ماذا وراء طرح الأمير محمد بيع أسهم من أرامكو؟

الرياض – هاني مكارم

في كانون الثاني (يناير) الفائت، أحدث الأمير محمد بن سلمان، ولي ولي العهد ووزير الدفاع السعودي، صدمة في أسواق الطاقة عندما قال لمجلة الإيكونوميست أنه “متحمّس” حول إمكانية خصخصة شركة أرامكو السعودية التي تتمتع بأكبر إحتياطي للنفط في العالم. ومن شأن مثل هذه الخطوة أن تخنق قطاع الطاقة العالمي، وتؤدي إلى خلق شركة يفيد بعض التقديرات بأن لديها قيمة سوقية أكبر من قيم “أبل”، و”إكسون موبيل”، و”بيركشاير هاثاواي” و”غوغل” مجتمعة. وقد أصدرت شركة أرامكو لاحقاً بياناً صحافياً صيغ بعناية تؤكد فيه على أنها تدرس خيارات لإدراج “نسبة مئوية مناسبة من أسهم الشركة و/ أو إدراج. . . شركات المصب التابعة لها”.
من المؤكد أن هناك منطقاً لخصخصة شركة أرامكو. إن المملكة تعتمد على شركة أرامكو للحصول على تسعة أعشار إيرادات حكومتها، ويبرهن إنهيار أسعار النفط في العام الماضي بشكل صارخ على الحاجة إلى التنويع الإقتصادي في المدى الطويل. لقد ذكر الأمير محمد أنه يرغب في تحسين الشفافية في أرامكو وإجتثاث الفساد. وأفادت الإيكونوميست بأن ما تمتلكه أرامكو إضافة إلى إحتياط النفط والمصافي يشمل أسطولاً من الطائرات، وملاعب كرة قدم، ونظام مستشفيات ل360،000 شخص. ويشير تقرير “سيتي غروب” الصادر في 2012 أنه إذا “نما إستهلاك النفط السعودي تمشياً مع الطلب خلال ذروة الكهرباء، فإن البلاد يمكن أن تصبح مستورداً صافياً للنفط بحلول العام 2030”.
ومع ذلك، فإننا نقترح عليك ألّا تحبس أنفاسك.
على الرغم من أن سنوات عدة من إنخفاض أسعار النفط المستمر ستكون مدمِّرة، فإن المملكة العربية السعودية حالياً هي في وضع جيد يمكّنها من الصمود في وجه العاصفة – إن الدين العام للمملكة هو من بين أدنى المعدلات في العالم، وهي تحتفظ بمئات المليارات من الدولارات من الإحتياطات من النقد الأجنبي. ومع غرق أسعار النفط إلى أدنى مستوى لها منذ إثني عشر عاماً، فإن بيع أسهم من شركة أرامكو بالكاد يبدو أنه أفضل وسيلة لرفع العائدات. وتشير أسواق العقود الآجلة إلى أن التصورات العامة بأن أسعار النفط لن تظل منخفضة إلى الأبد.
المعروف عن أرامكو أنها مؤسسة سرية، وعلى مدى سنوات كانت هناك تكهنات بأن إحتياطاتها المؤكدة قد تكون أقل من إدّعاءاتها. إن تقييم قيمة أرامكو من خلال الأسواق العامة قد يتطلب الإفصاح عن أي عمليات تدقيق ذات صلة بحقول النفط السعودية، والتي تشير الشائعات إلى أنها قد أجريت أخيراً في السر. ومن شأن الإكتتاب أن يتطلب من الشركة إظهار مستوى من الشفافية لم يسبق له مثيل في تاريخها، وبصراحة، تماماً كما لم يسبق له مثيل للعائلة الحاكمة.
والسؤال هنا: ما هو الشيء الذي قاد الأمير الشاب إلى إعلانه؟ من جهة، يمكن لتعويم عام لجزء كبير من أسهم شركة أرامكو أن يعطي جهات فاعلة مالية دولية حصة أكثر في إستمرار الإستقرار في مجمع البترول السعودي في وقت وُضِع فيه دور المملكة في سوق النفط وعلاقاتها الطويلة الأمد مع الولايات المتحدة الأميركية تحت مجهر كبير. إن إكتتاباً صغيراً مثلاً – لنقل 5 في المئة فقط من الشركة – سيكون كافياً لخلق تقييم ضمني للشركة ككل، معطياً السعوديين، حجم الأصول الحقيقي كأساس لهيمنتهم في مجال الطاقة. والمفارقة، بالطبع، هو أنه كلما صغر الإكتتاب العام، كلما كان الأمر أقل مصداقية لتحقيق هدف محمد بن سلمان المعلن للحد من التعتيم والفساد في الشركة. خيار واحد جرى فحصه هو إكتتاب أصول الشركة التحويلية، بما في ذلك المصافي الجديدة المتقدمة الضخمة في السعودية نفسها. وقد تبدو هذه الفكرة جذابة للوهلة الأولى، ولكن سيكون على المستثمرين أن يسألوا أنفسهم: هل سيكونوا مرتاحين وهم يشعرون بإمتلاك بنية تحتية قد لا تُستغَلّ بكامل طاقتها وذلك لأنها تعتمد على الجوانب الإستراتيجية غير التجارية للسياسة النفطية السعودية، مثل الحفاظ على “طاقة إنتاجية فائضة” عازلة تحد بشكل مصطنع توريد الخام المُتاح للمصافي المحلية؟
راكم الأمير محمد نفوذاً هائلاً خلال العام الفائت منذ ورث الملك سلمان العرش، حيث يقوم بالإضافة إلى كونه ولي ولي العهد بمنصب وزير الدفاع، ورئيس المجلس الإقتصادي للبلاد، والإبن المفضل لوالده. لكن في حين أن النظام الملكي مطلق، فإن سلطة الملك ليست كذلك. خلافا لما هو الأمر في الأردن أو المغرب، حيث تناط غالبية السلطة التنفيذية في فرد واحد، فإن السلطة في المملكة العربية السعودية تتوزع سواء من خلال المواقع الحكومية الرسمية والشبكات غير الرسمية من التحالفات المتغيّرة بين أفراد العائلة المالكة الذين يبلغ عددهم بالآلاف. على هذا الأساس لأن خصخصة شركة أرامكو من شأنها أن تزيد من الشفافية المالية في المملكة فقد يعترض عليها العديد من أعضاء هذه العائلة المالكة الأقل شأناً، لأن ذلك قد يؤدي إلى تقلص الثروة والسلطة لفروع صغار الأسرة مع مرور الوقت.
وبالتالي، فإن القرار التاريخي لبيع جوهرة العائلة يتطلب جهوداً هائلة لبناء إئتلاف وراء الأبواب المغلقة. إن الملك سلمان في الثمانينات من عمره، ويقال أن صحته ليست على ما يرام، وعلى الأرجح أن يكون آخر أبناء الملك عبد العزيز – مؤسس المملكة العربية السعودية الحديثة – يتولى العرش. إن قراراً بهذا الحجم ربما يتطلب وقتاً كافياً لزعيم من الجيل التالي، مثل الأمير محمد أو إبن عمه ولي العهد الأمير محمد بن نايف، ليس فقط لوراثة العرش ولكن أيضا لتعزيز السلطة عندما يتسلم أحدهما المنصب.
بإختصار، في حين أن خصخصة شركة أرامكو تعتبر أمراً منطقياً كبيراً في المدى الطويل، فمن المرجح جداً أن الإكتتاب على نطاق واسع لن يحدث، لا الآن ولا في السنوات القليلة المقبلة.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى