سياسة حافة الهاوية التي يتبعها عون خطيرة جداً

بيروت – رئيف عمرو

إعتبر خبراء في السياسة اللبنانية أن قرار العماد ميشال عون بتنظيم تجمع نصر سياسي حاشد قرب القصر الجمهوري اللبناني في بعبدا، في الأسبوع الثاني من الشهر الجاري، كان أمراً غير حكيم. قبل ربع قرن، كان هذا القصر موقع هزيمة نكراء له على أيدي الجيش السوري، الذي هرب منه إلى سلامة السفارة الفرنسية.
لقد تغيّر الكثير منذ ذلك الحين. الآن عون متحالف سياسياً مع النظام السوري و”حزب الله”. في العام 1989، كقائد للجيش ورئيس حكومة عسكرية، أعلن عون ما يسمى ب”حرب التحرير” لإجبار سوريا على سحب جيشها من لبنان. وقد فشل عندما، في 13 تشرين الأول (أكتوبر) 1990، قصفه السوريون بالمدفعية والطائرات وأخرجوه من القصر الرئاسي.
ومع ذلك بعض الأشياء لم يتغير. فكما سعى عون إلى التلاعب في المسيرات المناهضة لسوريا في فترة 1989-1990 لإحداث واقع يؤدّي إلى إنتخابه رئيساً للجمهورية اللبنانية، فكذلك، في 11 تشرين الأول (أكتوبر) الجاري، رأى مسيرته في بعبدا كوسيلة ضغط ليتم إنتخابه.
وقد جمد هذا القرار أو الطموح على نحو فعّال النظام السياسي اللبناني منذ أيار (مايو) 2014. لأنه لم يضمن الفوز بالتصويت مسبقاً، فإن عون حال دون النصاب القانوني في البرلمان لإنتخاب رئيس جديد. وقد أعاق أيضاً عمل مجلس الوزراء، بحجة أن موقع رئيس الجمهورية المسيحي الماروني شاغر، وأن الوزراء المسيحيين يمثلونه بشكل جماعي، لذلك يجب إتخاذ جميع قرارات الحكومة بالإجماع.
على الرغم من عرقلة عون، فقد دعمه “حزب الله” في جهوده، حيث قال علنا أ​نه يؤيده للرئاسة. في حين أن البعض جادل بأن الحزب يقود عون سعياً إلى تحقيق أجندته الخاصة، فإن الواقع هو أكثر دقة. إن “حزب الله” لا ينظر فقط إلى عون كسياسي سوف يدافع عن مصالحه، فإنه قد يكون يعتقد كذلك أنه سيعمل على تعديل الدستور لمصلحة الشيعة.
كلٌّ من “حزب الله” وعون يشعر الآن بأنه الوقت المناسب للإستفادة من الإتفاق النووي الأخير مع إيران. وقد فسّرا، صحيحاً، أن الصفقة هي بمثابة دفعة للجمهورية الإسلامية، وتحويل ميزان القوى في المنطقة لصالحها. لذلك، في إعتقادهما، أن هذا التوازن الجديد يجب أن ينعكس في لبنان من خلال رئيس موالٍ ل”حزب الله”، وربما أيضاً، نظام دستوري يمكنه تأمين وتوسيع مكاسب الشيعة.
بينما لم يعرِّف “حزب الله” علناً عن أهدافه، فإن مسؤولي الحزب تحدثوا طويلاً عن إصلاح شامل للنظام السياسي الطائفي. وفقاً لدستور 1989 في لبنان، الذي تمت الموافقة عليه في المنتجع السعودي الطائف، فإن التمثيل في البرلمان والحكومة والخدمة المدنية هي 50-50 بين المسيحيين والمسلمين.
مع ذلك، فقد أشار بعض السياسيين الشيعة إلى أن “حزب الله” يريد أن يضع نظام مثالثة: ثلث للشيعة، وثلث للسنة، وثلث للمسيحيين الموارنة، مع تلقي المجتمعات الصغيرة حصة في هذا الإطار.
يبدو أن عون يتفق مع هذا التعديل. بينما سيخسر المسيحيون التمثيل من خلال هذه الخطة، فإن الأساس المنطقي لعون وزوج كريمته، وزير الخارجية جبران باسيل، هو أن العديد من البرلمانيين والوزراء المسيحيين يعيَّنون بالفعل أو يُجلَبون إلى مناصبهم بواسطة السياسيين المسلمين، وبالتالي فإن إنخفاض التمثيل لن يكون خسارة صافية بالنسبة إلى النفوذ الطائفي.
الأهم من ذلك، أنه بالنسبة إلى عون وباسيل، فإن غالبية هيكلية المسيحيين التي تساند تيارهما والشيعة سوف يضعون السنة في وضع دائم غير مؤاتٍ. وهذا يعكس خوفهم الفطري من السنّة، الذين يعتبرونهم من الظالمين للأقليات الإقليمية. وقد إكتسب هذا الرأي الخام مساحة فيما كانت الحرب في سوريا تسمح للجماعات الجهادية بالتكاثر. وهذا ما يفسّر أيضا تعاطف عون مع الرئيس السوري بشار الأسد.
بينما تجاوز عون الثمانين، فإن رفع وترقية باسيل أخيراً إلى منصب رئيس “التيار الوطني الحر”، يفتح آفاقاً جديدة ل”حزب الله”. لقد تجنّب عون أخيراً إنتخابات في “التيار الوطني الحر” كان يعلم أن باسيل سيخسرها، وبدلاً من ذلك، فقد فرض فوزه بطريقة غير ديموقراطية. والشيء الذي لم يُذكر هو أنه إذا توفي عون (والأعمار بيد الله) قبل أن يصبح رئيساً، فإن “حزب الله” ربما سيحوّل دعمه إلى باسيل.
كان مسار عون غريباً. كان، وما يزال، مسؤولاً عن إستمرار الفراغ السياسي المُنهِك للبلاد منذ أيار (مايو) 2014. وبينما يدّعي الدفاع عن سيادة لبنان، فقد دخل في شراكة مع طرف، “حزب الله”، خلق دولة داخل دولة في لبنان.
وفيما كان يزعم أنه فوق الحسابات الطائفية، فقد تصرّف عون بطريقة طائفية هي الأكثر ضيقاً، غير مبالٍ بالإستقطاب الذي تفاقم جراء ذلك، مما ألحق ضرراً كبيراً بالعلاقات المسيحية-السنية على وجه الخصوص. في الواقع، إن رفض أهل السنة له، سواء في لبنان أو في الدول العربية ذات الغالبية السنية، هو الآن أكبر حاجز أمام إنتخابه رئيساً.
سوف تستمر سياسة حافة الهاوية التي يتبعها عون، وهو لن يتوانى عن أي شيء حتى يفوز في الإنتخابات. مع ذلك، فإن الخطوط الحمر لعون يحدّدها “حزب الله”، الذي يدعمه إلى أقصى درجة، لكنه لا يريد أن يعم عدم إستقرار خطير في لبنان نتيجة لذلك. لكن، وكما أظهر عون في العام 1990، في سعيه إلى رئاسة الجمهورية، فإن التناقض المدمّر ليس عيباً.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى