التقدّم إلى الوراء

بقلم إيلي صليبي*

دخل لبنان العام 2016 قبل المسيح، يوم الأول من الشهر الجاري، جثّة بلا رأس تحتفل برأس سنة جديدة، متقدّمًا إلى الوراء حولًا آخر من الخرف السياسيّ، ومن عتاقة الأميّة التاريخيّة.
ومع ذلك تقبّل الشعب التهاني في مجالس العزاء.
أقيمت الأفراح، وتبودلت الأنخاب، ودُقّت الأقداح بالأقداح، وتكررت عبارة “ينعاد عليكم” على كلّ لسان، وكأنّما التشبّث بما فات يُبهج القلوب، ولم يَشُبه نغصة أو “جُرصَة”.
التقدّم إلى الوراء فنّ من فنون حبّ البقاء ولو على “الخازوق”، أما مسايرة العصر وحداثته فمتاهة وتفاهة، وأمّا الإنتماء إلى القرن الواحد والعشرين فغباء وبلاهة.
يكفي أن يكون الزعيم بخير لنكون بخير.
يكفي أن يكون في كلّ حيّ “مولّد” لنستغني عن كهرباء “إديسون”.
يكفي أن تصل المياه بالصهاريج مرتين أو ثلاثًا في الأسبوع لنستعيض عن الحنفيات بالأبآر الجوفيّة.
يكفي أن تغضّ البلديّات النظر لنفلت مجاريرنا على الطرقات وننسى أمر الصّرف الصحّيّ.
يكفي تركيم نُفايتنا أمام بيوت الغير، وتركيم نُفايات الغير أمام بيوتنا، وحرقها سرًّا، بدل ما كان طمرًا مضرًّا بالبيئة.
يكفي أن يفكّر المسؤول بتصدير الزّبالة ولو تأخّرت الصفقة لأسباب لا شأن لديوان المحاسبة بها.
يكفي أن تداهم وزارة الصّحة المستودعات والسوبر ماركات والمطاعم لنطمئن إلى سلامة الجراثيم المستوردة.
يكفي كلّما وقع إنفجار بادرت وزارة الصحة إلى معالجة الجرحى على حسابها الجاري مع المستشفيات رغم الخلافات على المستحقّات.
يكفي أنّنا عالقون بين الأمر الواقع وواقع الأمر في كلّ شأن وأمر، من تناتش المال العام، إلى تحاصص الصفقات فوق الطاولات وتحتها، ما دام الفساد سمة، والرشوة تعجّل المعاملات.
يكفي أننا نتحاور لتنظيم الإختلافات والخلافات، ونبقي على “شعرة معاوية” تحت المظلّة الدّوليّة، ونعطي المرجعيات الإقليميّة فرصة الإستجمام والإستحمام بصابوننا “البلدي”.
يكفي أننا متلهّون بالضائقة الإقتصاديّة والمعاناة المعيشية، عن هموم وزرائنا ونوابنا في تمديد إجازة الحكومة وولايات المجلس.
يكفي اليوم شرّ الغد من الإسهال في النزوح، والهجرة، وشلل اليد العاملة، وقد فتحنا باب إستعادة الجنسية للذين “تخوّا في القبور”.
يكفي أنّ السماء ما زالت تُمطرنا بالثلوج والهطل، من دون صلاة إستسقاء.
ما زلنا نتقدم…
ولو إلى الوراء.
وما زالت الأعجوبة اللبنانيّة قائمة ومستمرة. ولو بفارق أنّ العالم في العام 2016 بعد المسيح ونحن في سنة 2016 قبل المسيح.

• كاتب وأديب وإعلامي لبناني؛ المدير العام السابق للأخبار في المؤسسة اللبنانية للإرسال (أل بي سي).

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى