العملة الأميركية… مشكلة الجميع

واشنطن – محمد زين الدين

هل أن قرار مجلس الإحتياطي االفيديرالي في أميركا لتجميد أسعار الفائدة عند مستوى الصفر يعني إقتصاد الولايات المتحدة أم الإقتصاد العالمي؟
كان العالم يتوقع تحرك مجلس الإحتياطي الفيديرالي في الولايات المتحدة لزيادة أسعار الفائدة من مستواها الحالي، من الصفر، منذ سنتين تقريباً الآن. لقد ألمحت رئيسة مجلس الإحتياطي الفيديرالي جانيت يلين قبل بضعة أشهر أن البنك المركزي مستعد لهذا التحرك هذا الخريف. ولكن عندما إجتمعت لجنة السوق المفتوحة في الشهر الفائت، فقد قررت، مرة أخرى، تعليق زيادة الفائدة لأجل أطول.
في مناسبات سابقة، كان هذا النوع من ضبط النفس، بعد تحذيرات واضحة بأن زيادة على الفائدة آتية، سيثير قلق وإرتباك الأسواق. هذه المرة، مع ذلك، كان المستثمرون على إستعداد للإنتظار – ولكن ليس بسبب تعثر داخل الإقتصاد الأميركي. ولكن جرّاء التقلبات الأخيرة في السوق الصينية – نتيجة لتعديل سعر الصرف في توقيت سيىء في آب (أغسطس) وإنخفاض قيمة العملة الحاد اللاحق – والمخاوف حول قدرة دول “بريكس” الأخرى (روسيا، البرازيل، الهند، جنوب أفريقيا) قد حوّلت توقعات المستثمرين. ونتيجة لذلك، عندما بقيت أسعار الفائدة على الدولار الأميركي على حالها بالكاد رفّ جفن عين في الأسواق – حتى لو كان بعض التجار شعر بالغضب.
فيما الذاكرة الجماعية عن زيادة أسعار الفائدة فوق الصفر في أميركا بدأت تتلاشى – في المرة الأخيرة كانت هناك زيادة في معدل الفائدة في العام 2006 – يبدو أن بنك الإحتياطي الفيديرالي بدأ يزداد أن يكون على حد سواء أكثر إنسجاماً مع التوقعات الإقتصادية العالمية وأكثر إستعداداً للأخذ بعين الإعتبار أثر سياسته النقدية في بقية أنحاء العالم. هذا الواقع هل هو نتيجة لنهج يلين الذي هو عادة حمائمي والحذر في صنع السياسات؟ أم أن مجلس الإحتياطي الفيديرالي تعلّم الدرس من العام 2013، عندما أعلن رئيس الإحتياطي الفيديرالي السابق، بن برنانكي، مُقدَّماً نيته التخلص التدريجي من برنامج التيسير الكمي للبنك، مما أدى الى “تفتق نوبة غضب” في الأسواق الناشئة من البرازيل الى إندونيسيا؟
الواقع أن أيّاً كان منطق بنك الإحتياطي الفيديرالي، فإنه خبر سار بالنسبة إلى بقية العالم. لقد أظهرت الأزمة المالية العالمية في العام 2008 أن الدول هي أكثر تكاملاً من الناحية المالية مما كان عليه الحال قبل 30 عاماً فقط، وأن العدوى المالية تنتشر بسرعة أكثر بكثير. على سبيل المثال، أنظر إلى التوسع، منذ العام 1990، في مجموع تدفقات رأس المال عبر الحدود (المال الذي ينتقل بين البلدان من أجل أن تستثمر في المصانع، والمباني، والبنية التحتية، أو في السندات والأسهم). اليوم، هذا التدفق من المال يبلغ حوالي 26 تريليون دولار في جميع أنحاء العالم، حيث يأتي 38٪ منه من الإقتصادات الناشئة، مرتفعاً من 14 في المئة في العام 1990.
في الإقتصاد العالمي، لا تزال الولايات المتحدة البلد الرئيسي المهم بشكل منتظم. فهي تصدر عملة الإحتياط الدولية الرئيسية. ويُستخدم الدولار لفوترة وتسوية ما يقرب من 80 في المئة من تجارة العالم، وتمثّل الأصول المقوَّمة بالدولار حوالي ثلثي الإحتياطات المعروفة للبنوك المركزية. إن السياسة النقدية الأميركية لا تزال تهمّ بقية دول العالم عند مستوى ببساطة لا تستطيع الصين الوصول إليه.
وهكذا ساعد قرار مجلس الإحتياطي الفيديرالي جميع إقتصادات الأسواق الناشئة المختلفة التي واجهت في الآونة الأخيرة هروب رأس المال وإنهيار عملاتها. الصين ليست الوحيدة التي تكافح للتعامل مع المال الهارب من البلاد ومع تعثر اليوان (الرنمينبي). لقد انهار ال”ريال” في البرازيل بعدما خُفِّض التصنيف الإئتماني للبلاد إلى حالة غير مرغوب فيها (junk status). وكانت روسيا تناضل منذ أشهر لدعم قيمة الروبل. إحتياطات النقد الأجنبي، التي تراكمت خلال سنوات من الطلب القوي على الصادرات وإرتفاع أسعار النفط والسلع، تُستخدم حالياً في محاولة للحفاظ على أرضية في ظل أسعار الصرف هذه: إن إحتياطات روسيا هي الآن 76 في المئة مما كانت عليه قبل عام واحد فقط، في حين تراجعت حيازات الصين من النقد الأجنبي إلى ما يقرب من 3.5 تريليونات دولار من ذروة بلغت 4 تريليونات دولار في تموز (يوليو) 2014.
بطبيعة الحال، إن ولاية مجلس الإحتياطي الفيديرالي ليست لدعم الإقتصاد العالمي. بدلاً من ذلك، إنها تقوم على متابعة أهدافه القانونية المتمثّلة في “خلق فرص عمل، وأسعار مستقرة، وفائدة معتدلة على المدى الطويل” في الولايات المتحدة. لكن هذه الولاية يمكن أن تُفسَّر تفسيراً ضيقاً أو على نطاق أوسع. وبوصف أميركا رائدة وأكبر مستثمر أجنبي مباشر في العالم – مع ما يقرب من 340 مليار دولار إستثمرت في جميع أنحاء العالم – فإن إقتصاداً عالمياً مزدهراً ومتوازناً ينبغي أن يكون مصدر قلق لصانعي السياسة الأميركية، ويرتبط إلى حد كبير بضمان إستمرار الإقتصاد المحلّي قوياً.
إن تقييم تأثير إمتداد السياسات الإقتصادية ينبغي أن لا يتطلب تفكيراً عميقاً في بلدان ذات أهمية نظامية مثل الولايات المتحدة، وخصوصاً عندما يكون الهدف من الحفاظ على الإستقرار المالي الدولي لا يتعارض مع أهداف السياسة الداخلية. مع عدم وجود ضغوط تضخمية – إرتفع مؤشر أسعار المستهلك في آب (أغسطس) الفائت بنسبة 0.1 في المئة – والناتج المحلي الإجمالي الآن في طريقه إلى النمو بحوالي 3 في المئة بعد تباطؤ في وقت سابق من هذا العام، يمكن للبنك الإحتياطي الفيديرالي أن يتحمل تجاوز الإعتبارات المحلية.
لكي تكون أميركا القوة المالية والنقدية الرائدة عالمياً فهذا يأتي مع مسؤوليات: في عالم ما بعد الأزمة المالية فإنه على الصعيد الدولي لم يعد مقبولاً القول “عملتنا، ولكن مشكلتكم”.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى