باللامركزية. الواقع أن العمل الآن نحو نظام إتحادي يمكنه حقاً على حد سواء إبقاء العراق موحَّداً وتحسين الوضع الأمني والإقتصادي في البلاد. على هذا النحو، ينبغي أن تكون كركوك حذرة من الإنضمام إلى إقليم كردستان الضعيف الذي لا يستطيع الإستقلال من دون نفط كركوك، وخصوصاً حين تدار من خلال سلالة غير ديموقراطية. ولكن الوقت قد بدأ ينفد. وكريم قد يكون الرجل المناسب لهذه المهمة، لكنه لن يكون في منصبه إلى الأبد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى