كيف إستخدمت طهران “الدولة الإسلامية” للهيمنة على سوريا والعراق

لندن – باسم رحال

الخيار يبدو بسيطاً. في جانب يقف الملالي بلباسٍ ملكي، ذلك النوع من الرجال الذين كانوا يحمون كنوز بلاد فارس قبل الإسلام لكنهم الآن يغرّدون إضافة على “تويتر” باللغة الإنكليزية. على الجانب الآخر تقف “الدولة الإسلامية” (داعش)، مع غزوها وإغتصابها ونهبها. وقد وصف محمد جواد ظريف وزير الخارجية الإيراني، الواقع أفضل من أي شخص. “إن الخطر الذي نواجهه وأنا أقول إننا، لأن لا أحد بمنأى – يتجسّد في رجال مقنّعين يخرّبون مهد الحضارة”، محذِّراً من التعلّق بإمكانية التقارب بين واشنطن وطهران ضد “داعش”.
مع ذلك، تحت مثل هذه العبارات المثيرة للقلق هناك إستراتيجية أكثر خبثاً. إن إيران تستخدم صعود “الدولة الإسلامية” في الشرق الأوسط لتعزيز قوتها. إن طهران هي الآن حليف رئيسي في دعم شيعة العراق والنظام العلوي لبشار الأسد ضد الجهاديين السنّة الشرسين والمسلحين تسليحاً جيداً. في تلك المعارك، تسهر طهران على الأرجح على القيام بما يكفي للتأكد من أن السنة لن يستولوا على أجزاء الشيعة في العراق ومناطق الأسد في سوريا، ولكن لا أكثر من ذلك. في الوقت عينه، في أعقاب تصاعد “داعش”، عملت طهران على تقوية الميليشيات الشيعية الراديكالية الخاصة بها.
ويمكن أن تكون النتيجة زعزعة دائمة لإستقرار قلب العالم العربي. سيكون ذلك إنتصاراً كبيراً للجمهورية الإسلامية الفارسية، التي شهدت إرتفاع حظوظها وفرصتها فيما مصر وتركيا أصبحتا غارقتين في أزمات، وفيما المملكة العربية السعودية، المنافسة السنية الجدية المتبقية، قد تورطت في حرب اليمن.
إن نموذج إيران للعمل في الخارج يُرسَم من خبرتها في لبنان في أوائل ثمانينات القرن الفائت، عندما عمل النظام على دمج مجموعة متنوعة من الأحزاب الشيعية إلى “حزب الله”. وبتوجيه إيراني، إستهدف “حزب الله” الولايات المتحدة، حيث قاد بلاد العم سام للخروج من لبنان بعدما قصف ثكنات مشاة البحرية الأميركية في بيروت في العام 1983. وهذا الهجوم أعاد صنع لبنان؛ منذ ذلك الحين، صار لطهران صوت قيادي في سياسة البلاد، وعمل “حزب الله” كوكيل إرهابي مع قوته الأكثر تدميراً في العالم العربي.
كررت الجمهورية الإسلامية الإيرانية نموذج لبنان في العراق بعد 2003. كان لطهران هدفان متكاملان: طرد الولايات المتحدة من العراق ومنع تشكيل عراق جديد معادٍ لإيران. مرة أخرى، تحوّلت طهران الى تطوير الميليشيات الشيعية الراديكالية. وتسابقت الميايشيات شبه العسكرية على مهاجمة القوات الأميركية وترهيبها، وقتلت بعض الأحيان، الشيعة العلمانيين ورجال الدين العراقيين المتمردين.
في العام 2011، حققت طهران نجاحاً باهراً مع إنسحاب القوات الأميركية. ومنذ ذلك الحين، مع ذلك، فقد واجهت صعوبة في السيطرة على الزعماء الشيعة العراقيين ذوي التفكير المستقل. لذا كان “داعش” بالتالي نعمة. لم تستطع أميركا المترددة ولا الجيش العراقي المتداعي من حشد إستجابة فعّالة. ملأ المستشارون الإيرانيون والميليشيات الشيعية الفراغ، حيث أمّنوا حماية بغداد ووطّدوا نفوذ طهران مع السكان الشيعة في العراق.
كان على ايران أن تكون سرية في العراق ولو لمرة. إنتقل قاسم سليماني، قائد فيلق “القدس”، وحدة التدخل السريع الأساسية في “الحرس الثوري الإسلامي” الإيراني، إلى بلاد الرافدين بسرية حتى لا يثير غضب العراقيين الذين كانوا حذرين وقلقين من وجود أسياد فارسيين. وعلاوة على ذلك، كانت طهران تهتم بقدر كبير بما تقوم به المؤسسة الدينية الشيعية العراقية، بزعامة آية الله علي السيستاني. مباشرة أو من خلال وكلاء، خلط الإيرانيون المداهنة، والإعانات، وقليلاً من الترهيب للحصول على طريقهم في النجف وكربلاء، والمراكز الكبيرة للتعليم الإسلامي في بلاد ما بين النهرين. ولكن تلك الأيام قد ولّت. مع صعود “داعش”، وما يترتب عليه من إرتفاع القوة الصلبة الإيرانية، فقد أصبحت طهران بشكل ملحوظ أقل قلقاً بشأن التصورات العراقية والإنسجام داخل المؤسسة الدينية.
لقد ذهبت، أيضاً، تلك الأيام التي كانت فيها طهران قلقة كثيراً من السنة المعتدلين. خلال ثمانينات وتسعينات القرن الفائت، مارست إيران بدأب نهجاً خاصاً بالنسبة إلى السنة المتطرفين. لقد قاد الرئيس علي أكبر هاشمي رفسنجاني، ومساعده، حسن روحاني، هذا التواصل، في محاولة لإقناع العرب السنة على التركيز على عدو مشترك، الولايات المتحدة وإسرائيل. وقد لعب “حزب الله” اللبناني، مع عماد مغنية في الصدارة، دوراً أساسياً في مساعدة الملالي في حل خلافاتهم مع المتشدّدين من العرب السنة.
لكن جهود الجمهورية الإسلامية الفارسية أنتجت نجاحاً هامشياً: عدد قليل جداً من الجماعات السنية ترتبط مع طهران؛ غالبيتها كانت على إستعداد لأخذ مال الملالي والأسلحة. لقد قبل تنظيم “القاعدة” في العراق بشكل متقطع المساعدة الإيرانية حيث أضرّ بالولايات المتحدة. ولكن قدرة طهران على إجبار الحكومات العربية على قبول أولوياتها لا تزال محدودة. كانت طهران تعرف دائماً أنه في المعقل الإسلامي في الشرق الأوسط، فإن عدد الشيعة والسنة متقارب تقريباً. من خلال تبني الطائفية، فإن إيران تلعب الآن دوراً مؤثّراً، إن لم يكن مهيمناً، في جميع أنحاء المنطقة.
إذا أراد المتطرفون السنة تأسيس خلايا إرهابية داخل المجتمعات الأقلية السنية في إيران، فإن طهران قد ترغب في خنق “داعش”. مع ذلك، مع إستبعاد هذا الإحتمال، فإن نظام الملالي ليست له مصلحة في التقليل من حمام الدم الطائفي الذي سمح له بأن يتمتع بتأثير أكبر من أي وقت مضى منذ ثورة 1979. في أحسن الأحوال، فقد جلبت معاداة الولايات المتحدة لطهران زميل مسافر. لقد أعطى “داعش”النظام أفضل ضربة له لبناء إمبراطورية. بالنسبة إلى النخبة الحاكمة في إيران، لم يُنظَر أبداً إلى كره السنة للشيعة بأنه شيء جيد.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى