لماذا تَستَخدِم الرياض مفاعلاً نووياً لم يُستَخدَم أو يُجرَّب من قبل؟

تتصدر السعودية دول العالم في إنتاج المياه المحلاة بإنتاج تجاوز مليار وستة ملايين متر مكعب من المياه سنوياً بنسبة 18% من الإنتاج العالمي. ولا تزال المؤسسة العامة لتحلية المياه المالحة في السعودية تحافظ على مكانتها كأكبر منتج للمياه المحلاة في العالم، بإنتاج يبلغ 1006.6 ملايين متر مكعب، منها 495.3 مليون متر مكعب من محطات الساحل الشرقي بنسبة 49.2%، و511.3 مليون متر مكعب من محطات الساحل الغربي بنسبة 50.8% من إجمالي تصدير المؤسسة. وبلغ حجم الطاقة الكهربائية المولَّدة في محطات التحلية البالغ عددها 27 محطة تحلية عاملة 24,884,807 ميغاواط في الساعة. ومنذ فترة تسعى السعودية إلى تنويع مصادر الحصول على الطاقة وعدم الإعتماد على الوقود الأحفوري والغاز الطبيعي للحصول على الطاقة الكهربائية. وترى الرياض في إستخدام الطاقة النووية الحل الأمثل لتوليد الكهرباء وتحلية المياه، وفي هذا الإطار تخطط المملكة لبناء نحو 16 مفاعلاً نووياً للطاقة السلمية بتكلفة تصل إلى 80 مليار دولار حتى العام 2040.

تحلية المياه في السعودية: ستتحول في غالبيتها إلى الطاقة النووية
تحلية المياه في السعودية: ستتحول في غالبيتها إلى الطاقة النووية

الرياض – سمير الحسيني

يصرّ النظام السعودي أن الدافع الأساسي لبناء برنامجه النووي هو تطوير مصدر طاقة مستدام لمحطات تحلية المياه في البلاد. في العام 2009 صدر مرسوم ملكي حدّد سياسة الطاقة في المملكة العربية السعودية حيث وضّح الهدف ب: “أن تطوير الطاقة النووية هو أمر ضروري لتلبية الإحتياجات المتزايدة في المملكة للحصول على الطاقة لتوليد الكهرباء وإنتاج المياه المحلاة، وتقليل الإعتماد على إستنزاف الموارد الهيدروكربونية”. سطحياً، يبدو هذا الأمر منطقياً ومعقولاً تماماً. فالسعوديون بحاجة إلى الماء. وللحصول على المياه، فإنهم يحتاجون إلى الطاقة. ولديهم ما يكفي من رأس المال – السياسي والإقتصادي – لتحقيق ذلك.
المملكة العربية السعودية هي دولة صحراوية حيث لا وجود لأنهار أو بحيرات دائمة وتتميَّز بعدم إنتظام هطول الأمطار. وتغطّي الغالبية العظمى من أراضيها – 95 في المئة – واحدة من ثلاث صحاري: الربع الخالي، النفود الكبير أو الدهناء. معظم الخزانات الطبيعية في المملكة، مثل تكاوين المياه الجوفية: الساق والوجيد وتبوك والمنجور والبياض وأم رضمة والدمام والنيوجين، يتم إستغلالها تقريباً بشكل كبير. على الرغم من أنه تم العثور على خزانات واعدة أخرى — على سبيل المثال، تكوين الوسيع، والذي يُعتقد بأنه يختزن كمية من الماء تقدّر بما يختزنه كامل الخليج العربي – فهي تقع في عمق الصحراء، بعيداً من المناطق الحضرية. إن الإستفادة من كامل إمكاناتها تستغرق سنوات عدة ومليارات الدولارات. وعلى هذا الأساس، تحوّلت المملكة إلى حل واضح: المياه المحلّاة من البحر الأحمر والخليج العربي. وفقاً لأحدث التقديرات، فإن البلاد تستهلك ما يقدر بنحو 3.3 ملايين من الأمتار المكعبة من المياه المحلّاة يومياً، وتوفّر عملية تحلية المياه 70 في المئة من إمدادات المياه في المناطق الحضرية.
أخذ وإزالة الملح من المياه هي عملية كثيفة الإستهلاك للطاقة حيث تستخدم حوالي 15,000 كيلوواط في الساعة من الطاقة لكل مليون غالون من المياه العذبة المُنتَجة. وكثاني أكبر منتج للنفط في العالم، يمكن للمملكة تحمّل نفقات الطاقة. فهي تحرق فعلياً ما يساوي نحو 1.5 مليون برميل من النفط الخام يومياً، مع جزء كبير من هذه البراميل يذهب إلى إنتاج الطاقة في محطات تحلية المياه. ولكن محطات تحلية المياه بالطاقة النفطية ليست مُستدامة. ذلك أن الإحتياطات النفطية سوف تجفّ في نهاية المطاف، وسوف يستمر العطش للماء في المملكة العربية السعودية.
وهكذا إندفعت الرياض قدماً في خطط أخرى. على مدى العقود القليلة المقبلة، سوف تستثمر المملكة أكثر من 55 مليار دولار في مشاريع تحلية المياه. بحلول العام 2032، فإنها سوف تستثمر أكثر من 109 مليارات دولار للوصول إلى تحقيق ثلث الطلب على الطاقة من مصادر بديلة. وستكون الطاقة النووية حجر الزاوية في هذه الخطط. وهي مصدر، على الرغم من أنه مُكلف، يمكنه أن يوفر كميات كبيرة من الطاقة تقريباً إلى أجل غير مسمى. والمعروف أن متوسط عمر محطة للطاقة النووية يُصمَّم لكي يكون لفترة 40 سنة، في حين أن ديناميكيات تصميم محطات توليد الطاقة الحرارية التقليدية – التي هي المنصة الوحيدة الأخرى التي يمكنها أن تنافس محطة الطاقة النووية – مُصمَّمة لكي يكون عمرها 20-25 سنة. وقد وقَّعت الرياض أخيراً صفقة مع كوريا الجنوبية تبلغ قيمتها ملياري دولار لدراسة وتحقيق بناء مشترك لمفاعلين نوويين على مدى السنوات ال20 المقبلة. في المجموع، تخطط المملكة العربية السعودية لبناء 16 مفاعلاً نووياً بحلول 2032. وبحلول العام 2040، فإنها تأمل في أن تضيف 17 جيغاواط من قدرات الطاقة — ما يكفي لتوفير 15٪ من متطلبات الطاقة في البلاد.
ومع ذلك، فإن على السعوديين التغلّب على مشكلة كبيرة إذا كانوا يرغبون في تطوير الطاقة النووية بنجاح. إن مفاعلات الماء الخفيف، التي تنوي المملكة بناءها، تستخدم المياه العذبة كمبرِّد. إذا لم يتم تبريد قلب المفاعل بما فيه الكفاية بشكل مستمر، فإنه يذوب، على غرار مفاعل “تشرنوبيل” في روسيا. إن كمية المياه التي تحتاجها المفاعلات النووية تختلف بإختلاف أنواعها، ولكنها يمكنها سحب ما يصل إلى 60،000 غالون لكل ميغاواط في الساعة، أو مليار غالون يومياً. الكمية التي يتم إستهلاكها (أي التي تتبخر) هي أصغر من ذلك بكثير، حوالي 600-800 غالون لكل ميغاواط في الساعة، ولكن المفاعلات ستبقى بحاجة إلى إمدادات هائلة من المياه المُتاحة. ولأن محطات التحلية النووية عادة تضع عشرة في المئة من إنتاج الطاقة لديها لتحلية مياه البحر، ولأن تحلية المياه هي عملية كثيفة الإستهلاك للطاقة، فإن عدم الكفاءة في العمل واضحة. ويشير تقدير تقريبي أن محطات الطاقة النووية سوف تستهلك غالوناً واحداً من المياه لكل عشرة غالونات من التي تولّدها، ولكن على المحطة أن تسحب المياه العذبة أو المُعاد تدويرها إلى ما يقرب من مقياس 1: 1.
الماء الخفيف هو مصطلح فني لل”H2O” أي الماء العادي الذي نشربه، والسبب الذي من أجله تستخدمه المفاعلات هو أنه لا يترك أي بقايا. من ناحية أخرى، إن المياه المالحة ليست مبرّداً قابلاً للتطبيق. إذا تُرِكت لكي تغلي داخل المفاعل، فإنها تترك وراءها جبالاً من الملح التي سيكون من المستحيل جرفها. وعلاوة على ذلك، فإن الملح يشكل قشرة على قضبان وقود اليورانيوم، حيث يعزل بينها ويسبب لها إرتفاعاً في درجة الحرارة.
الواقع أن التبريد الفاشل هو الطريق الأكيد لكارثة نووية. في “تشيرنوبيل”، أدّى فشل قضبان التحكّم في ردّ فعل خارج عن السيطرة اإلى توليد حرارة مُفرطة، مما أدّى بدوره إلى تراكم بخار هائل إنفجر في نهاية المطاف، فاتحاً غرفة الإحتواء وكأنه إنفجار طنجرة ضغط. في “فوكوشيما” اليابانية، غمرت موجة “التسونامي” مضخات تبريد المياه، مُعطِّلةً تدفق سائل التبريد إلى المفاعلات. وقد أجبر فشل المضخّة، جنباً إلى جنب مع إنقطاع التيار الكهربائي لفترات طويلة، هيئة الكهرباء اليابانية “تيبكو” على إستخدام مياه البحر كمبرّد مؤقت. وبعد أسبوعين فقط، كان حوالي 100،000 رطل من الملح قد تراكمت في المفاعلات.
تبدو المملكة العربية السعودية أنها غير مبالية في هذا المجال. إن بعض التصاميم التي تنافست للحصول على العقد السعودي، مثل مفاعلات “بابكوك أند ويلكوكس باور”، إقترحت إستخدام مبرّدات بديلة مثل الماء أو الهواء. والمعلوم أن التبريد بالهواء يُسفر عن خسارة عشرة في المئة من الكفاءة، ولكن في الحالة السعودية، لا يهم هذا الأمر كثيراً، بالنظر إلى الحجم الهائل للبرنامج المُقترَح وأهمية الصعوبات لتوفير المياه.
وبالمثل، كان بإمكان السعوديين أن يستكشفوا مفاعل الغاز المُرتفع الحرارة (HTGR) مثل “أنتار” (Antare) الذي تنتجه “أريفا” (AREVA)، والذي إختارته الولايات المتحدة لمشروع الجيل المقبل لتوليد الطاقة، ويتوقع أن يبدأ إستخدامه في العام 2021. ويستخدم هذا المفاعل غاز الهيليوم المُشع والخامل كيميائياً، بدلاً من الماء، كمبرِّد. وعلى عكس مفاعلات المياه القائمة، التي ليست لها آلية تبريد إحتياطية، فإن مفاعل الغاز المرتفع الحرارة له ميزات تصميم تسمح له أن يبرد تلقائياً، حتى إذا فشل نظام التبريد الرئيسي جرّاء وقوع حادث. إن إستخدامه لقوالب وقود مغلَّفة بالسيراميك يخلق تأثيراً يُعرف ب”درجة الحرارة السلبية” التي تقمع تلقائياً التفاعل النووي. وعلاوة على ذلك، بسبب التأثير عينه، فإن مفاعل الغاز يسخن أبطأ بكثير من المفاعلات الأخرى، مما يسمح للمشغّلين المزيد من الوقت للإستجابة في حالات الطوارئ إذا لزم الأمر. وأخيراً لدى مفاعل الغاز المُرتفع الحرارة قضبان تحكم وضعت على رأس المفاعل، التي تسقط تلقائياً إلى مكان محدّد آمن في حالة فشل التبريد، وهي عملية لا تتطلب إدخال أي مشغّل.
في تصاميم مفاعل الغاز المرتفع الحرارة، علاوة على ذلك، فإن الوعاء ومولّد البخار في المفاعل هما منفصلان عن بعضهما البعض. يدخل غاز الهيليوم البارد إلى وعاء المفاعل، ويمتص الحرارة من المفاعل، ثم يتابع سيره بعد ذلك إلى مولّدات البخار، حيث يمكن إستخدام البخار الناتج لإنتاج الكهرباء أو في التطبيقات الصناعية الكبرى. وبالتالي، فإن مفاعل الغاز المُرتفع الحرارة هو فعّال بشكل خاص في مشاريع تحلية المياه، إذ أن التصميم يسمح بسهولة تطويع مولّدات البخار لأغراض تحلية المياه الحرارية. بالنسبة إلى بلد يسعى في وقت واحد إلى معالجة تحديات الطاقة والمياه، فإن مثل هذا التصميم له مزايا لا تُضاهى – والتي كما يبدو لم يهتم بها السعوديون.
بدلاً من ذلك، يفضّل السعوديون تصميم المفاعل المضغوط بالماء، وتحديداً المفاعل الكوري الجنوبي ذو النظام المتقدم المتكامل الوحدات (سمارت) (System-Integrated Modular Advanced Reactor). إن القدرات التقنية لهذا المفاعل لا تتطابق تماماً مع تلك التصاميم الأخرى، مثل “أم باور” (mPowe) أو “أنتار” (Antare). والمعروف أن “سمارت” هو أيضاً تصميم غير مُجرَّب، كما لا يوجد لديه وحدة تجريب أولية، وعلاوة على ذلك ليس هناك أي مشتر آخر له غير السعوديين. في المقابل، فقد إعتمد تصميم “أنتار” بالفعل في الولايات المتحدة واليابان وكازاخستان. لذا أمام كل هذه السلبيات، جنباً إلى جنب مع نظام تبريد المياه القائم في “سمارت” الواضح المعالم، يطرح خيار السعوديين للمفاعل الكوري الجنوبي أسئلة عدة.
الآن، ينبغي على المفاعلات السعودية أن تؤمن مصدر المياه لمحطة الطاقة النووية من محطات التحلية، وهذا يعني أنه من المرجح أن تُبنى المفاعلات على مقربة من الساحل. مع ذلك، فإن كلاً من ساحل البحر الأحمر وساحل الخليج غير مستقر زلزالياً، مما يزيد من مخاطر حدث زلزالي الذي يمكن أن يؤدي إلى فشل التبريد — كما حدث في فوكوشيما. على الرغم من أن هناك فراغات داخلية في المملكة من دون نشاط زلزالي، لكن المشكلة أن لا وجود للماء فيها. فإن الخيار الوحيد يكمن في ضخ المياه الداخلية، ولكن سيكون عليها السفر أكثر من 30 ميلاً للوصول إلى مواقع داخلية ملائمة قابلة للتطبيق، مع تشكيل كل ميل من خطوط الأنابيب المُكلفة خطر إضافي بتعرضه للكسر أو التخريب. وثمة إقتراح آخر يقوم على إستخدام مياه الصرف الصحي المُعالَجة كمبرّد للمفاعل، ولكن هذه العملية تستهلك كمية كبيرة من توليد الطاقة للمفاعلات، وموارد المياه المُستعملة نادرة. وعلاوة على ذلك، فإن هذا الأمر يشكّل تحدّياً فنياً كبيراً — حالياً، هناك مفاعل نووي فقط يستخدم المياه المُستعملَة كمبرّد وحيد، وليس من الواضح أن تصميم “سمارت” سيكون متوافقاً مع هذه العملية.
بإعتراف الجميع، من الصعب فهم لماذا ظلت الرياض غافلة عن تحديات المياه في البلاد. أحد الإحتمالات هو أن الحكومة كانت غير عقلانية بشكل كبير، حيث لم تكلف نفسها عناء تشغيل الأرقام. بعد كل شيء، فهي غارقة في دولارات عائدات النفط وعلى إستعداد لدفع أي قسط للخيار النووي الذي يروق لها. إحتمال آخر، مع ذلك، هو أن الدوافع لتطوير الطاقة النووية تتجاوز تحلية المياه. هذا لا يعني أن المملكة العربية السعودية لم تكن لديها أسباب مشروعة للحصول على الطاقة النووية – فلديها الأسباب. ولكن إذا كانت الحكومة تسعى أيضاً إلى الحفاظ على إمكانية إستخدام البنية التحتية النووية في البلاد لكي تصبح قوة نووية، فإن إختيارها لتصميم أكثر تقليدية والذي تم إختباره وثبت بأنه وسيلة ناجعة لهذا الغرض سيكون مفهوماً ومعقولاً. وفي كل الحالات، فقد أساءت الرياض إلى هدفها المُعلن المتمثّل في خلق المزيد من المياه العذبة لجميع مواطنيها.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى