موسم فرض الضرائب في المملكة العربية السعودية

حسم مجلس الوزراء السعودي، برئاسة الملك سلمان بن عبدالعزيز، أخيراً موضوع فرض الرسوم على “الأراضي البيضاء” (الأراضي غير المطوّرة) حيث أقرّ في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت فرضها داخل النطاق العمراني للمدن، في أحدث إصلاح إقتصادي تطبقه الحكومة.
وقرار مجلس الوزراء أنهى جدلاً استمرّ خمس سنوات حول فرض الرسوم، ولا شك في أن غالبية المجتمع السعودي من ذوي الدخول المتوسطة والمحدودة صفقت لهذا القرار الذي جاء في مثابة الكي آخر الدواء لحل أزمة طاول أثرها كل بيت سعودي، وبعدما أرسلت الحكومة رسائل مبطّنة وصريحة إلى كبار الملّاك لفك إحتكاراتهم، وأمهلتهم فرصة تلوَ الأخرى من دون تحرك جاد من جانبهم. ولم تُقرّ رسوم أو ضريبة الأراضي البيضاء في السعودية لتكون جباية لدعم الموازنة، لكنها جاءت لإصلاح وضع السوق العقارية التي شوّهتها الاحتكارات، وجعلت تملّك ما يزيد عن 70 في المئة من السعوديين مساكنهم الخاصة أمراً شبه مستحيل.

صندوق التنمية العقارية السعودي: الخوف من تصاعد الطلب أكثر العرض
صندوق التنمية العقارية السعودي: الخوف من تصاعد الطلب أكثر العرض

الرياض – راغب الشيباني

إتخذت المملكة العربية السعودية واحداً من القرارات الإصلاحية التاريخية في 23 تشرين الثاني (نوفمبر) الفائت عندما أعلن مجلس الوزراء أنه سيفرض رسماً سنوياً يبلغ 2.5 في المئة على الأراضي الحضرية “البيضاء” غير المُستغَلَّة للإستخدام السكني أو التجاري. سيتم فرض الضريبة كنسبة مئوية من قيمة الأرض، عاكسةً بذلك توصية من مجلس الشورى. الواقع أنه من طريق تغيير إقتصادية الإحتفاظ بالأراضي فارغة وغير مُستغَلَّة، فإن فرض الرسوم قد يُشجِّع الإفراج عن مزيد من الأراضي لشركات التطوير العقاري لبناء المساكن.
تهدف هذه العقوبات على أولئك الذين يملكون أراض فارغة غير مُطوَّرة أيضاً إلى توفير مصدر جديد للدخل في وقت تعرف فيه أسعار النفط إنخفاضاً وخزائن الدولة نضوباً. هذه “العقوبات” يمكنها أن تجني 50 مليار ريال (13.3 مليار دولار) سنوياً، وفقاً لتوقّعات عليمة. لكنها أيضاً، وهو الأهم، تشكّل عنصراً حيوياً في دفع سياسة أوسع لمعالجة التحديات الإجتماعية الزلزالية في المدى الطويل في المملكة، مع عدم كفاية المعروض من المساكن لتلبية إحتياجات السكان السعوديين المتزايدين.
الحاجة إلى فرض ضريبة الأراضي البيضاء هي في بعض النواحي إعتراف علني بالنقص الواضح في التقدم المُحرَز للخطط التي أعلنها الملك الراحل عبد الله بن عبد العزيز في أوائل العام 2011 لبناء 500,000 منزل للسعوديين ذوي الدخل المُنخفِض، كجزء من إلتزام بإنفاق 67 مليار ريال سعودي. لقد جاء هذا الوعد في ذروة “الربيع العربي”، عندما طالت دول الخليج الضغوط الإجتماعية التي كانت تجتاح العالم العربي. ورافق ذلك الوعد في تلك السنة زيادة قيمة صندوق التنمية العقارية الذي يمنح قروضاً من دون فائدة حتى 500 ألف ريال. وبعد أربع سنوات على ذلك، لم تُسجِّل الحكومة تقدّماً يُذكَر في طرح برنامجها الطموح لبناء المنازل، حيث إلتقى الروتين البيروقراطي مع عدم وجود أراضٍ قابلة للتطوير معاً لإحباط وتقويض الجهود الرامية إلى تحقيق قدرة سكنية جديدة للمواطنين السعوديين ذوي الدخل المُنخفض.
وفقاً لشركة الإستشارات العقارية “جونز لانغ لاسال”، هناك 30 في المئة فقط من السعوديين يملكون منازلهم (مقارنة مع معدل عالمي يبلغ 70 في المئة)، الأمر الذي يسلّط الضوء على الحاجة إلى مزيد من المبادرات من الحكومة والقطاع الخاص على حد سواء التي تهدف إلى توفير المزيد من المساكن لذوي الدخل المتوسط.
وقد طرقت ضرورة معالجة هذا الوضع الباب المحلي في العام الماضي. في كانون الثاني (يناير) 2015، أعطى خليفة عبد الله، الملك سلمان بن عبد العزيز، الموافقة الملكية الرسمية على خطط لإدخال الضريبة على “الأراضي البيضاء” أو الأراضي غير المطوَّرة في المناطق الحضرية، ومنع الممارسات الحالية التي أدّت إلى إحتكارات كبار ملّاك الأراضي. وتفيد مصادر الحكومة بأن القصد من ضريبة الأرض هو التصدي لعدم وجود حوافز للأثرياء والمؤسسات لتطوير الأراضي التي يمتلكونها للسكن بدلاً من الربح الذي يعتمد على المضاربة. وبالنظر إلى أن وزارة الإسكان تقدّر بأن قطع الأراضي الفارغة تشكل نحو 40 في المئة من مساحة العاصمة الرياض، فإن معاقبة أصحاب الأراضي – حتى على مستوى منخفض نسبياً يبلغ 2.5 في المئة – إعتُبرت على أنها وسيلة لفتح بعض “الأراضي البيضاء” التي يملكونها للتطوير السكني.
إن ضريبة الأراضي الجديدة يمكن أن يكون لها تأثير أيضاً في تلطيف إرتفاع أسعار المنازل. وسوف تنخفض أسعار الأراضي نتيجة للإرتفاع المتوقّع في المعروض من الوحدات. ووفقاً لشركة إستشارات عقارية أخرى، “نايت فرانك”، تشكّل قيمة الأراضي في الرياض حوالي 50 في المئة من مجموع تكاليف التطوير. وهذا أعطى حافزاً للمطوّرين للتركيز على النهاية العالية من السوق – حيث هامش الربح أعلى – بالمقارنة مع كتلة السوق التي تهيمن عليها مستويات دخل منخفضة الهامش. كما تشير “جونز لانغ لاسال”، إلى أن أسواقاً مثل الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية، حيث كانت الأراضي في المناطق الحضرية تخضع للمضاربات، عرفت إرتفاعاً في الأسعار لمواقع تقع في وسط المدن وصلت إلى مستويات أعلى من قدرة مطوِّري الإسكان لذوي الدخل المتوسط على الدفع.
وهذا الأمر يتهيَّأ الآن للتغيير في المملكة على الأقل، على الرغم من أن هناك الكثير من التفاصيل لم يتم وضعها بعد. سوف يُعلِن المنظِّمون إجراءات لتحديد قيم الأراضي والإطار الزمني لفرض الرسوم في وقت لاحق، وفقاً لبيان مجلس الوزراء السعودي الصادر في 23 تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي أضاف بأن النظام سيتم إدخاله “تدريجاً” لضمان نزاهته. وقال البيان بأن وزارة الإسكان سوف تصدر القوانين في غضون 180 يوماً من تاريخ نشر قرار مجلس الوزراء في الجريدة الرسمية. وأضاف بأنه سيتم جمع المال في حساب في البنك المركزي والذي سيُستَخدَم لتمويل مشاريع الإسكان وغيرها من الخدمات العامة.
وهذا قد يشتري ما يكفي من الوقت لمُلّاك الأراضي الكبيرة — حيث أن قيمة الأراضي التي هي في حوزة البنوك المُدينة يمكن أن تتأثر سلباً من ضريبة بنسبة 2.5 في المئة — للتكيّف مع الوضع الجديد. والنتيجة الطبيعية لهذا الأمر هو أنه قد يُجبَر البعض منهم على بيع أراضيه، حتى مع وجود فراغ بنسبة 10 في المئة من المحتمل أن يكون له تأثير مفيد في توليد المزيد من فرص التنمية والتطوير.
إن الهدف الأساسي من القوانين يكمن في مواجهة الإحتكارات التي تحتفظ بالأراضي في الحدود الخارجية للمناطق الحضرية الكبرى، يقول خبير إقتصادي في الرياض. “تحتاج المدن إلى النمو خارج هذه المحافظ الكبيرة من الأراضي. ولكن هذا بدوره يزيد من العبء على السلطات لتوفير كافة الخدمات التي تتجاوز الحدود الحالية للمدن”، كما يقول.
وتشير شركة “نايت فرانك” إلى أنه في الرياض، يفوق الطلب على الوحدات السكنية العرض، حيث هناك حاجة إلى حوالي 50،000 وحدة سكنية سنوياً على مدى السنوات الخمس المقبلة.
من الواضح أن خطط الحكومة الخاصة للإفراج عن مزيد من الإمدادات السكنية لا تكفي لأكثر من “خَدش” سطح عدم التوازن بين العرض والطلب. ومن جهتها، تستعد وزارة الإسكان لإطلاق سراح المزيد من الوحدات السكنية للسعوديين ذوي الدخل المنخفض مع ما يقدر ب 20,000 مسكن من المتوقع تسليمها في المحافظة الشرقية. وقد ذكرت وسائل الاعلام المحلية في أواخر تشرين الأول (أكتوبر) الفائت أن 13,000 مستفيد في الدمام سيحصلون على شقق وأراضٍ وقروض، والتي من شأنها أن تغطّي أكثر من ثلث قائمة المُنتَظرين في المدينة.
من حيث الأرقام وحدها، هذا قد لا يبدو حجماً ضخماً. ولكن هناك إضافة مهمة لهذه التحركات تكمن في أن هذه الوحدات الجديدة المُقتَرحة هي الأولى في جهود الحكومة الهادفة إلى تشجيع شركات التطوير العقاري الخاصة لأخذ دور أكبر بكثير في بناء المساكن. بعد سلسلة من التغييرات في المقعد الوزاري الساخن منذ شُكّلت وزارة الإسكان، فقد سمى الملك سلمان أخيراً في تموز (يوليو) الفائت مطوّر عقارات خاصاً سابقاً لتولي مسؤولية الوزارة. إن صلاحيات الوزير ماجد عبد الله الحقيل تشمل الإستعانة بمصادر خارجية ومطوِّرين من القطاع الخاص لكثير من برنامج البناء السكني.
وأفاد الحقيل أن السوق تحتاج إلى نحو 1.5 مليون منزل من أجل تلبية الطلب، وقوله مسجّل بأن وزارته سوف تتوقف عن بناء المنازل بنفسها. وهناك محادثات جارية لإنشاء هيئة جديدة حيث ستكون مسؤولة عن الموافقة على المشاريع، وسوف تكون مُصمَّمة لإتخاذ القرارات بسرعة أكثر من تلك التي تقوم بها الوزارة.
كما أن الحكومة السعودية وافقت أخيراً على تأسيس شركة مساهمة للإستثمارات العقارية برأسمال قدره 300 مليون ريال أي ما يقارب المئة مليون دولار. وستعمل الشركة التي أطلق عليها إسم “إعمار الوطن” في مجال إقامة وتطوير المشاريع الإسكانية والتجارية والصناعية وتأجير العقارات وتأسيس وإمتلاك وإدارة الفنادق والمستشفيات والأسواق التجارية والمتنزهات العامة ومراكز المعارض.
وقال بيان رسمي إن رأسمال الشركة -التي ستتخذ من العاصمة السعودية الرياض مقراً لها- قُسِّم إلى ستة ملايين سهم تبلغ القيمة الإسمية للسهم الواحد 50 ريالاً منها 200 مليون ريال إكتتب بها المؤسسون و100 مليون ريال تُطرَح للإكتتاب العام.
وأشار البيان السعودي الرسمي إلى أن تأسيس الشركة يأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لتوسيع القاعدة الإقتصادية وتنويع مصادر الدخل الوطني وتشجيع القطاع الخاص على القيام بدور فاعل في دفع عجلة التنمية الإقتصادية.
من ناحية أخرى، سوف تحتاج الحكومة السعودية إلى التأكد من أن آليات التمويل الحالية لمساعدة السعوديين العاديين موجودة ومستعدة للعمل في قطاع الإسكان بشكل أكثر فعالية. في آذار (مارس) 2014، أطلقت “برنامج الإسكان” الذي يسعى إلى توجيه الدعم المالي للأسر السعودية من طريق تقديم قروض تدعمها الدولة لشراء منازل. لكن صندوق التنمية العقارية، على الرغم من إعادة رسملته، ما زال مقيداً لا يستطيع زيادة الإقراض بسبب الخوف من أن ذلك سيخلق الكثير من الطلب، حيث أن قطاع البناء هو ببساطة غير قادر على الوفاء بكل الطلبات.
إن برنامج صندوق التنمية العقارية متاح فقط للمواطنين السعوديين. وتلك الأسر المؤهّلة للحصول على مساعدة تتسلم الإعانات في شكل قروض مدعومة للمنازل أو مبيعات مدعومة من وحدات الأراضي أو المساكن، لفترة سداد تدوم 10 سنين مع خصم (حسم) 25 في المئة من دخلها الشهري. يتم ترتيب أولويات الطلبات والتطبيقات وفقاً لنظام نقاط يأخذ بعين الإعتبار حجم الأسرة والدخل الشهري.
وهناك تحدٍّ آخر يكمن في التشريع العقاري الذي أعاق مبيعات العقارات السكنية. وفقاً للشركة الإستشارية “جونز لانغ لاسال”، إن أنظمة الرهن العقاري التي وافقت عليها مؤسسة النقد العربي السعودي في العام 2014 تحدُّ من الحد الأقصى لنسبة القرض إلى القيمة التي يمكن أن يقدّمها المُقرِضون. في حين أن البنوك وشركات التمويل العقاري كانت تقدم سابقاً 100 في المئة كنسبة قرض إلى القيمة للعملاء، فقد صارت النسبة حالياً كحد أقصى 70 في المئة، الأمر الذي يتطلب دفع 30 في المئة كدفعة أولى مسبقاً للتأهل للحصول على الرهن العقاري. فيما أُدخِلت هذه القيود لمنع فقاعة سكنية، تقول الشركة الإستشارية، فإنها قد قادت إلى تحوّل الطلب بعيداً من مبيعات الوحدات السكنية نحو الإيجارات، حيث أبعدت أولئك الذين لا يستطيعون تحمّل 30 في المئة كدفعة أولى عن عملية الرهن العقاري، وهم كثر، وبالتالي أدّت إلى عدم تشجيع ملكية المنازل.
الواقع أن المعاملات السكنية قد إنخفضت بشكل كبير منذ أن أصبح تنظيم الرهن العقاري حيّز التنفيذ في تشرين الثاني (نوفمبر) 2014، تقول شركة “جونز لونغ لاسال” في دراسة صدرت في وقت سابق من العام الفائت. لقد إنخفضت صفقات “الفلل” (أو الفيللات) بنسبة 59 في المئة، في حين إنخفضت صفقات الشقق بنسبة 27 في المئة وفقاً للبيانات الصادرة عن وزارة العدل.
ليس من المستغرب إذن أن خط أنابيب تطورات الإسكان لذوي الدخل المنخفض والمتوسط لا يزال في مهده. في جدة، تقول “جونز لانغ لاسال”، أن المشاريع الوحيدة التي أطلقت في 2015 والتي يمكن أن تُعتبر “بأسعار معقولة” هي تلك التي بنتها وزارة الإسكان (أكثر من 15,000وحدة). على هذا النحو، فإنها تتوقع بأن يزيد هذا النقص في المساكن بأسعار معقولة في المدى القصير. من جهة أخرى، لم يتم إطلاق أي تطورات ومشاريع جديدة كبيرة على نطاق واسع حتى الآن في الرياض التي يتم تصنيفها بأسعار معقولة للعائلات ذات الدخل المتوسط.
ولكن لا يزال هناك مجال للتفاؤل بأن تبدأ المملكة العربية السعودية قريباً إحراز تقدم أكبر في تلبية الطلب على المساكن. إن لدى المطوّرين في القطاع الخاص الآن حوافز أكبر – مع ضريبة الأراضي البيضاء – لإستهداف سوق الإسكان ذات الدخل المُنخفض. ومن المرجح أن يتم الإعلان في السنة الحالية عن المزيد من المشاريع الجديدة. إن التحدي الذي يواجه وزير الإسكان الحقيل هو التأكد من أن هذه المشاريع ليست مشاريع لمرة واحدة، ولكنها جزء من جهد مشترك على المدى الطويل لإطلاق سراح المزيد من الأراضي والحصول على مزيد من المنازل المبنية.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى