ماذا يعني إنضمام الرنمينبي إلى سلّة عملات الإحتياط؟

بكين – عبد السلام فريد

حتى إنضمام العملة الصينية إلى “حقوق السحب الخاصة” لدى صندوق النقد الدولي في كانون الأول (ديسمبر) 2015 نادراً ما جذب هذا المصطلح العناوين. لقد أحدث هذا الحدث إهتماماً كبيراً لأن كثيرين يرون إدراج الرنمينبي (اليوان) من قبل صندوق النقد الدولي على أنه إقرار بمكانة الصين كقوة إقتصادية عالمية. الواقع أن الرنمينبي هو أول عملة في الأسواق الناشئة تُضاف الى سلة النخبة وأول واحدة جديدة منذ إنشاء حقوق السحب الخاصة قبل ما يقرب من 50 عاماً. بالنسبة إلى الصين، فقد سعت كثيراً من أجل تحقيق هذا الهدف. في الأهمية المالية، مع ذلك، فإن الأمر لا يزال رمزياً الى حد كبير نظراً إلى أنه ستمضي عقود قبل أن يصبح الرنمينبي عملة دولية كبرى.
ضم اليوان إلى سلة عملات الإحتياط – للإنضمام إلى الدولار واليورو والين والجنيه الإسترليني- كان خطوة متوقَّعة واضحة نظراً إلى الوزن الإقتصادي للصين في الإقتصاد العالمي، ويمكن أن تُعتبر على أنها هدية من القوى المالية الغربية – لكنها تحمل أيضاً عبئاً ثقيلاً قد تندم وتتأسف عليها بكين بعد حين. وفقاً لقواعد التأهيل ينبغي على الوافد الجديد تلبية معيارين. يجب أن يكون المرشّح بلداً تجارياً كبيراً، الأمر الذي ينطبق على الصين. ويجب أن تكون عملته “قابلة للإستخدام بحرية”. في البداية كان من المفهوم أن هذا يعني “عملة قابلة للتحويل والتداول بحرية”، وإذا كان الأمر كذلك، فإن الرنمينبي لن يكون مؤهلاً نظراً إلى ضوابط رأس المال الواسعة في الصين. لكن صندوق النقد الدولي توصل إلى التفسير الذي يعني الوسائل المستخدمة على نطاق واسع في المعاملات الدولية – وهذا الشرط ينطبق على الصين نظراً إلى إستخدامها له في تمويل التجارة وترتيبات التبادل والأسواق الفورية للعملة.
ولما كانت القوى الكبرى بدت مستعدة للذهاب إلى جانب هذا التفسير فقد بدا الأمر مفاجئاً نظراً إلى الممارسات السابقة في التعامل بحزم مع الصين بسبب المخاوف الإقتصادية العالمية، بما في ذلك إلتزامها توجيهات منظمة التجارة العالمية. مع ذلك، لم تكن الخطوة في الحقيقة تنازلاً إذ أن الهدف النهائي كان إستخدام إدراج حقوق السحب الخاصة كوسيلة للضغط على بكين من أجل المزيد من الإصلاحات في الأسواق، لا سيما تحسين الأسواق المالية في البلاد والقضاء على ضوابط رأس المال.
من ناحية أخرى، فإن مبدأ صندوق النقد الدولي بأن الرنمينبي يفي بإختبار “قابل للإستخدام بحرية” سيكون له تأثير ضئيل إلى أن يصبح توريد العملة الصينية متاحاً أكثر على الصعيد العالمي. والحقيقة أن هناك إعترافاً قليلاً بمدى الصعوبة لجعل عملة بلد ما تتوفر في النظام المالي العالمي. لقد فعلت الولايات المتحدة ذلك من طريق عجز تجاري ضخم ودفعت بالدولار. كما نشرت الدولارات خارجياً من طريق برامج مساعداتها. لكن الصين لن ترغب في إدارة عجز تجاري بدلاً من الفوائض، كما لن يكون من المنطق بالنسبة إلى بلد نامٍ أن يُعطي المال إلى الدول الغنية. الخيار الآخر الوحيد هو أن تفتح بكين أسواق رأس المال لديها على نحو أكمل للمقترضين الخارجيين حتى يتمكنوا من شراء الرنمينبي. وهذا من المرجح أن يزيد من التقلبات والمخاطر في أسواق البلاد المالية التي هي نسبياً متخلّفة وغير مُنَظّمة بشكل كاف.
إن تعزيز قيمة الرنمينبي كعملة عالمية يجعل من الصعب على بكين إدارة النمو وإحتياجات الإستقرار الأكثر إلحاحاً. هناك تعارض بين لعب دور كعملة دولية – وهو ما يعني واحدة قوية ومستقرة – والحاجة إلى السماح لقوى السوق أن تحدّد قيمتها إستجابة للتغيرات الدورية. لذا لا يمكن للقيادة الصينية تبنّي كلا الإتجاهين إلّا إذا إتخذت نهجاً مختلفاً لإدارة تعديلات سعر الصرف.
يتمثّل التحدّي الرئيسي الآن بالنسبة إلى بكين في الحفاظ على قدر من إستقرار سعر الصرف في الوقت الذي يُسمح لقوى السوق للعب هذا الدور. ويبدو أن الصين تجد نفسها حالياً في ورطة. من جهة، إذا سمحت لقيمة الرنمينبي أن تنخفض بشكل كبير، من المحتمل أن تتلقى إنتقاداً من الولايات المتحدة، التي لا تزال ترى أن العملة الصينينة مقيَّمة بأقل من قيمتها. ومن جهة أخرى، ستكون الصين أيضاً عرضة لمخاوف جيرانها بأنها تنخرط في منافسة تقوم على تخفيض قيمة عملتها للحفاظ على مزايا تجارية. لكن، بربطها سعر عملتها بالدولار، فإن غالبية مراقبي السوق، بإستثناء واشنطن، ترى بأن قيمة الرنمينبي مبالغٌ فيها نظراً إلى إنخفاض قيمة العملات الهائل لشركائها التجاريين الرئيسيين في آسيا وإستمرار التدفق المحتمل لرؤوس الأموال إلى الخارج حيث يسعى المستثمرون الصينيون إلى تنويع حيازاتهم .
على الرغم من ذلك، هناك مسار يمكنه التوفيق بين هدف تعزيز إستخدام الرنمينبي في الخارج في الوقت الذي يتجه إلى المزيد من الحركات القائمة على السوق. وهذا يكمن في التركيز أكثر على التجارة الإقليمية وأنماط الإستثمار. إن ما يقرب من نصف التجارة في البلاد هي ذات صلة بالتجهيز والتجميع – أجزاء ومكونات من دول شرق آسيا الأخرى يتم تجميعها في الصين لتصديرها إلى الغرب. وهناك عملات عدة في بلدان آسيوية تتبع فعلياً الرنمينبي بشكل أوثق من الدولار، وهو ما يعني أنه يمكن أن يُستخدم ك”عملة مرجعية”. إن آسيا سوف تستفيد عموماً من التوسع في إستخدام الرنمينبي لتحسين كفاءة التجارة وتقليل مخاطر سعر الصرف في التجارة الإقليمية الداخلية.
كعملة مرجعية، يجب على الرنمينبي أن يتحرك أكثر إنسجاماً مع العملات الآسيوية وأن يُلغى إرتباطه بالدولار الأميركي. وبالتالي فإن بعض التخفيض في قيمته محتمل ولكن ينبغي أن يتم ذلك من خلال تعديل سعر الصرف تدريجاً ووبشكل أكثر مرونة بدلاً من ربطه بتعديلات كبيرة غير متوقّعة على مدى بضعة أيام. وبالتالي فإن العملة الصينية ستكون مستقرة نسبياً بالنسبة إلى شركائها التجاريين الرئيسيين في آسيا ولكن تتحرك بمرونة أكبر في ما يتعلق بالدولار.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى