أكتبوا على حيطان المدينة: يحيا الموت

بقلم إيلي صليبي*

كُتِب هذا المقال في العام 2020

هنا، على بُعد أعوام، عُلّقت “أمّ الشرائع” على عود مِشنقة.
أُنزلت جثمانًا ملفوفًا بعلم العار في تراب جبّانة مُلتَبسة العنوان كيلا يوضع على قبرها وردة.
لم تتلَ عليها صلاة. ولم تُقم لها مجالس عزاء.
أكتبوا على حيطانها: يحيا الموت.
فالحياة فيها مكروهة، والموت ممجَّد.
مدينة حصرت الوطن وإختصرته، مركزته وخنقته.
مدينة تزغرد للقتيل والقاتل.
تعشق رائحة الدم، وتتعطّر من قوارير الزبالة.
حاضرة بُنيت بعرق شغّيلة مستوردين، ودُمِّرت بأيدي النازحين، وإنصرف أهلوها لمعاقرة عصير الوهم، وللسّكر بالكؤوس الفارغة.
عاصمة إنتُحرت على قدميّ مُغتصبها بعدما أدمنت اللّذة بالوجع، ولم يعد لحمها صالحًا للمراودة.
أمّ المدن عاهرها الغرباء في أسرّة أبنائها، وعلى مرأىً من بعلها المُصاب بعجز ليلة الدخول عليها.
بيروت خدمت خادمتها، وباعت مصاغها لإطعام المتناوبين عليها، وتسوّلت آخر زفرة قبل الوفاة.
أكتبوا على حيطانها: يحيا الموت.
………………..
هنا، على مقربة من أعوام مضت، قيل: الحقّ لا يموت، والشعب حراك. وقامت الثورة. فإبتسم الليث وبرزت أنيابه. ونامت نواطير بيروت عن ثعالبها، وإنتصر “كافور على المتنبّي”.
وأقام سلاطين هذا الزّمان الليالي الملاح من دون أفراح. صار الخجل “موضة” بالية. أضحى الدارج فجورًا، والحرام “موتًا رحيما”.
تحوَّلت المدينة إلى خمّارة في ظاهر البلد، وحَكَم خصر راقصة شرقيّة العباد بردفيِّ بقرة غير حلوب. ومن كانوا حرّاسًا صاروا سجناء، وإنسحبت “سويسرا الشّرق” إلى موقعها الطبيعي في الغرب تاركة “ستّ الدنيا” شمطاء عارية حتى من “ورقة التّين”.
……………….
أكتبوا على حيطان المدينة: من هنا مرّت الحياة.
إبحثوا بين الأنقاض عن كتاب مزّقته عاديات ثقافة الموت قبل أن يُقرأ.
إبحثوا عن أشلاء أجنّة لم يُولدوا وعاجلتهم المنيّة في أرحام أمّهاتهم.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى