الكويت تلتقط أنفاسها

الكويت – سمير الحسيني

لقد تغيّر الكثير في الكويت منذ نهاية حرب الخليج الأولى. لقد إنطفأت منذ زمن طويل حرائق النفط التي حجبت أشعة الشمس وأمطرت السخام في جميع أنحاء شبه الجزيرة العربية في العام 1991، ورحل الديكتاتور العراقي، الذي قاد قواته وشجّعها على النهب المسعور للبلاد، منذ فترة طويلة، في أعقاب حرب إقليمية ثانية.
إن الصراع الذي دام حوالي العام وأعقب غزو الكويت في 2 آب (أغسطس) 1990، قد بدأ على النفط. أعد العراق خطته للغزو على الحرب الإقتصادية، متهماً الإمارة الخليجية بأنها تنتهج الحفر المائل عبر الحدود في حقل الرميلة النفطي الذي تملكه لسرقة نفط العراق. عندما شعرت القوات العراقية بأنها ستُطرد من قبل إئتلاف مؤلف من 34 دولة، فقد أشعلت غضباً حاقداً على أصول النفط الثمينة في الكويت، حيث أحرقت ما يقرب من 700 بئر. وإندلعت النيران لفترة تقرب من تسعة أشهر، حيث إستطاع مقاولون من القطاع الخاص، بتكلفة قدرها 1.5 مليار دولار، إطفاءها ووضع نهاية لها .
“وجرى مزيد من البناء، بين عامي 1992 و1995، حيث قدرت التكاليف بما يتراوح بين 6.5 مليارات دولارات و 10 مليارات دولار”، يقول راغو مانداغولاذور، رئيس قسم الأبحاث في شركة إدارة الأصول “مركز” في الكويت. مضيفاً: “يجب أن نتذكر أن القيمة الأصلية للأصول المفقودة تقدر بنحو 100 مليار دولار”.
وقبل عام من غزو الكويت، كان إقتصاد الإمارة ينمو بنسبة 25.9 في المئة. وفي العام 1990، عانى إقتصادها ركوداً بنسبة 26.2 في المئة، وفقاً لصندوق النقد الدولي.
كان النفط هو مصدر الدخل الرئيسي في حينه، كما هو الحال عليه اليوم. يأتي ستين في المئة من ناتجها المحلي الإجمالي حالياً من النفط والغاز، اللذين يشكلان نحو 95 في المئة من عائدات التصدير.
خمس سنوات قبل العام 1989، كان الإعتماد على النفط أقل مما هو عليه الآن، على الرغم من أن هذا الأمر يُمكن أن يُعزى إلى زيادة إنتاج النفط في سنوات ما بعد الغزو. العراق، مع خامس أكبر إحتياطي للنفط في العالم، في المقابل، فشل بإستمرار في تلبية وتحقيق أهدافه بالنسبة إلى الإنتاج.
“وفقاً لبنك الكويت المركزي، خلال السنوات الخمس المنتهية في العام 1989، إستحوذ قطاع النفط الكويتي على متوسط 45 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الوطني الشامل، و90 في المئة من عائدات التصدير، و88 في المئة من إجمالي الإيرادات الحكومية الكويتية”، يفسّر مانداغولاذور.
“كما هو الأمر اليوم، كان هناك قلق في ما يتعلق بالإعتماد المهيمن على قطاع النفط. وقد وُضِعت برامج للتنويع الإقتصادي، التي تعطلت بفعل الغزو”، متابعاً.
مع ذلك، كان أمر لا مفر منه لإصلاح المذبحة التي خلفتها القوات العراقية المنسحبة من أن تستثمر الدولة بكثافة في البنية التحتية للطاقة في البلاد. وقد أعطت إعادة الهيكلة الضخمة نتيجة جيدة، والكويت قد راكمت بثبات فائضاً من عائدات النفط على مدى السنوات ال 15 الماضية – وهو إنجاز لن تكون قادرة على تكراره في هذه السنة المالية بسبب ركود الأسعار.
الجانب السلبي هو أن الإقتصاد الكويتي هو اليوم أقل تنوعاً من دول الخليج الأخرى، وتناضل الإمارة الخليجية من أجل جذب الإستثمار الأجنبي، مع سمعة كونها واحدة من الأماكن الأكثر صعوبة في المنطقة للقيام بأعمال تجارية. هذا ليس وضعاً جديداً: كانت المشاكل الهيكلية والروتين والصعوبات البيروقراطية بالفعل على جدول الأعمال التي تم تناولها في خطة موازنة 1985 الخمسية، حتى جاء الغزو وغيّر مسار الإصلاحات الضرورية.
“في أعقاب الغزو، كان التركيز على التحوّل إلى الأساسيات مثل إصلاح المدارج، وإعادة وسائل النقل وبناء البنية التحتية الأساسية”، يقول مانداغولاذور. و”إنتقل التركيز من التنويع الإقتصادي وإصلاح الإختلالات الهيكلية، وهي أنشطة طويلة الأجل تتطلب بيئة من الاستقرار والقدرة على التنبؤ”، يوضّح.
وتركت حرب الخليج بصماتها أيضاً على المستثمرين الكويتيين الذين كانوا منذ ذلك الحين حذرين من الإستثمار بشكل كبير محلياً. الأرقام ليست متاحة عن الإستثمار في الخارج قبل وبعد الحرب من قبل صندوق الثروة السيادي الكويتي، الذي أنشئ في العام 1953. ولكن كانت دول مجلس التعاون الخليجي من المستفيدين بإمتنان من الإستثمارات الكويتية السخية على مدى العقدين الماضيين. في العام 2013، كانت الكويت أكبر مستثمر بين دول مجلس التعاون الخليجي والعالم العربي في الخارج مع 8.4 مليارات دولار من الإستثمار الأجنبي المباشر الخارج، كما أشار تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني. وكان هذا المبلغ تقريباً يساوي ثلاثة أضعاف مبلغ العام 2012. في المقابل، تلقت البلاد فقط 2.3 ملياري دولار من الإستثمار الأجنبي المباشر الداخل في العام 2013.
“بسبب ما حدث خلال 1990-1991 في الكويت، فقد أدى ذلك إلى تحوّل [الاستثمار] نحو دبي وقطر”، يقول الرئيس التنفيذي لخدمات “مبادر” أحمد المطوع. “لقد إعتقد المستثمرون بأن هذا البلد قد يُغزا مرة أخرى. وإن الإمارة ليست مستقرة”، مضيفاً.
“لكن، لقد تحوّلت العقلية في السنين العشر الماضية. حيث كانت الكويت أكثر إستقراراً، وهي بالتالي في موقع مثير جداً للإهتمام بالنسبة إلى الاستثمار”، يؤكد.
منتهياً: “نحن الآن نتحدث عن المطار الجديد، ونظام المترو الجديد، وسلطة إستثمارية جديدة. هناك الكثير من البنية التحتية [تطوير] يحدث حولنا الآن. إن الأشياء تحدث، بسبب الإستقرار الذي عرفته الإمارة في السنوات الثلاث أو الخمس الماضية”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى