البحرين تُصدِر معايير جديدة لتحافظ على ريادتها في مجال المصرفية الإسلامية

تعمل الحكومة البحرينية منذ مدة على إصدار قوانين ووضع أنظمة جديدة يمكن أن تساعد البلاد على الحفاظ على مكانتها القوية في سوق الخدمات المصرفية الإسلامية، ولكن يبدو أن هناك الكثير من الرياح المعاكسة لهذه الصناعة التي يمكنها أن تُخرِج سفينة الحكومة عن مسارها كما يروي التحقيق التالي:

مصرف البحرين المركزي: الحفاظ على الريادة في المصرفية الإسلامية
مصرف البحرين المركزي: الحفاظ على الريادة في المصرفية الإسلامية

المنامة – عباس الأحمد

أعلن مصرف البحرين المركزي أنه سيطلق مجلساً شرعياً مركزياً للبنوك الإسلامية في وقت مبكر من العام 2016. وكانت تقارير سابقة أشارت إلى أن المجلس سيبدأ أعماله قبل نهاية العام 2015، وليس من الواضح بعد ما الذي أدى إلى تأخير إنطلاقته.
مع ذلك، يمكن لهذه الخطوة أن توفّر دفعة قوية مفيدة للقطاع المصرفي الإسلامي المحلي في الوقت الذي يواجه إقتصاد المملكة الخليجية الصغيرة بيئة إقليمية صعبة، مع هبوط أسعار النفط وإنخفاض الإنفاق الحكومي.
وسيقوم المجلس الجديد بالإشراف على تطوير المنتجات وإمتثال المؤسسات المالية الإسلامية في البلاد، وتوفير التوجيه لمصرف البحرين المركزي عندما يود أن يضع قوانين جديدة، وللمحاكم عندما تواجه قضايا قانونية تنطوي على التمويل الإسلامي. وهذا من شأنه أن يساعد على ضمان وجود قدر أكبر من الوضوح في الطريقة التي تُطبق فيها مبادئ الشريعة – وهي مسألة مهمة بالنظر إلى أن الإفتقار إلى توحيد المعايير كثيراً ما يُوجَّه إليه اللوم في كبح نمو صناعة التمويل الإسلامي. ولكن هناك العديد من القضايا الأخرى التي تُعيق الصناعة وسيكون لزاماً على البحرين الإستمرار في الإبتكار إذا كانت تود الحفاظ على مكانتها كمركز إقليمي للتمويل الإسلامي.
وقد تلقت مبادرة المجلس الشرعي المركزي دعماً وتأييداً من قبل هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، التي يوجد مقرها في البحرين، والتي تُعدّ واحدة من العديد من المنظمات في جميع أنحاء العالم التي تضع معايير لهذه الصناعة.
“لقد أجرينا الكثير من المناقشات مع مصرف البحرين المركزي في ما يتعلق بالمجلس الشرعي المركزي”، يقول خيرول نظام، مساعد الأمين العام لهيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية. مضيفاً بانها “يمكنها أن تساعدنا على تبني وإعتماد أقوى لمعاييرنا. في ماليزيا، على سبيل المثال، هناك مجلس شرعي مركزي وهو يستخدم معاييرنا كأساس لعمله. ولا شك أن وجود مجلس شرعي مركزي يساعد بالتأكيد على تشجيع إعتماد معايير موحدة”.
مع ذلك، فإنه أشار إلى أن هذه المبادرة ليست مُلزمة لتحقيق النجاح. “عندما يتعلق الأمر بمجالس الشريعة المركزية، فليس هناك مقياس واحد يناسب كل نموذج”، يضيف. “لقد نجحت في بعض الولايات القضائية، ونأمل أنها سوف تنجح في البحرين، ولكن قد لا تكون نموذجاً مناسبأً في بعض الولايات القضائية الأخرى”، مؤكداً.
يوجد حالياً في البحرين 25 مصرفاً إسلامياً، بما في ذلك ستة مصارف لقطاع التجزئة و 19 بنكاً للجملة. وأحدث المصارف الذي مُنح ترخيصاً كان بنك الخرطوم السوداني، الذي أطلق رسمياً عملياته في البلاد في أوائل كانون الاول (ديسمبر) الفائت.
يبدو بعض البنوك المحلية بأن عملياته تسير بشكل جيد للغاية. البحوث الأخيرة التي أجرتها شركة إستشارات الشرق الأوسط العالمية (Middle East Global Advisors) سمّت بنك البحرين الإسلامي كأفضل مؤسسة إسلامية أداءً في العالم من حيث العائد على متوسط حقوق المساهمين والعائد على متوسط الموجودات – وكلاهما من المؤشرات الرئيسية لأداء البنوك وقدرتها على خلق قيمة للمساهمين.
هذه المقاييس ليست إنعكاساً للحجم، مع ذلك، وغالبية المؤسسات الشرعية للشكوى ما زالت صغيرة جداً. متحدّثاً في المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية في المنامة في أوائل كانون الأول (ديسمبر)، إعترف محافظ مصرف البحرين المركزي رشيد المعراج بأن هذا الأمر يولد مشكلة.
“يواصل بنك البحرين المركزي تشجيع البنوك الإسلامية بقوة للدمج أو لإستحواذ مؤسسات أخرى”، يقول. متابعاً بأنه “نظراً إلى البيئة التنظيمية الأكثر صرامة وصعوبة، والتحديات لنموذج أعمالها، وزيادة المنافسة من البنوك الإسلامية والتقليدية، فإن المسار المُفضّل، لا سيما بالنسبة إلى البنوك الإستثمارية الإسلامية، هو الدمج من أجل إنشاء مؤسسات ذات حجم. وهذا ليس فقط يزيد من فرصها في البقاء والصمود من خلال تمكينها من المشاركة في الصفقات الكبيرة، ولكن أيضاً يساعدها على جذب الموارد البشرية الصحيحة”.
عموماً، تلعب البحرين أعلى بكثير من وزنها في التمويل الإسلامي. تتمتع البلاد بالسوق السابعة الأكبر للتمويل الإسلامي في العالم، مع أصول تبلغ قيمتها 73 مليار دولار، وفقاً لوكالة “طومسون رويترز”. وهي ليست بعيدة وراء قطر والكويت، اللتين تبلغ أصول التمويل الإسلامي لديهما 87 مليار دولار و98 مليار دولار على التوالي، على الرغم من أنهما يملكان إقتصادين أكبر بكثير. وتتفوق البحرين أيضاً بسهولة على أمثال تركيا وإندونيسيا ومصر في هذا المجال.
ومع ذلك، فإن أداء قطاع التمويل الإسلامي بشكل عام كان صامتاً في الآونة الأخيرة. فقد تراجع إصدار الصكوك في السنوات القليلة الماضية، على سبيل المثال. وفقاً لتقرير نشرته “طومسون رويترز” في أوائل كانون الأول (ديسمبر) الفائت، إنخفض عدد إصدارات الصكوك من 834 في العام 2013 إلى 809 في العام 2014، وكان هناك 513 إصداراً فقط في الأشهر التسعة الأولى من العام 2015. كما أن المبالغ ألتي جُمِعت عبر هذه السندات المتوافقة مع الشريعة الإسلامية إنخفضت بمعدل أكثر إثارة للقلق، من 137 مليار دولار في العام 2012 إلى 117 مليار دولار في العام 2013، وإلى 102 مليار دولار في العام 2014 وفقط 49 مليار للفترة ما بين كانون الثاني (يناير) وأيلول (سبتمبر) 2015.
بالإضافة إلى ذلك، تكافح الصناعة للخروج من قاعدة ضيّقة. حوالي 74 في المئة من مجموع الأصول المالية الإسلامية تحتفظ بها البنوك، مع 16 في المئة أخرى في شكل صكوك، وفقاً ل”طومسون رويترز”. وهذا يترك مجالات أخرى مثل التأمين والموارد المالية الإسلامية صغيرة بشكل خاص. من الناحية الجغرافية، لم يحرز التمويل الإسلامي أيضاً تقدماً يُذكر. وكما هو عليه الوضع حالياً، فإن نسبة 65 في المئة من أصول هذه الصناعة موجودة في ثلاثة بلدان فقط – ماليزيا، والمملكة العربية السعودية وإيران. ومثل هذه الإخفاقات يُعترف بها على نطاق واسع في الصناعة، وليس فقط في البحرين.
“التمويل الإسلامي مليء بالمبادئ الجيدة والممارسات العادلة، ومع ذلك، فقد فشلت هذه الصناعة في التواصل وتسويقها بشكل علني”، قال خالد حمد عبد الرحمن حمد، المدير التنفيذي للرقابة المصرفية في مصرف البحرين المركزي بينما كان يتحدث في المؤتمر العالمي للمصارف الإسلامية.
ويوافق المسؤولون المصرفيون المحليون على هذا الكلام. “إن إمكانات التمويل الإسلامي هي أكثر مما حصل بالفعل حتى الآن”، يقول أحمد المطوع، رئيس مجلس إدارة بيت التمويل الخليجي في المملكة. وقال: “هناك حاجة إلى خلق وعي أكبر للتمويل الإسلامي، حتى في البلدان الإسلامية. وعدم وجود الوعي، وعدم وجود الفهم، يحدّان من المناطق التي يمكن للتمويل الإسلامي أن يصلها ويعمل فيها، وهذا هو السبب في أننا نرى هذا التركيز [الجغرافي]. وعندما يصبح هناك فهم أفضل، أعتقد أنه سوف يصل إلى مجالات أوسع وإلى أكثر الإقتصادات في جميع أنحاء العالم”.
مثل هذه التعليقات تشير إلى أن المشكلات التي تعانيها الصناعة تكمن في عدم وجود تسويق لائق. بالتأكيد إن ذلك يشكل عاملاً، ولكن هناك المزيد من القضايا التقنية على المحك أيضاً. في كلمته أشار حمد إلى أن الصناعة ضعيفة في عدد من المناطق المهمة، مشيراً إلى عدم وجود سوق لرأس المال نشيطة وكفوءة أو أسواق للمال والإئتمان متطورة. كما أشار إلى أن هناك نقصاً في المهارات في العديد من المجالات الرئيسية لهذه الصناعة، بما في ذلك المتخصصون في المراجعة المحاسبية الشرعية، والرؤساء التنفيذيون والمسؤولون الماليون الذين هم على دراية جيدة بالتمويل الإسلامي.
كما هو الحال مع توحيد المعايير، فإن الحاجة إلى تطوير المهارات والمواهب هي قضية تواجه الصناعة في جميع أنحاء العالم. ويدّعي البعض بأن البحرين هي في وضع أفضل من معظم الدول الأخرى من حيث قاعدة مهاراتها، على الأقل في منطقة الخليج. ويقول البنك المركزي إن البحرينيين يشكّلون 77 في المئة من القوى العاملة في البنوك، وحوالي 68 في المئة من جميع الموظفين في القطاع المالي على نطاق أوسع.
“على الرغم من أن هناك العديد من مراكز التمويل الإسلامي الآن في دول مجلس التعاون الخليجي والتي قد تنافس البحرين، فعلى مستوى الموارد البشرية لا تزال المملكة الصغيرة هي الأفضل”، يقول المطوع من بيت التمويل الخليجي. مشيراً إلى “انها قوى عاملة أكثريتها من السكان الأصليين في مجال التمويل الإسلامي بدلاً من المهاجرين. وهذه قوّتها. وهذا ليس صحيحاً في دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى”.
وهناك عيب آخر للصناعة العالمية وهو أنه يُلاحَظ في كثير من الأحيان عدم وجود أدوات لإدارة السيولة، الأمر الذي يجعل الحياة أكثر صعوبة بالنسبة إلى البنوك المتوافقة مع الشريعة الإسلامية.
“إن إدارة السيولة هي محدودة للغاية وتختلف من بلد إلى آخر”، يقول رياز رياز الدين، نائب محافظ بنك دولة باكستان، البنك المركزي في البلاد. مضيفاً بأنه “يلزم بذل جهود متضافرة لمعالجة هذه المسألة. لقد كانت أدوات إدارة السيولة المحدودة بين القضايا الرئيسية التي تواجه المصارف الإسلامية في معظم الولايات القضائية”.
من جهتها بذلت السلطات البحرينية جهوداً لمعالجة هذه القضية خلال العام الفائت. في نيسان (إبريل) 2015 أطلق مصرف البحرين المركزي أداة لإدارة السيولة المتوافقة مع الشريعة الإسلامية، تُدعى “وكالة”. وهي تهدف إلى إمتصاص السيولة الفائضة لبنوك التجزئة الإسلامية المحلية من طريق السماح لها بوضع الأموال الزائدة مع البنك المركزي. الأداة تستمر مدة أسبوع في وقت واحد وتتم إتاحتها للبنوك كل يوم ثلاثاء. وأي أموال مودعة لدى البنك المركزي تُستثمر نيابة عن بنوك التجزئة في محفظة صكوك.
من ناحية أخرى، تٌقدَّم المساعدة إلى السوق من طريق إصدار المزيد من الصكوك من قبل الحكومة. ولكن على الرغم من أن هناك حاجة واضحة إلى دول مجلس التعاون الخليجي لتمويل عجز موازنتها المتزايد، فإن هناك توقعاً بأن حكومة المنامة تفضّل إصدارات السندات التقليدية على الصكوك في هذه الأيام.
وتقول نجلاء الشيراوي، الرئيسة التنفيذية ل”سيكو”، وهو بنك بحريني للجملة، بأنها تتوقع بأن تركّز البحرين على إصدارات تقليدية في المدى القصير: “بالنسبة إلى البحرين سوف نرى المزيد من الإصدارات التقليدية. وبالنسبة إلى البلدان الأخرى فسوف يعتمد الأمر في الغالب على الشهية المحلية. كما سوف نرى في السعودية إصدارات تقليدية مباشرة. وفي دولة الإمارات العربية المتحدة ستكون الإصدارات مزيجاً من الإسلامية والتقليدية”.
في غضون ذلك، فإنه ليس من الواضح في هذه المرحلة مدى شعبية وسيلة “الوكالة” مع البنوك المحلية. ولكن مثل هذه المبادرات، جنباً إلى جنب مع المجلس الشرعي المركزي المقبل، ستعمل إلى حد ما على مساعدة البلاد للحفاظ على سمعة طيبة في صناعة التمويل الإسلامي كمحور مهم.
“أي ولاية قضائية تفكّر بالتمويل الإسلامي سوف تقصد دائماً البحرين للتعلم من التجربة”، يقول نظام. مضيفاً: “لقد قدمت البحرين كولاية قضائية متخصِّصة قيادة عالية للتمويل الإسلامي لفترة طويلة، وأنا لا أقول ذلك لكي أكون لطيفاً”.
يبقى أن نعلم بأن أصول صناعة المصرفية الإسلامية على مستوى العالم خلال العام الماضي قدّرت بنحو 1.8 تريليون دولار، ومن المتوقع أن يتضاعف هذا الرقم تقريباً بحلول العام 2020 ليصل إلى 3.2 تريليونات دولار، وفقاً لبيانات مؤشر التنمية المالية الإسلامية الصادر عن “طومسون رويترز” والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى