كيف ننقذ الوضع الإقتصادي العربي

بقلم الدكتور عدنان العريضي*

يشهد الواقع الإقتصادي والمالي لبعض دول المنطقة كالسعودية وقطر والامارات ولبنان وغيرها والتي تتأثر بالأزمات والحروب الدائرة في بعض الدول العربية كالتي نشهدها في سوريا والعراق واليمن، تراجعاً واضحاً وهذا ما نلمسه كل يوم . فما هي الاسباب والأهداف الكامنة وراء إطالة أمد هذه الحروب التي سميت “محاربة الإرهاب”، وماذا حققت من مبتغاها حتى اليوم؟ وبالتالي ما هي الرؤية المالية التي تساهم والواقع هذا في إعادة القطاع إلى سابق عهده والمضي به نحو الأفضل؟
من الواضح أن من أهم الأسباب هو جعل الدول الغنية في هذه المنطقة أقل غناء وثروة، خصوصاً بعد إقحامها مباشرة في أتون هذه الحرب وما ستدفعه للدول الغنية الصناعية ثمن أسلحة وذخائر هذا من جهة، ومن جهة أخرى إلغاء خطر هذه الدول وثرواتها على إسرائيل ( أو التخفيف منه في أقل تقدير) التي تتمادى في إستخراج الغاز والنفط في البحر منتهكة حقوق بعض دول المنطقة دون حسيب أو رقيب.
وفي السياق نفسه لا بد أن نتوقف عند الإنخفاض المستمر في أسعار البترول ومشتقاته الذي كانت له تأثيراته السلبية في الدول المُنتجة، إذ إنخفضت موازناتها المعتمدة على البترول ما بين 70 إلى 90 في المئة إلى ما بين 55 و65 في المئة. وهذا ما سينعكس سلباً على قدرتها الإنفاقية على المشاريع التنموية خصوصاً وأن معظم هذه العوائد البترولية ستذهب للمجهود الحربي.
كما وأن الإنخفاض في القدرات المالية الذي سيستمر بعد رفع العقوبات عن إيران وعودتها إلى الأسواق البترولية وبالتالي التأثير سلباً في أسعار النفط والغاز، سيؤدي إلى تقليص القدرة الشرائية لدى المواطنين في ظل إرتفاع أسعار الواردات والتضخم المتوقع (بحدود 4 % لعام 2016)، وكذلك سيؤدي إلى زياد البطالة وهجرة الأدمغة، كل هذا سيصب في مصلحة الدول الصناعية وليس في مصلحة دول الشرق الاوسط.
ومن هنا ، فإنه حيال هذه المستجدات وقبل فوات الأوان يجب الإسراع بالقيام بالتالي:
1- إنشاء بنك مركزي للدول الخليجية وتكوين مخزون إحتياطي عال من الذهب والعملات الصعبة؛
2- إرغام المصارف والمؤسسات المالية على تكوين إحتياطات عالية للطوارىء والقروض المتعثّرة؛
3- السماح للمودعين بأن تكون لديهم نسبة معيّنة من ثرواتهم النقدية في حسابات مصرفية بالعملات الأجنبية؛
4- المحافظة على إستمرار المؤسسات في القطاع الخاص عبر مدّها بالسيولة اللازمة؛
5- تكوين إحتياطات كبيرة في مجال المواد الغذائية الإستراتيجية كالقمح والرز والسكر والطحين؛
6- المحافظة على معدل مقبول من البطالة وعلى جيل الشباب المنتج عبر الحد من الهجرة؛
7- تكوين إدارات فاعلة وفعالة لمراقبة الأسعار ومكافحة الغش والإحتكار؛
8- المحافظة على معدّلات نمو مقبولة للناتج المحلي العام؛
9- المحافظة على تصنيف دولي عال أو مقبول من طريق الحفاظ على القدرة على الإيفاء بالإلتزامات والتعهدات الدولية في مواعيد إستحقاقاتها.
وإذا ما أردنا الغوص أكثر في آليات تعزيز القطاع المالي – والذي نقصد به البنوك المركزية والجهاز المصرفي في القطاعين العام والخاص والمصارف الإسلامية إضافة إلى صناديق التنمية الإقتصادية والإجتماعية – فتأتي عبر خمس قنوات متلازمة.
ويأتي في مقدمتها خلق الوضع السياسي العام والأجواء الإقتصادية والتشريعية الملائمة لعمل المؤسسات المالية ومواكبة تطورها الإيجابي مروراً بزيادة الرساميل الخاصة لهذه المصارف والصناديق كي تتمكن من زيادة قاعدة الودائع بشكل تحافظ على نسبة الملاءة المطلوبة بموجب إتفاقية بازل 3 من ناحية وزيادة تسليفاتها للقطاعات الإنتاجية والخدماتية من ناحية أخرى.
وثالثاً يأتي تعزيز الجهاز البشري لهذه المؤسسات بكفاءات شابة متخصصة جديدة، كما حدث في إمارة دبي التي إستطاعت أن تجذب الآلاف من الدولارات لتوظيفها في قطاعاتها وإيداع بعضها لدى مصارفها.
وبعدها تعزيز السوق الرأسمالية أو البورصة من طريق التشريعات الحديثة والجهاز البشري الإداري والتقني العالي الكفاءة، والرأسمال العامل الذي يمكنها من القيام بواجباتها وتحقيق الاهداف الوطنية من خلال التوزيع العادل للثروة على الشركات المصدرة للأسهم وسندات الدين .
كل هذا يقودنا إلى وجود سلطة نقدية قوية وفعالة (البنك المركزي) قادرة على إتخاذ القرارات السليمة وعلى حسن تنفيذها وقادرة على :
تطوير الجهاز المصرفي والمحافظة عليه؛ وخلق الإستقرار الإقتصادي وتطوره بنمو إيجابي؛ وخلق الإستقرار النقدي؛ وتطوير السوق الرأسمالية الحرة؛ والمساهمة في درس وإصدار التشريعات المالية والنقدية والتشريعات التكنولوجية اللازمة لعمل المؤسسات المالية؛ والإصرار على إنشاء المحاكم المالية المتخصصة وتحسين سبل التبليغ كأن يصبح إلكترونياً وتسريع إصدار الأحكام.

• خبير إقتصادي وأستاذ أكاديمي

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى