لماذا لا تتمتّع المرأة السعودية بحق الإقتراع إلّا شكلياً

على الرغم من القرار الملكي الذي صدر في 2013 في زمن الملك عبد الله بن عبد العزيز والذي منح المرأة في المملكة العربية السعودية الحق في التصويت في االإنتخابات البلدية، فإن مجموعة من الحواجز الثقافية والقانونية والإجتماعية تمنع وتحول دون إقبال نسائي قوي على مراكز الإقتراع كما يفيد التقرير التالي.

مجلس الشورى السعودي: تجربة دخول المرأة إليه كانت ناجحة
مجلس الشورى السعودي: تجربة دخول المرأة إليه كانت ناجحة

الرياض – راغب الشيباني

عندما فُتِح تسجيل الناخبين في آب (أغسطس) الفائت، فإن عدداً قليلاً من صديقات رنا (…) تذكّر الأمر، وعندما لفتت الخريجة الجامعية إبنة ال25 ربيعاً إلى الأمر أثارت نظرات غريبة بين الحاضرات. لا أحد منهن كان يخطط للمشاركة في الإنتخابات البلدية التي ستجري في المملكة العربية السعودية في 12 كلنون الأول (ديسمبر) – إنه الإقتراع الأول الذي سيتم فيه السماح للنساء بالوقوف في الصفوف كناخبات ومرشَّحات في تلك البلاد.
“صديقاتي يعرفن موعد الإنتخابات، ولكنهن لسن متحمسات لها”، كما أشارت رنا بعد ظهر أحد أيام تشرين الأول (أكتوبر) من مكتبها في شركة للعلاقات العامة في جدة. وأضافت: “إنهن لم يسجلن أسماءهن للإقتراع”.
لقد شعرت رنا بشعور مختلف. بالتأكيد، إنها خطوة صغيرة، وربما قد يأتي منها القليل، لكنها كانت مصرة على أهميتها. “نحن بحاجة إلى وصول النساء إلى هذه العملية”، قالت لأصدقائها وعائلتها – وإلى نفسها. “يمكن للمرأة أن تفعل أشياء كثيرة مفيدة للمجتمع”، مضيفة.
ولكن في حالة رنا، تلك الأشياء لا تشمل التسجيل للإقتراع؛ فهي عددت الكثير من العقبات التي واجهتها: كانت فترة التسجيل وجيزة جداً، والوثائق المطلوبة مُرهقة جداً للحصول عليها، والوصي القانوني – وهو أمر مطلوب من جميع النساء السعوديات للحصول على أدنى الأمور البيروقراطية – لم يكن موجوداً؛ إضافة إلى ميل عائلتها إلى التفكير في أن السياسة هو من إختصاص الرجل، كل ذلك أدى إلى إثباط عزمها وجهودها.
في المملكة العربية السعودية، تتشارك نساء كثيرات تجربة رنا. وتقول لجنة الانتخابات أن النساء يشكّلن حوالي 22 في المئة من الناخبين الجدد في الإنتخابات البلدية في كانون الاول (ديسمبر)، أو 130.673 إمرأة حسب رئيس اللجنة التنفيذية والمتحدث الرسمي للانتخابات المهندس جديع القحطاني.
يصف صانعو السياسات والناشطات في السعودية على حد سواء منح النظام الملكي المرأة حق الإقتراع في الانتخابات البلدية كمعلم في مجال تخفيف القيود الصارمة المعروفة في البلاد على النساء. (يتم التعامل مع الإناث في المملكة من المهد إلى اللحد تحت الوصاية، ولا يمكنهن إتخاذ قرارات – من السفر إلى التعليم – من دون موافقة الرجل). ولكن يبدو أن أرقام التسجيل المخيِّبة للآمال تروي قصة أخرى. بعض الرافضات يجادلن بالفعل بأن ذلك يثبت بأن المرأة ليست قادرة أو مهتمة في التورط في السياسة.
لكن الأرقام المنخفضة في التسجيل ليست إنعكاساً لإهتمام الإناث بقدر ما هي مؤشر على العديد من الحواجز التي لا تزال تقف في طريق المرأة السعودية التي تأمل في المشاركة في الحياة العامة.
إن عملية التسجيل التي هدفت إلى تمكين المرأة إنتهت إلى التذكير بنواح كثيرة لا تزال تعيق تقدم المواطنات في المملكة.
كاانت الآمال كبيرة في المجتمع النسائي السعودي عندما أعلن العاهل الراحل الملك عبد الله بن عبد العزيز في 2011 أن النساء سوف يسمح لهن بالتصويت في إنتخابات المجالس المحلية التي تم تشكيلها لأول مرة في العام 2005، والتي تمارس دورها في درس والموافقة على مشروعات عدة مثل الطرق الجديدة وشبكات الصرف الصحي وكم يجب أن تكلف. وقد وعدت السلطات بأنها ستكون مستعدة لمشاركة المرأة بحلول العام 2015.
ويرتبط فتح الباب أمام النساء بسلسلة من الإصلاحات الأخرى في المجالس البلدية. في الإنتخابات السابقة، إختار الناخبون نصف أعضاء المجالس البلدية، في حين تم تعيين النصف الآخر من قبل الحكومة. وهذا الرقم الآن سوف يتغيّر إلى إنتخاب الثلثين من الأعضاء وتعيين الثلث الباقي. كما توسعت صلاحيات المجالس الجديدة بالنسبة إلى مراجعة المشاريع المحلية والإنفاق. والأهم هو أن كل مجلس ستكون له موازنته الخاصة، منفصلة عن تلك المخصصة لمكتب رئيس البلدية حيث من المفترض أن يقدم المجلس المشورة. وفي الوقت عينه، إنخفض الحد الأدنى لسن التصويت من 21 سنة إلى 18 سنة.
ولكن في عشرات المقابلات، روت نساء سلسلة من العقبات التي وقفت في طريق جهودهن للتسجيل. وكان التوقيت الشكوى الأكثر شيوعا: فتحت مراكز تسجيل الناخبين في 22 آب (أغسطس) وأُغلقت في 14 أيلول (سبتمبر) – وهي فترة السفر الأكثر شعبية في المملكة، عندما يغلق كثير من المحلات والمكاتب في البلاد. وشملت هذه الفترة إرتفاع حرارة آب (أغسطس)، والتي إنخفضت قبل موسم الحج السنوي. رنا، على سبيل المثال، كانت تزور عائلتها في الرياض خلال ذلك الوقت، وهو إلتزام منعها من التسجيل في جدة.
“كان على المسؤولين أن يتابعوا فتح مكاتب التسجيل بعد الحج”، يقول خالد المعينة، رئيس التحرير السابق لصحيفة “عرب نيوز” المحلية. مضيفاً: “هذا هو الوقت الذي نسافر خلاله جميعاً إلى الخارج لقضاء إجازة. إذا لم تتسجل النساء، فالسبب يعود إلى المسائل اللوجستية”.
من ناحية أخرى، أثبتت الوثائق المطلوبة للتسجيل بأنها شاقة أيضاً. يتطلب من الناخبين جلب بطاقاتهم الوطنية، وإثبات الإقامة، وهو طلب معقد في بلد حيث تعتمد معظم النساء على ولي أمر للتملك، ودفع فواتير المياه والكهرباء، وتوقيع عقود الإيجار. وإذا لم تستطع الناخبات ضمان أي إثبات للإقامة بأسمائهن، فإن البلدية طلبت بدلاً من ذلك شهادة مختومة من الحكومة المحلية. ولكن بعض النساء قيل لهن في مكتب بعد آخر أن هذه الخدمة لم يتم تجهيزها لأحد لتقديمها.
“لقد كانت فوضى كبيرة؛ كان الأمر حقاً متعباً”، تروي ناشطة منذ فترة طويلة في جدة، واصفة تجربتها. أولاً رفضت شركة الهاتف وضع عنوان على فاتورة تحمل إسمها. وبالتالي فإن مركز تسجيل التصويت وجّهها إلى مكتب رئيس البلدية لتصديق شهادة إستئجار منزلها. هناك، قيل لها، إن غرفة التجارة والصناعة في جدة هي التي تقدم هذه الخدمة – ولكن الغرفة بدورها رفضت أيضاً. في النهاية، تطلّب الأمر الطلب إلى صديق بيروقراطي من أجل الحصول على شهادة مختومة.
كانت الضغوط الإجتماعية أيضاً هائلة ومعثِّرة. على سبيل المثال لم تلقَ رنا تشجيعاً من عائلتها على التصويت، وبعض العائلات لم تسمح لإناثها بالتسجيل تماماً. “بعضهم لديه هذا الرأي حول النساء بأنهن لسن قادرات على فعل أي شيء”، كما تقول.
في الوقت عينه، أطلق المحافظون الإجتماعيون في المملكة العربية السعودية حملة بواسطة وسائل الإعلام الاجتماعية يحذرون فيها من الإنحطاط الأخلاقي إذا تم إنتخاب النساء. “أقول: يُحظَّر على النساء المسلمات المشاركة”، قال أحد رجال الدين الذي يتبعه على تويتر 161،000 شخص، عبد الرحمن بن ناصر البراك، في فتوى، محذّراً من “عواقب في الآخرة” بالنسبة إلى النساء اللواتي يشاركن.
مزيج من العقبات اللوجستية والإجتماعية منعت حتى بعض المدافعات الأكثر صخباً عن حقوق المرأة في المملكة العربية السعودية من التسجيل والإنضمام إلى قوائم الناخبين والناخبات. واحدة كانت منى أبو سليمان، الأمينة العامة السابقة لمؤسسة الوليد بن طلال وواحدة من أبرز الشخصيات التلفزيونية الإناث في المملكة. بين أسفارها الخاصة وتلك لولي أمرها، والدها، لم تكن قادرة على جمع الوثائق اللازمة لإثبات إقامتها.
“جزء مني مستاء للغاية لأنني لم أكن قادرة على التسجيل”، كما تقول. “أنا أفهم الحاجة إلى إثبات أننا نعيش حياة واحدة، لكنهم جعلوا الأمر صعباً جداً، مع توقيت وفترة قصيرة جداً”، مضيفة.
حين تكافح الناشطات الملتزمات بحقوق المرأة لتقديم أوراقهن، فإن النساء من الخلفيات الأكثر محافظة لم يصلن إلى هذا الحد. من الناحية القانونية، يمكن تسجيل الناخبات من دون موافقة ولي الأمر – ولكن في الممارسة العملية، هذا نادراً ما يحدث. المرأة هنا لا يمكنها أن تقود سيارة، وكثير من الأسر يصر على عدم مغادرتها المنزل من دون مرافقتها لأحد أعضاء الأسرة من الذكور. “إن العقبة الأولى هي التنقل – لم يسمح الأزواج لزوجاتهم بالذهاب للتسجيل”، يقول المعينة.
أكثر من ذلك …لقد كتب الصحافي عبدالواحد الحميد في صحيفة “الجزيرة” السعودية في 15/10/2015: “لا أعرف كيف يمكن للمرشحات في إنتخابات المجالس البلدية إقناع الناخبين والحصول على ثقتهم إذا كانت المرشحات لا يستطعن مخاطبة الناخبين إلا من طريق وكيل ذكر أو شركة يمثلها ذكر!”.
مضيفاً: “أعتقد أن هذا الإجراء الذي تم الإعلان عنه (لا يحق للمرأة المرشحة أن تخاطب جمهورها إلا بواسطة وكيل ذكر) هو بمثابة تكريس لدونية المرأة التي لازالت تعاني من فقدان الثقة والمصداقية في مجتمعنا الذكوري حتى لو كانت تحمل أعلى الشهادات العلمية، أو كانت تحمل تجربة عملية طويلة، فبالله عليكم تخيلوا حضرة الوكيل وهو يتحدث بلسان موكلته ويجيب على الإستفسارات عن برنامجها، ويجتهد في توضيح أفكارها وكأنها مخلوق خرافي يعيش في عالم الخيال!! أو تخيلوا مندوب الشركة الذكر يعقد مؤتمراته الصحافية بالنيابة عن الأنثى المرشَّحة التي هي من القصور بحيث تحتاج إلى مندوب ذكر من شركة ربحية متخصصة في تلميع الناخبات اللاتي سنعتمد عليهن لحل مشاكل المجتمعات المحلية التي ستُقام فيها المجالس البلدية!؟”
وتساءل: “إذا كانت هذه المرشحة هي من القصور بحيث تحتاج إلى ذكر يمثّلها في مخاطبة الناخبين فلماذا نسمح لها أساساً بالترشح؟ ولماذا لا نطلب منها (الله لا يهينها) أن تذهب إلى بيتها ومطبخها وتتفرغ لطهي الطعام لأطفالها وغسل ملابسهم وترك وظائف الذكور للذكور بحسب ما وقر في قلوبنا وعقولنا وإستقر في أذهاننا وقناعاتنا!؟”.
وإنتهى إلى القول: “لقد كانت إتاحة الفرصة للمرأة السعودية للترشح في إنتخابات المجالس البلدية خطوة حضارية عظيمة إلى الأمام أشادت بها وسائل الإعلام في العديد من بلدان العالم، ولكن من المؤكد أن الإجراءات التي تم الإعلان عنها قد نسفت المكاسب الإعلامية التي حققناها وسوف تتحول تلك المكاسب إلى خسائر فادحة عندما تتناولها الوسائل الإعلامية المعادية وغير المعادية بالسخرية منا وترديد الحديث عن المعاملة الدونية للمرأة في بلادنا وكأنها مواطن من الدرجة الثانية!”.
حتى لو كانت النساء قادرات على التغلب على هذه القيود، فإنه لا يزال هناك كثيرات يكافحن للتخلص من الشعور الطاغي بأن الإنتخابات البلدية لن تحقق الكثير. إنه شعور مفهوم، إذ أن سنوات من الإصلاحات الموعودة ذهبت هباء وصارت بعيدة على هامش إهتماماتهن اليومية.
“هناك الكثير من النساء يقلن، لماذا يجب أن نسجّل؟ وهذا هو الشيء المحزن “، تروي الناشطة في جدة، وهي أستاذة جامعية متقاعدة. “هناك الكثير من صديقاتي، وهم مثقفات ومتعلمات، لكنهن يقلن ما هي الفائدة؟ لماذا يجب علي أن أمارس حقي من خلال كل هذه المصاعب؟”، توضّح.
المرشَّحات الطامحات يتفقن على أن الدافع للناخبات هو تحد صارخ لهن. “ليس واضحاً لكثير من الإناث مدى أهمية مشاركتهن في هذه الإنتخابات”، تقول رندة بَراجا، وهي مديرة في شركة صحة، التي قدمت طلباً لتكون مرشحة في إنتخابات كانون الاول (ديسمبر).
الكثير من ملصقات الحكومة ولوحات الإعلان تشير إلى كيف ومتى ستجري الإنتخابات: أين تقع مواقع التسجيل، ودوامها اليومي. ما كان ينقص، تُجادِل، رسالة توضّح لماذا يجب أن تقوم الناخبات بالتسجيل.
وعلى الرغم من العثرات الأولية، فإن الفرصة للتصويت قد تفيد النساء أكثر مما يبدو، تقول المدافعات. المجالس البلدية ليست برّاقة، لكنها تعمل على القضايا اليومية المعتادة – من إصلاح الطرق إلى تنظيف القمامة – التي تؤثر بشكل وثيق في جودة الحياة لدى السعوديين. على إفتراض أن النساء نجحن في الإنتخابات، ستكون لديهن فرصة للإثبات للجمهور بأن في إستطاعتهن تنفيذ أشياء مهمة.
الرؤية وحدها يمكن أن يكون لها تأثير أيضاً، كما فعلت في البرلمان الإستشاري الوطني، مجلس الشورى. تم تعيين نساء في المجلس المؤلف من 150 عضواً لأول مرة في العام 2013، وسط مزيج مماثل من الحذر والشك. “وهناك الكثير من الناس يقولون الآن بأن النساء أثّرن في وظيفة مجلس الشورى”، قالت بسمة العمير، الرئيسة التنفيذية لغرفة التجارة في مركز السيدة خديجة بنت خويلد، الذي يهتم بشؤون المرأة. “على الرغم من أن سلطة أعضاء المجلس لم تتغير، فإن ديناميكيتهم تغيرت، وذلك بسبب النساء”، مضيفة.
بالنسبة إلى كثيرات، كانت المناسبة فرصة تستحق المتاعب. لقد تطلب الأمر للناشطة في جدة أسبوعين للتسجيل. ولكن فعلت ذلك، ودفعت بصديقاتها وأفراد عائلتها الإناث للتسجيل أيضاً. “لن أحصل الآن على شيء من المشاركة، لكن من المؤكد أن بناتي وحفيداتي سوف يحصلن على شيء من ذلك”، قالت لهن.
“إنها الخطوة الاولى، لدفع الباب. لماذا لا نفتحه الآن؟”، قالت.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى