عُمان: إشارات مُقلِقة لكن لا داعي للذعر

مع تجاوز العجز في الموازنة العامة توقعات الحكومة، وإستمرار هبوط أسعار النفط، تواجه سلطنة عُمان تحديات عدة، لكن، مع ذلك، يبدو أن إقتصادها ما زال يحتفظ ببعض النقاط المضيئة كما يفيد التقرير التالي:

منطقة الدقم: سيكون تركيز كبير عليها
منطقة الدقم: سيكون تركيز كبير عليها

مسقط – سمير الحسيني

واجه المخطّطون الإقتصاديون في مسقط وقتاً عصيباً في الآونة الأخيرة، مع صدور مجموعة من المؤشرات التي تكشف بكل الألوان مدى الألم الذي أصيبت به السلطنة التي تفتقر إلى مخازن الوقود الهيدروكربوني العازلة التي يتمتع بها جيرانها في الخليج.
في 19 تشرين الأول (أكتوبر) الفائت، كشفت وزارة المالية في عُمان عن عجز في الموازنة العامة قدره 2.68 ملياري ريال عُماني (6.97 مليارات دولار) للأشهر الثمانية الأولى من العام 2015، على عكس الفائض الذي تمتعت به البلاد في الفترة عينها من العام الماضي والذي بلغ 205.7 ملايين ريال عُماني، حيث إنخفضت عائدات النفط إلى ما يقرب من 46 في المئة إلى 3.77 مليارات ريال عُماني. لقد تجاوزت البلاد فعلياً توقعات الحكومة حول العجز المالي لهذا العام والذي وضعته في حدود 2.5 ملياري ريال عُماني – ووفقاً للمركز الوطني للإحصاء والمعلومات العُماني، فقد إنخفض إجمالي الإيرادات بنسبة 36.3 في المئة إلى 5.95 مليارات ريال عُماني مقارنة مع العام الفائت.
حتماً، لقد تأثر النشاط الإقتصادي فيما الشعور بقيود الإنفاق الحكومي بدأ يأخذ مساره بين الناس وفي الأسواق وعمليات إعادة تدوير البترودولار التي تحصل صارت نادرة جداً. إنخفض الناتج المحلي الإجمالي الإسمي العُماني 14.2 في المئة في النصف الأول من العام، كما تُظهر إحصاءات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات، فيما إنخفض الناتج المحلي الإجمالي بالأسعار الجارية إلى 13.55 مليار ريال عُماني خلال الفترة من كانون الثاني (يناير) إلى حزيران (يونيو) من العام 2015 الجاري، ضد 15.79 مليار ريال عُماني في الفترة عينها من العام 2014. ومرة أخرى، كان إنخفاض أسعار النفط هو العامل الرئيسي. إن الناتج المحلي الإجمالي للقطاع الهيدروكربوني، والذي مثَّل 34 في المئة من النشاط الإقتصادي في النصف الأول من العام 2015، إنخفض 38.2 في المئة إلى 4.64 مليارات ريال عُماني.
بعضٌ من أقوى الشركات في سلطنة عُمان أخذ يشعر بالرياح الإقتصادية الباردة مع إنخفاض الأرباح. فقد سجّل أكبر مقاول محلي، شركة جلفار للهندسة والمقاولات، خسارة صافية مُجمَّعة بلغت 3.49 ملايين ريال عُماني لفترة التسعة أشهر المنتهية في 30 أيلول (سبتمبر) الفائت، مقارنة بأرباح صافية مُجمَّعة بلغت 2.36 مليوني ريال عُماني في فترة التسعة أشهر الأولى من 2014. كما تفيد مذكرة بحثية لمحلّلي مؤسسة “الخليجية بادر لأسواق المال”، بأن هذا الرقم كان أقل بكثير من تقديراتها. “إننا مستمرون في موقفنا الحذر بالنسبة إلى أداء الشركة للمضي قدماً في خضم بيئة سوق صعبة،”، قالت.
من ناحية أخرى إنخفضت الصادرات أيضاً بشكل حاد. لقد إنخفض إجمالي الصادرات في النصف الأول من 2015 بنسبة 32.6 في المئة إلى 6.81 مليارات ريال عُماني، وذلك تمشياً مع تراجع أسعار النفط. وغَرِق متوسط سعر الخام العُماني بنسبة 43.5 في المئة إلى 59.8 دولار للبرميل خلال الأشهر التسعة الأولى من هذا العام من 105.81 دولارات للبرميل للفترة عينها من العام 2014، كما تشير بيانات المركز الوطني للإحصاء والمعلومات. وهذا الأمر أدى بدوره إلى تراجع صادرات النفط الخام والمنتجات البترولية والغاز الطبيعي المسال بنسبة 39 في المئة إلى 4.09 مليارات ريال عُماني في النصف الأول. ولكن حتى هنا، لا يمكن أن يكون كل التحدي مرتبطاً بآثار إنخفاض أسعار النفط. فقد إنخفضت الصادرات غير النفطية إلى ما يقرب من 10 في المئة إلى 1.67 مليار ريال عُماني، كما تكشف أرقام المركز الوطني للإحصاء والمعلومات.
الواقع أن هذه البيانات ترسم خلفية مثيرة للقلق لصانعي السياسات العُمانية. لكن، مع ذلك، لا تزال السلطنة تملك عدداً قليلاً من الأوراق في جعبتها. وكما أشارت وكالة التصنيف “موديز” في تقريرها عن الإئتمان في آب (أغسطس) الفائت: إن ملف الإئتمان السيادي في البلاد يعرض عدداً من نقاط القوة. ومن المرجح أن يظل نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي إيجابياً، حتى لو كانت “موديز” تتوقع أن يتباطأ إلى متوسط يتراوح بين 2 في المئة إلى ثلاثة في المئة سنوياً حتى العام 2019، إنخفاضاً من إتجاه نمو عالٍ في وقت سابق بلغ 4.9 في المئة في المتوسط بين عامي 2005 و2014. وتتوقع وكالة التصنيف الأميركية – الدولية أن يتباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي العُماني الى نحو ثلاثة في المئة خلال فترة 2015-2016.
من جهته، من غير المرجّح أن يشكّل التضخم مشكلة للإقتصاد العُماني الذي يبلغ متوسطه واحداً في المئة فقط هذا العام. إن الدولار القوي سوف يساعد على إحتواء إرتفاع الأسعار.
مع ذلك، ستستمر المالية العامة في السلطنة في تلقي الضربات. إن المحاولات للحدّ من الإنفاق لم تؤت ثمارها إلى أي درجة كبيرة. فقد هبط إجمالي الإنفاق العام بنسبة 3.2 في المئة فقط إلى 7.83 مليارات مليار ريال عُماني في الأشهر الثمانية الأولى من العام 2015. والإنفاق الحالي – مثل رواتب القطاع العام – إرتفعت فعلياً بنسبة 4.9 في المئة إلى 5.23 مليارات ريال عُماني، في حين أن الإنفاق الإستثماري – أي الإنفاق الذي يولّد النمو – إنخفض بنسبة 2.5 في المئة إلى 1.88 مليار ريال عُماني. وهذه ليست الأنواع من أرقام الإنفاق التي يريد العُمانيون رؤيتها.
“لقد تمّ خفض النفقات الرأسمالية في الموازنة، على الرغم من أن النفقات الجارية والتي تشمل الرواتب هي أعلى بكثير مما كانت عليه في العام 2014،” يقول جياس جوكنت، كبير الإقتصاديين في معهد التمويل الدولي.
ويوضّح: “لكي أكون أكثر تحديداً، فقد إنخفض المبلغ المتداول لنفقات التنمية لإثني عشر شهراً من 4.6 مليارات ريال في حزيران (يونيو) 2014 إلى 2.9 ملياري ريال في حزيران (يونيو) 2015 (-36٪ في العام على أساس سنوي). في الفترة عينها، زادت النفقات الجارية بنحو 17 في المئة”.
ليس معنى ذلك أن هناك الكثير الذي يمكن للسلطات القيام به لعكس إتجاه الإنخفاض في المالية العامة. تتوقع “موديز” أن يتوسّع العجز المالي في سلطنة عُمان من 2015 فصاعداً، فيما الإيرادات الهيدروكربونية الحكومية في إنخفاض. وتوقعت وكالة التصنيف بأن عُمان سوف تعرف عجزاً مالياً كبيراً في 2015 و2016، حوالي 12 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي، فيما الإيرادات الحكومية ستتأثر سلباً من جراء إنخفاض أسعار النفط.
ويرى محلّلون أن المالية العامة تحمل وطأة التباطؤ الإقتصادي. “إننا نتوقع عجزاً كبيراً في الموازنة، نحو 16 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2015 و12.2 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في غياب تصحيح أوضاع المالية العامة”، يقول جوكنت. مضيفاً: “لقد زادت عُمان الإنفاق بشكل حاد في السنوات الأخيرة إستجابة للضغوط الإجتماعية”.
وكالة تصنيف أخرى، “فيتش”، أشارت في دفاعها عن البلاد إلى أن الموازنة العمومية السيادية قوية، والتي تخفف من ضغوط إنخفاض أسعار النفط. ومع ذلك، فإن هذا الموقف سوف يتدهور فيما صناديق الثروة السيادية تجف سيولتها. صندوق النقد الدولي، في الوقت عينه، يتوقع أنه من دون مزيد من التعديل المالي فإن هذه المخازن سوف تُستنفد بحلول نهاية العقد، مفترضاً أن الدين الحكومي سيبقى عند نسبة 25 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي.
وحتى مع إيرادات الحكومة المنخفضة والدين الحكومي العالي خلال سنة إلى ثلاث سنوات، فإن مقاييس الدين لسلطنة عُمان ستظل تقارَن إيجابياً مع تصنيف متوسط (A)، يقول المحلل الإئتمان السيادي في “موديز” ستيفان دايك. “لدى الحكومة العُمانية العديد من صناديق الأموال، وكذلك ودائع في النظام المصرفي المحلي. بالإضافة إلى ذلك، إن ديون القطاع العام الأوسع منخفضة، والتي في رأي وكالة “موديز” تحدّ من المخاطر الناجمة عن الإلتزامات المُحتملة المُتبلورة في الموازنة العمومية للحكومة”، كما يقول.
كانت نسبة الدين العام لدى عُمان منخفضة جداً نحو ستة في المئة من الناتج المحلي الإجمالي في العام 2014. “هناك مجال واسع لمزيد من إصدار سندات ديون، ولكن حجم العجز – المتوقع حالياً في خانة منخفضة من رقمين كنسبة مئوية من الناتج المحلي الإجمالي – يعني أن مستويات الدين يمكن أن ترتفع بسرعة إلى حوالي 70 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي إذا لم تستغلّ الحكومة صندوق إحتياط الدولة. بدلاً من ذلك، من دون إصدار سندات ديون يمكن أن يُستنفَد الصندوق في غضون سنوات عدة، والدين العام سوف يستمر في الإرتفاع إلى أكثر من 20 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي”، يقول جوكنت.
من ناحية أخرى، إن الإقراض للقطاع الخاص يرتفع بشكل مطرد هذا العام، وهو عامل إيجابي. إن نمو الإئتمان في البنوك التقليدية في سلطنة عُمان تسارع إرتفاعاً الى نسبة سنوية بلغت 10.6 في المئة في آب (أغسطس)، من 9.2 في المئة في تموز (يوليو)، كما تكشف بيانات البنك المركزي.
ما هو أكثر من ذلك، أن السلطات في مسقط لديها مصدر كبير وغير مستغل حتى الآن للتمويل في متناول اليد، ويتمثّل بصندوق التنمية الخليجي البالغ 10 مليارات دولار. هذه الآلية التمويلية نشأت منذ أربع سنوات من قبل المملكة العربية السعودية والكويت والإمارات العربية المتحدة وقطر، لمساعدة الدول الأضعف إقتصادياً في دول مجلس التعاون الخليجي، سلطنة عُمان والبحرين، في أعقاب “الربيع العربي”. حتى الآن، لم تَستغلّ عُمان الجزء الخاص بها من هذه الأموال. مع عودة بعض المشاريع الرأسمالية الضخمة، مثل المشروع الوطني للسكك الحديدية، فإن تمويل دول مجلس التعاون الخليجي سيوفّر دعماً مفيداً.
سوف يستمر الإستثمار العام والخاص مركّزاً على مناطق مشاريع رئيسية مثل المنطقة الإقتصادية الخاصة في الدقم، حيث يوجد ميناء ومركز خدمات لوجستية ومنطقة صناعية.
الزيادة المطردة في إنتاج النفط الخام العُماني هذا العام الذي وصل إلى العلامة الفارقة مليون برميل يومياً في تموز (يوليو) الفائت، يوفّر أيضاً تخفيفاً أو تلطيفاً لتراجع أسعار النفط الذي شهده العام الماضي. ومن المرجح أن تستمر هذه الزيادات على مدى أعوام مقبلة عدة.
سيستمر العام المقبل في حمل وتشكيل صعوبات لحكومة سلطنة عُمان، التي قد تكافح من أجل خفض الإنفاق والحفاظ على السيطرة على المالية العامة. ولكن عموماً، لا يوجد حتى الآن مزاج للذعر في مسقط.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى