الثورة الصناعية الرابعة

شهد العالم الثورة الصناعية الأولى في العام 1787، والثانية في 1870، أما الثالثة فبدأت في 1969 بإستخدام الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات. ويبدو أن الثورة الرابعة التي بدأت بوادرها في ثمانينات وتسعينات القرن الفائت ثورة مستقلة وليست امتداداً للثالثة، لـ3 أسباب: سرعتها الجامحة، ومجالها الواسع، وتأثيرها الهائل في كل المجالات. البروفسور كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الإقتصادي العالمي (دافوس) يشرح لنا ما هي وماذا تعني الثورة الصناعية الرابعة.

industry-1400x788

جنيف – كلاوس شواب*

إننا نقف على حافة ثورة تكنولوجية من شأنها أن تغيِّر جذرياً الطريقة التي نعيش ونعمل بها، ونترابط ونتواصل مع بعضنا البعض. في حجمه ونطاقه، وتعقيده، فإن التحوّل سيكون على عكس ما شهدته البشرية من قبل. إننا لا نعرف حتى الآن كيف سوف تتكشّف هذه الثورة، ولكن شيئاً واحداً واضح: الإستجابة إليها يجب أن تكون متكاملة وشاملة، متضمنةً ومحتوية جميع أصحاب المصلحة في النظام السياسي العالمي، من القطاعين العام والخاص إلى الأوساط الأكاديمية والمجتمع المدني.
إستخدمت الثورة الصناعية الأولى قوة الماء والبخار لمكننة الإنتاج. والثانية إستعملت الطاقة الكهربائية لتوليد الإنتاج الضخم. والثالثة إستخدمت الإلكترونيات وتكنولوجيا المعلومات لأتمتة الإنتاج (أي جعله أوتوماتيكياً). الآن هناك ثورة صناعية رابعة يتم بناؤها على الثالثة، والثورة الرقمية التي تحدث منذ منتصف القرن الفائت. وهي تتميز بمزيج من التقنيات التي تطمس الخطوط الفاصلة بين المجالات المادية والرقمية والبيولوجية.
هناك ثلاثة أسباب لماذا تحوّلات اليوم تمثّل ليس مجرّد إطالة أمد الثورة الصناعية الثالثة بل وصول واحدة رابعة ومتميزة: سرعة، ونطاق، ونظم تأثير. إن سرعة الإختراقات الحالية ليست لها أي سابقة تاريخية. عند مقارنتها مع الثورات الصناعية السابقة، فإن الرابعة تتطور في وتيرة أسيّة رقمية بدلاً من وتيرة خطية. وعلاوة على ذلك، فإنها تعطّل كل صناعة تقريباً في كل بلد. ويبشّر إتساع وعمق هذه التغييرات بتحوّل جميع نظم الإنتاج، والإدارة، والحكم.
إن إحتمالات ترابط وتواصل المليارات من الناس بواسطة الأجهزة المحمولة، مع قوة معالجة، وسعة تخزين، ووصول إلى المعرفة، التي لم يسبق لها مثيل، غير محدودة. وهذه الإحتمالات سوف تتضاعف من طريق إختراقات التكنولوجيا الناشئة في مجالات مثل الذكاء الاصطناعي، والروبوتات، وإنترنت الأشياء، والمركبات والسيارات الذاتية، والطباعة الثلاثية الأبعاد (3-D)، وتكنولوجيا النانو، والتكنولوجيا الحيوية، وعلوم المواد، وتخزين الطاقة، والحوسبة الكمومية (quantum computing).
في الواقع، صار الذكاء الإصطناعي موجوداً في كل مكان حولنا، من سيارات ذاتية القيادة، وطائرات من دون طيار (drones)، إلى المساعدين الإفتراضيين والبرامج الكومبيوترية التي تترجم أو تستثمر. لقد تم إحراز تقدم مثير للإعجاب في مجال الذكاء الإصطناعي في السنوات الأخيرة، مدفوعاً بزيادات هائلة في القدرة الحاسوبية وتوافر كميات هائلة من البيانات، ومن البرمجيات المُستخدَمة لإكتشاف أدوية جديدة إلى الخوارزميات (أنظمة الحلول الحسابية) المُستخدَمة للتنبؤ بمصالحنا وفوائدنا الثقافية. في الوقت عينه، تتفاعل تكنولوجيا التصنيع الرقمية مع العالم البيولوجي على أساس يومي. ويقوم مهندسون، ومصممون، ومهندسون معماريون بالجمع بين تصميم الحاسوب، والتصنيع المُضاف، وهندسة المواد، والبيولوجيا الإصطناعية لريادة التعايش بين الكائنات الحية الدقيقة (البكتيريا)، وأجسادنا، والمنتجات التي نستهلكها، وحتى المباني التي نعيش فيها.

التحدّيات والفرص

مثل الثورات التي سبقتها، فإن الثورة الصناعية الرابعة لديها القدرة على رفع مستويات الدخل العالمية وتحسين نوعية الحياة للسكان في جميع أنحاء العالم. حتى الآن، أولئك الذين حصلوا على الأكثر منها كانوا من المستهلكين القادرين على تحمل التكلفة والوصول إلى العالم الرقمي؛ لقد إستطاعت التكنولوجيا أن تقدم المنتجات والخدمات التي تزيد من كفاءة ومتعة حياتنا الشخصية الجديدة المحتملة. طلب سيارة أجرة، وحجز رحلات الطيران، وشراء المنتجات، ودفع الفواتير، والإستماع إلى الموسيقى، ومشاهدة الأفلام، أو لعب لعبة – كل هذه الأشياء يمكن الآن أن تتم عبر الكومبيوتر ومن بُعد.
في المستقبل، سوف يقود الإبتكار التكنولوجي أيضاً إلى معجزة في جانب العرض، مع مكاسب طويلة الأجل في الكفاءة والإنتاجية. وسوف تنخفض تكاليف النقل والإتصالات، وستصبح الخدمات اللوجستية وسلاسل التوريد العالمية أكثر فعالية، وسوف تنخفض تكلفة التجارة، وكلها ستفتح أسواقاً جديدة وتدفع عجلة النمو الإقتصادي.
في الوقت عينه، كما أشار الإقتصاديان إريك برينجولفسون وأندرو مكافي ، يمكن للثورة أن تُسفر عن مزيد من عدم المساواة، وخصوصاً في قدرتها على تعطيل أسواق العمل. فيما تتم أتمتة العمل (جعله أوتوماتيكياً) في مختلف قطاعات الإقتصاد بأكمله، فإن تشريد صافي العمال بسبب الآلات والأجهزة قد يؤدي إلى تفاقم الفجوة بين العائد على رأس المال والعائد على العمل. من ناحية أخرى، فمن الممكن أيضاً أن تشريد العمال بسبب التكنولوجيا، في مجموعه، قد يؤدي إلى زيادة صافية في وظائف آمنة ومجزية.
لا يمكننا التنبؤ في هذه المرحلة أي سيناريو من المرجح أن يظهر، ويفيد التاريخ إلى أن النتيجة من المحتمل أن تكون مزيجاً من الاثنين. ومع ذلك، أنا مقتنع من شيء واحد – في المستقبل، إن المواهب، أكثر من رأس المال، ستمثّل عاملاً حاسماً للإنتاج. وهذا سيؤدي إلى نشوء سوق عمل فاصلة على نحو متزايد بين “مهارات منخفضة / أجور منخفضة” وشرائح “مهارات عالية / أجور عالية”، والتي بدورها سوف تؤدي إلى زيادة في التوترات الإجتماعية.
بالإضافة إلى كونها مصدر قلق إقتصادياً رئيسياً، فإن عدم المساواة يمثّل أكبر قدر من القلق الإجتماعي المُرتبط بالثورة الصناعية الرابعة. ويميل أكبر المستفيدين من الإبتكار إلى أن يكونوا من مقدّمي رأس المال الفكري والمادي – المبدعون، والمساهمون، والمستثمرون – وهذا ما يفسِّر إتساع الهوة في الثروة بين أولئك الذين يعتمدون على رأس المال مقابل العمل. لذا فإن التكنولوجيا هي واحدة من الأسباب الرئيسية لركود الدخل، أو حتى إنخفاضه، بالنسبة إلى غالبية السكان في البلدان ذات الدخل المرتفع: الطلب على العمال ذوي المهارات العالية زاد في حين إنخفض الطلب على العمال الأقل تعليماً والأقل مهارة. والنتيجة هي سوق عمل مع طلب قوي في النهايات العالية والمنخفضة، ومتدن في الوسط.
وهذا يساعد على تفسير لماذا هناك هذا العدد الكبير من العمال محبطون ويخشون من أن تستمر مداخيلهم الحقيقية ومداخيل أبنائهم في الركود. كما أنه يساعد على تفسير لماذا الطبقات المتوسطة في جميع أنحاء العالم تعاني على نحو متزايد من الشعور السائد من عدم الرضا والظلم. والإقتصاد القائم على الفائز يأخذ كل شيء الذي لا يقدّم سوى وصول محدود إلى الطبقة الوسطى هو وصفة لتوعك ديموقراطي وتقصير.
ويمكن أيضاً أن يتغذّى الإستياء من إنتشار التكنولوجيا الرقمية وديناميات تبادل المعلومات التي تمثّله وسائل الإعلام الإجتماعية. يستخدم أكثر من 30 في المئة من سكان العالم الآن منصات وسائل الإعلام الإجتماعية للتواصل والتعلّم وتبادل المعلومات. في عالم مثالي، فإن هذه التفاعلات تكون فرصة للتفاهم بين الثقافات والتماسك. ومع ذلك، فإنها يمكن أيضاً أن تنشىء وتنشر توقعات غير واقعية بشأن ما يشكّل نجاحاً بالنسبة إلى الفرد أو الجماعة، وكذلك تخلق فرصاً للأفكار المتطرفة والأيديولوجيات للإنتشار.

التأثير في عالم الأعمال

موضوع أساسي في محادثاتي مع رؤساء تنفيذيين عالميين وبعض كبار رجال الأعمال هو أن تسارع الإبتكار وسرعة التعطيل يصعب فهمهما أو توقعهما وأن هذين العنصرين يشكّلان مصدراً لمفاجأة ثابتة، حتى بالنسبة إلى أصحاب أفضل الإتصالات وأكثر المطّلعين. في الواقع، في جميع الصناعات، هناك أدلة واضحة على أن التقنيات التي تستند إليها الثورة الصناعية الرابعة لها تأثير كبير في الأعمال التجارية.
على جانب العرض، العديد من الصناعات تشهد إدخال تكنولوجيات جديدة التي تخلق طرقاً جديدة تماماً لخدمة الإحتياجات القائمة وتعطّل بشكل كبير السلاسل القيمة للصناعات الموجودة. ويتدفق التعطيل أيضاً من منافسين مرنين ومبتكرين الذين، بفضل الوصول إلى المنصات الرقمية العالمية للبحث والتطوير، والتسويق، والمبيعات، والتوزيع، يمكنهم إطاحة مؤسسات راسخة بشكل أسرع من أي وقت مضى من خلال تحسين الجودة والسرعة، أو السعر.
من ناحية أخرى، هناك تحولات رئيسية على جانب الطلب تحدث أيضاً، فيما تزايد الشفافية، ومشاركة المستهلك، وأنماط جديدة من السلوك الإستهلاكي (بنيت بشكل متزايد بعد الوصول إلى شبكات المحمول والبيانات) تجبر الشركات على التكيّف وتغيير الطريقة التي وضعتها، والتسويق، وتقديم المنتجات والخدمات .
وهناك إتجاه رئيسي هو تطوير المنصات المعتمدة على التكنولوجيا التي تجمع بين كلٍّ من العرض والطلب لتعطيل المنشآت الصناعية القائمة، مثل تلك التي نراها في إقتصاد “مشاركة” أو “عند الطلب”. منصات التكنولوجيا هذه، تجعل الأمر سهلاً لإستخدامها في الهاتف الذكي، وإلتئام الناس، والأصول، والبيانات – وبالتالي خلق طرق جديدة تماماً لإستهلاك السلع والخدمات في العملية. وبالإضافة إلى ذلك، فإنها تخفّض الحواجز للشركات والأفراد لخلق الثروة، مغيِّرة البيئات الشخصية والمهنية للعمال. إن منصات الشركات الجديدة هذه تتضاعف بسرعة إلى العديد من الخدمات الجديدة، بدءاً من المصبغة إلى التسوّق، ومن الأعمال الروتينية إلى مواقف السيارات، ومن التدليك إلى السفر…
على العموم، هناك أربعة آثار رئيسية للثورة الصناعية الرابعة في عالم الأعمال – على توقعات العملاء، وعلى تحسين المنتوج، وعلى الإبتكار التعاوني، وعلى الأشكال التنظيمية. إذا كان بالنسبة إلى المستهلكين أو الشركات، فإن الزبائن هم على نحو متزايد في بؤرة الاقتصاد التي هي كل شيء عن تحسين كيفية خدمة العملاء. علاوة على ذلك، فإن المنتجات المادية والخدمات يمكن الآن أن تتعزز مع القدرات الرقمية التي تزيد قيمتها. إن التقنيات الجديدة تجعل الأصول أكثر دواماً ومرونة، في حين أن البيانات والتحليلات تحوّل كيفية الحفاظ عليها. عالم من تجارب العملاء، والخدمات القائمة على البيانات، وأداء الأصول من خلال التحليلات، في الوقت نفسه، يتطلب أشكالاً جديدة من التعاون، لا سيما بالنظر إلى السرعة التي يحدث فيها الإبتكار والتعطيل. وظهور منصات عالمية وغيرها من نماذج الأعمال الجديدة، أخيراً، يعني أن الموهبة والثقافة، والأشكال التنظيمية يجب أن يُعاد النظر فيها.
عموماً، إن التحوّل غير الرحيم من رقمنة بسيطة (الثورة الصناعية الثالثة) إلى الإبتكار القائم على مزيج من التقنيات (الثورة الصناعية الرابعة) يدفع الشركات إلى إعادة النظر في الطريقة التي تجري فيها الأعمال. وخلاصة القول، مع ذلك، هي الشيء نفسه: يحتاج قادة الأعمال وكبار المدراء التنفيذيين إلى فهم البيئة المتغيّرة، وتحدي إفتراضات فرق عملهم، والإبتكار بلا هوادة بشكل مستمر.

التأثير في الحكومة

فيما تستمر عوالم المادية، والرقمية، والبيولوجية في التلاقي، فإن تقنيات ومناهج جديدة سوف تمكّن المواطنين بشكل متزايد للتعامل مع الحكومات والتعبير عن آرائهم وتنسيق جهودهم، وحتى الإلتفاف حول إشراف السلطات العامة. في وقت واحد، فإن الحكومات سوف تكسب قوى تكنولوجية جديدة لزيادة سيطرتها على السكان، على أساس أنظمة مراقبة منتشرة والقدرة على التحكم في البنية التحتية الرقمية. على العموم، مع ذلك، فإن الحكومات ستواجه ضغوطاً متزايدة لتغيير نهجها الحالي لإشراك الجمهور ورسم السياسات، فيما سينخفض دورها المركزي في إدارة السياسة نظراً إلى مصادر جديدة من المنافسة وإعادة التوزيع ولا مركزية السلطة التي تجعلها التكنولوجيات الجديدة ممكنة.
في نهاية المطاف، إن قدرة النُظم الحكومية والهيئات العامة للتكيّف سوف تحدّد بقاءها على قيد الحياة. إذا ثبت أنها قادرة على إحتضان عالم من التغيير المعطِّل، وإخضاع هياكلها إلى مستويات من الشفافية والكفاءة التي تمكّنها من الحفاظ على قدرتها التنافسية، فإنها ستصمد وتدوم. وإذا كانت غير قادرة على التطور، فسوف تواجه مشاكل متزايدة.
سيكون هذا صحيحاً بشكل خاص في مجال التنظيم. لقد تطورت النظم الحالية للسياسة العامة وصنع القرار إلى جانب الثورة الصناعية الثانية، عندما كان لدى صناع القرار الوقت لدراسة موضوع معين وتطوير إستجابة ضرورية أو إطار تنظيمي ملائم. وقد تم تصميم العملية برمتها لكي تكون خطية وآلية، بإتباع نهج “أعلى إلى أسفل” صارم.
ولكن مثل هذا النهج لم يعد ممكناً. نظراً إلى سرعة التغيير والآثار الواسعة للثورة الصناعية الرابعة، يجري الطعن بقرارات المشرعين والمنظّمين إلى درجة لم يسبق لها مثيل وبالنسبة إلى الجزء الأكبر فقد أثبت أنه غير قادر على التعامل معها.
كيف، إذن، يمكنها الحفاظ على مصلحة المستهلكين والجمهور بوجه عام مع الإستمرار في دعم الإبتكار والتطور التكنولوجي؟ من خلال تبني حكم “ذكي”، كما إعتمد القطاع الخاص على نحو متزايد الإستجابة السريعة لتطوير البرمجيات والعمليات التجارية بشكل عام. هذا يعني أنه يجب على المنظمين التكيّف بصورة مستمرة لتغير البيئة السريع الجديد، وإعادة إختراع أنفسهم حتى يتمكنوا من فهم ما هو الشيء الذي يقومون بتنظيمه. للقيام بذلك، فإن الحكومات والهيئات التنظيمية تحتاج إلى التعاون بشكل وثيق مع قطاع الأعمال والمجتمع المدني.
تؤثر الثورة الصناعية الرابعة أيضاً تأثيراً عميقاً في طبيعة الأمن الوطني والدولي، الأمر الذي يؤثر في إحتمال وطبيعة الصراع. إن تاريخ الحروب والأمن الدوليين هو تاريخ الإبتكار التكنولوجي، واليوم ليس إستثناء. الصراعات الحديثة التي تشمل الدول على نحو متزايد هي “هجينة” في طبيعتها، حيث تجمع بين تقنيات القتال التقليدية مع عناصر مرتبطة سابقاً مع جهات فاعلة غير حكومية. الفرق بين الحرب والسلام، ومقاتل وغير مقاتل، وحتى العنف واللاعنف (فكّر بالحرب الإلكترونية) أصبحت ضبابية بشكل غير مريح.
فيما تأخذ هذه العملية مكاناً وتصبح تكنولوجيات جديدة مثل الأسلحة البيولوجية أو المستقلة أسهل للإستخدام، فإن الأفراد والمجموعات الصغيرة سينضمون بشكل متزايد إلى الدول لكي يكونوا قادرين على التسبب في ضرر شامل. وهذه الثغرة الجديدة ستؤدي إلى مخاوف جديدة. ولكن في الوقت نفسه، إن التقدم في التكنولوجيا سوف يخلق القدرة للحد من نطاق أو أثر العنف، من خلال تطوير وسائل جديدة للحماية، على سبيل المثال، أو مزيد من الدقة في الإستهداف.

التأثير في الناس

الثورة الصناعية الرابعة، أخيراً، سوف تغيّر ليس فقط ما نقوم به ولكن أيضاً ما نحن عليه. سوف تؤثر في هويتنا وجميع القضايا المرتبطة بها: شعورنا بالخصوصية، وأفكارنا عن الملكية، وأنماط إستهلاكنا، والوقت الذي نكرّسه للعمل والترفيه، وكيف نطوّر عملنا، وزراعة مهاراتنا، ولقاء الناس، وتعزيز العلاقات. إنها تغيّر بالفعل صحتنا وتقود إلى “تحديد الكمية” لنفسها، وعاجلاً أكثر مما نعتقد فقد تؤدي إلى زيادة البشرية. والقائمة لا تنتهي لأنها مرتبطة بخيالنا فقط.
أنا متحمس كبير ومتبني التكنولوجيا في وقت مبكر، ولكن في بعض الأحيان أتساءل ما إذا كان التكامل غير الرحيم للتكنولوجيا في حياتنا يمكن أن يقلل بعضاً من قدراتنا البشرية المثالية، مثل التعاطف والتعاون. علاقتنا مع هواتفنا الذكية هي مثال على ذلك. الإتصال المستمر قد يحرمنا من واحد من أهم أصول الحياة: الوقت للإستراحة، والتفكير والتبصر، والإنخراط في محادثة ذات معنى.
واحد من أكبر التحديات الفردية التي تطرحها التكنولوجيات الجديدة للمعلومات يتمثل بالخصوصية. نحن نفهم غريزياً لماذا من الضروري جداً، مع ذلك، أن التتبع وتقاسم المعلومات عنا هو جزء حاسم من الربط أو الإتصال الجديد. والنقاشات حول القضايا الأساسية مثل التأثير في حياتنا الداخلية لفقدان السيطرة على بياناتنا المتوافرة سوف تتكثّف في السنوات المقبلة. وبالمثل، فإن الثورات التي تحدث في مجالي التكنولوجيا الحيوية والذكاء الإصطناعي، اللذين يعيدان إعادة تعريف ما يعنيه أن تكون إنساناً من طريق دحر العتبات الحالية للعمر، والصحة، والإدراك، والقدرات، التي سوف تدفعنا إلى إعادة تعريف حدودنا المعنوية والأخلاقية.

تشكيل المستقبل

لا التكنولوجيا ولا التعطيل الذي يأتي معها هي قوة خارجية المنشأ حيث لا سيطرة للبشر عليها. كلنا مسؤولون عن توجيه تطورها، في القرارات التي نتخذها على أساس يومي كمواطنين، ومستهلكين، ومستثمرين. وبالتالي يجب علينا إغتنام الفرصة والقوة لدينا لتشكيل الثورة الصناعية الرابعة، وتوجيهها نحو المستقبل الذي يعكس الأهداف والقيم المشتركة.
مع ذلك، للقيام بالمهمة، علينا أن نضع رؤية شاملة ومشتركة على الصعيد العالمي حول كيفية تأثير التكنولوجيا في حياتنا وإعادة تشكيل البيئات الإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبشرية. لم يكن هناك أبداً وقت لوعد أكبر، أو واحد مع أكبر خطر محتمل. مع ذلك، إن صناع القرار اليوم في كثير من الأحيان محاصرون في تفكير خطي تقليدي، أو غارقون جداً في أزمات متعددة تتطلب إنتباههم وإهتمامهم، والتي تبعدهم من التفكير الإستراتيجي حول قوى التعطيل والإبتكار التي تشكّل مستقبلنا.
في النهاية، كل ذلك يتوقف على الناس والقيم. نحن بحاجة إلى تشكيل مستقبل يعمل لصالحنا جميعاً من خلال وضع الشعب أولاً وتمكينه. وفي شكل أكثر تشاؤماً من إنسانيتها، فإن الثورة الصناعية الرابعة قد تكون لديها في الواقع القدرة على جعل الإنسانية “روبوتية” (تسير آلياً وأوتوماتيكياً)، وبالتالي حرماننا من قلبنا وروحنا. ولكن كعنصر مكمل لأفضل أجزاء من طبيعة الإنسان -الإبداع، والتعاطف، والإشراف – فإنها يمكن أيضاً أن ترفع الإنسانية إلى وعي جماعي وأخلاقي جديد يستند على شعور مشترك في المصير. ويتعين علينا جميعاً التأكد من أن يسود هذا الأخير.

• كلاوس شواب المؤسس والرئيس التنفيذي للمنتدى الاقتصادي العالمي (دافوس).
• كُتِب هذا الموضوع بالإنكليزية وعرّبه قسم الدراسات والأبحاث في “أسواق العرب”

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى